على مدى التاريخ المعاصر ومنذ الحرب العالمية الثانية لم يتوقف مسلسل الانقلاب الامريكي ، ومحاولة السيطرة على الشعوب وبلدناها ، فهذه شيلي والتي اطاح الأمريكيون برئيسها سلفادور الليندي وقتله في عام ١٩٧٣ ، وكذلك الغزو الامريكي لجزر الكاريبي في العام ١٩٨٣، تلك الدولة الفقيرة والتي لا تملك حتى جيشاً نظامياً وقتلت رئيسها وكافة أعضاء الحكومة آنذاك .
العراق هو الاخر كان مثالاً في السطوة الامريكية واحتلاله سنة ٢٠٠٣ وتدمير شعبه والتحكم بمصيره ومحاولة فرض مخطط خطير ودستور معد سلفاً في الغرف البريطانية لولا تدخل وموقف المرجعية الدينية العليا في المطالبة بإيجاد جدول زمني لخروج الاحتلال والتأسيس للجنة الدستورية وكتابة دستور عراقي جديد ودائم وبايدي عراقية ، فلولا هذا الموقف من المرجعية الدينية العليا لكنا الى اليوم نعيش سطوة الجندي الامريكي والتحكم بأقتصاد البلد الغني بالنفط والخيرات والثروات .
اميركا دخلت بصورة مباشرة في الواقع الشرق أوسطي ، من خلال التحريض والتمويل والتدريب وبإشراف الحكومة الإسرائيلية والتي بالأساس لها تحالف ستراتيجي مع “جبهة النصرة ” لتبدأ بزج الالاف من المرتزقة من جميع البلدان ومختلف الجنسيات ، والهدف الاول هو اسقاط النظام السوري ومن ثم فتح جبهة جديدة في العراق لاسقاط العملية السياسية وبمساعدة اعوان النظام الصدامي البائد من البعثيين ورجال الامن الخاص والاستخبارات والمخابرات وفدائيي صدام والمتعاونين معهم من مرتزقة وحواضن لم يرق لهم التغيير الديمقراطي وسيطرة الاغلبية المضطهدة على مقاليد الحكم في البلاد .
الرغبة الملحة في التوسع والهيمنة هو المسيطر على عقلية وفكر الادارة الامريكية ، وهم على قناعة تامة ان ما يقومون به من السيطرة على بلاد الشرق الأوسط والبلدان الصغيرة والضعيفة هو استحقاق مكتسب لهم ويجب ان يقوموا به وذلك لفرض السيطرة والهيمنة وإنشاء محور ممانعة لحماية البنت المدللة “اسرائيل”.
المفاجاة كانت ولادة دولة في عام ١٩٧٩ اسمها ايران بعدما كانت شرطي المنطقة في حكم الشاه ، ورغم انها كانت تنهض نهوضا بطيئاً لتذهب الأمريكان من خلال ارباك الموقف مرة ثانية وشن حرباً شرسة بين الجانبين في الثمانينات راح ضحيتها اكثر من مليون ونصف من الجانبين ، ومع ذلك خرجت ايران من هذه الحرب وهي قادرة على النهوض والوقوف امام المخطط الامريكي ، وتؤسس لدولة حديثة فيها مرافق صناعية متطورة وزراعية متقدمة ونووية لافتة للنظر ولتكون نداء قوياً امام القوى الغربية ومنع النفوذ الغربي من التمدد في الشرق الأوسط ، وما نشهده اليوم من ضغط كبير من المحافظين من اجل إيقاف اي اتفاق نووي مع ايران ، وهذا ما أكده نتنياهو في خطابة الأخير ” حتى لو أقر الأنفاق فانه سوف يذهب الى الحرب لوحده ان تطلب الامر ذلك ” في تحدٍ غير مسبوق وإحراج كبير للإدارة الامريكية والتي أصبحت بين سندان الاتفاق النهائي ومطرقة التهديد الاسرائيلي .
ربما الوضع في المنطقة العربية غير مطمئن خصوصاً مع تمدد “داعش ” في المنطقة العربية ، وخطاب الإرهابي الأكبر “البغدادي ” لهو دليل واضح ان المواجهة توسعت لتشكل السعودية واليمن ، امام الصعود اللافت لمحور الممانعة “ايران ، العراق ، لبنان ، سوريا، اليمن ” والتي أصبحت من القوى الصاعدة والمؤثرة في المنطقة والوقوف بوجه المخططات الامريكية الرامية الى اعادة تشكيل شرق اوسط كبير بدويلات صغيرة مشتتة ومقسمة وضعيفة .
مصر هي الاخرى ربما تدخل في هذا الصراع من خلال محاولة زج الجيش المصري في الصراع الدائر في اليمن ، والوقوف بوجه الحوثيين من السيطرة على الدولة بعد تهميشهم ومنه مشاركتهم في حكومة السعوية في عدن ، وهو بالتأكيد تدخل مدفوع الثمن ، وما المنتدى الاقتصادي الأخير الذي عقد في شؤم الشيخ لهو خير دليل على الدعم الخليجي لمصر ومحاولة اعادة دورها كشرطي خليجي جديد في المنطقة ، وغيرها من مواقف مدفوعة الثمن سلفاً كبيان الأزهر الأخير الذي خرج عن آداب اللياقة والتخصص ، والذي جاء ضد الحشد الشعبي ومواقفه البطولية في الوقوف ضد التمدد الداعشي والذي بدا يهدد أزهر مصر وفي عقر ديارهم .
المواجهة بين قوى البيت الأبيض ومحور الممانعة بدأت تشتد شيئاً فشيئاً خصوصاً اذا لم يرى الملف النووي النور على الارض مع ازدياد تمدد الدواعش في الشرق الأوسط فإننا ننتظر مستقبل ونفق مظلم لا يمكن التكهن بعواقبه على المنطقة عموماً .