23 ديسمبر، 2024 1:03 ص

أمريكا والشرق الأوسط – الصامت الناطق!

أمريكا والشرق الأوسط – الصامت الناطق!

لم تكن عملية احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة, حدثا هامشيا في الأرشيف التاريخي لهذه الدولة, فتعدد وكثرة حالات الفشل, في إدارتها لهذا الملف, كانت أكثر بكثير من مردودات النجاح والإيجابية, بل يكاد يكون فشل أهدافها الإستراتيجية في هذا البلد, قد أوجد لديها انكسارا سيكولوجيا, اضطرها إلى النأي بنفسها, عما حصل بعد ذلك من أحداث كبيرة ومهمة؛ قد يقول البعض أن هذا هو أسلوب الحزب الديمقراطي, في السياسة الخارجية, وهو مبني على التقليل من التدخل والتفاعل, مع الأحداث التي قد تسحب القدم الأمريكية إلى أوحال, يكلفها الخلاص منها أثمانا باهظة! إلا أن الواقع, قد يقودنا إلى احتمال حدوث شرخ في حالتها الوجودية!

فوبيا العراق, شكلت هاجساً يصعب تجاوزه بسهولة, في ذهن ومخيلة الإدارة الأمريكية الحالية, فقد أصبحت هذه الفوبيا هي المعيار الأهم, في التعاطي والتجاوب مع الأحداث, في منطقة الشرق الأوسط؛ وقد كانت هذه الفوبيا سببا رئيسيا, لخلق حالة تعدد الأقطاب في منطقة الشرق الأوسط, فلم تعد الولايات المتحدة, تتميز بكونها القطب الأوحد, أو الأقوى في هذه المنطقة, بل أن صراع الإرادات, قد بلغ مستوى تعددت فيه وكثرت, خارج إطار الأحادية أو الثنائية!

انفجار الوضع في سوريا في عام 2011, وانزواء الجانب الأمريكي وابتعاده عن عسكرة الحدث, فسح المجال واسعا لدخول قوى إقليمية ودولية كأقطاب, بعضها يمارس الصراع من أجل بسط النفوذ, والآخر يمارسه من أجل إثبات الوجود, والثالث يمارسه من أجل تثبيت الحال القائم في المعادلة الدولية! فنرى أطرافا كتركيا وإيران والسعودية وروسيا وفرنسا, بدأت تدخل منفردة أو متحدة, بقوة في الحدث السوري, وتبعه في ذلك الحدث العراقي, جعل هذه الأطراف تدخل في معترك, تنشطر مشاكله وتبعاته وتتكاثر كل يوم, وكلما ازدادت حدة المواقف, ازداد ارتباط وتفاعل هذه الأطراف بالحدث ومشاكله.

أمريكا, وفي نظر بعض المحللين هي الرابح الأكبر, حيث أنها حفظت نفسها من الدخول في أتون مشاكل متجزئة متشظية متكاثرة, تعمل على استنزافها واستنزاف ثرواتها؛ البعض الآخر من المحللين يرى أن أمريكا, قد بلغت من الضعف مبلغا, جعلها تخسر الكثير من مواطئ أقدامها (النفعية), في منطقة الشرق الأوسط, وإن عودتها إلى مشهد الأحداث, سيتطلب منها تقديم تنازلات إلى الأقطاب المتعددة, التي برزت مؤخرا في المنطقة.

قد تصدق إحدى القراءتين, وتُخطأ الأخرى, ولكن ما هو ثابت لدينا, أن هناك انهيارا اقتصاديا قريبا ومرتقبا, سيصيب الأطراف المتنازعة, نتيجة الانهيار الكبير والمفزع في أسعار النفط, وإنهاك إقتصادياتها بحروب استنزاف طويلة الأمد, يصاحبه انتشار حالة من التعطش, للسلع الكمالية لدى شعوب المنطقة, سيجعل من أطراف النزاع, مصهرا لاستنزاف الثروات, وقد يكون هناك رابح في السياسة أو الحرب, ولكن أمريكا سيكون لها مستقبلا, الدور الرئيسي في السيطرة والتلاعب بالاقتصاد العالمي, بعد إنهاك اقتصاديات الدول المتنازعة.

*ماجستير فكر سياسي أمريكي معاصر- باحث مهتم بالأيديولوجيات السياسية المعاصرة.