18 ديسمبر، 2024 11:04 م

أمريكا وإيران وما بينهما

أمريكا وإيران وما بينهما

محللون وخبراء سياسة عرب وأجانب يشغلون أنفسهم بنتائج الانتخابات الإيرانية المقبلة، ويؤجلون توقعاتهم حول المرحلة القادمة، ويتوهمون بأنَّ على أساسها سيتقرر شكل المنطقة وملامح العلاقة المقبلة بين إيران وإدارة بايدن وإسرائيل، وموقع السعودية وروسيا والصين على خارطة المستقبل القريب، ثم الغد البعيد.

فهم يقفزون على الحقائق الثابتة، ويظنون أنها انتخابات، بحق، وبأن الفائز فيها برئاسة الجمهورية سيكون هو المتحكم بخط سير السياسة الخارجية، وبالتالي بمصير الملف النووي، والعقوبات الأمريكية، والتقارب أو التباعد مع إدارة بايدن.

إنها انتخابات شكلية يحتاج إليها النظام الإيراني الاستبدادي الديكتاتوري المتطرف لتجميل وجهه أمام العالم الخارجي، فقط لا غير. أما نتائجها فمعروفة ومقررة سلفا، ما دام الولي الفقيه هو الذي يقرر من هو المسموح له بالترشح، لا لرئاسة الجمهورية، فقط، بل حتى لعضو البرلمان والوزارة، ومن المقرَّر له أن يفوز.

فمنذ قيام جمهورية الخميني والسلطة الحقيقية، والقرار الأول والأخير بيد شخص واحد متفرد وممسك بجميع مفاتيح القوة العسكرية والمالية والأمنية والدينية في البلاد، وحده لا شريك له.

فلم يكن أبو الحسن بني صدر وعلي خامنئي أثناء قيادة الخميني، ثم هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي ومحمود أحمدي نجاد، وحسن روحاني في عهد المرشد الأعلى علي خامنئي بأكثر من موظف مُعيَّن فقط لتنفيذ سياسات مرسومة ومقررة من علٍ ليس له فيها سوى صلاحية الاجتهاد في طريقة التنفيذ، أي أنه مجرد مدير مكتب القائد الأعلى المكلف بنقل أوامره إلى أجهزة الدولة المختلفة، وإلى دول الخارج، وينقل الوارد منها إلى سيده الرئيس.

وواضح أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، وهي أكثر القائلين بانتظار نتائج الانتخابات الإيرانية، تحاول أن تكسب مزيدا من الوقت، أملا في اقتناع المرشد الإيراني بسرعة العودة إلى التفاوض حول الملف النووي والصواريخ. وهي من أجل ذلك لم تدخر وسعا في بذل إشارات إيجابية عديدة توحي بأنها غير معنية سوى ما يتعلق بالملف النووي من الشروط الإثني عشر التي وضعها مايك بومبيو، وزير خارجية الرئيس السابق دونالد ترمب، وهي:

          وقف محاولات تطوير سلاح نووي.

          السماح لمفتشي الوكالة الدولية بدخول كل المواقع النووي.

         وقف إنتاج أي صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية.

         الكشف عن جهودها السابقة لبناء سلاح نووي

أما باقي شروطه الأخرى، وهي:

         وقف دعم الإرهاب وخاصة حماس وحزب الله والجهاد الإسلامي.

         وقف دعم الميليشيات الشيعية في المنطقة والحوثيين.

         سحب قواتها من سوريا.

         وقف دعم طالبان وجماعات إرهابية في أفغانستان.

          وقف استضافة قيادات القاعدة.

          وقف تهديد دول جوارها.

          الإفراج عن كافة المعتقلين الأميركيين في إيران.

          وقف عمليات القرصنة الإلكترونية.

فقد أصبحت من الماضي.

إذن فأمريكا بايدن، ومعها إسرائيل، لا تريدان من النظام الإيراني سوى الموافقة على وقف تجارب تصنيع السلاح النووي، من أجل إبقاء إسرائيل المالكة الوحيدة لهذا السلاح في المنطقة، ثم بعد ذلك يأتي دور ملف الصواريخ الإيرانية التي (تتمنى) أمريكا ضبطها والتعهد بعدم استخدامها، لاحقا، ضد إسرائيل.

وما عدا ذلك فلا شغل لأمريكا به ولا لإسرائيل والتدخل فيه. فالوجود الإيراني العسكري في اليمن والعراق وسوريا ولبنان شأن خاص لا يدخل ضمن ممنوعاتهما. فقط قواعد الحرس الثوري وحزب الله والمليشيات العراقية الولائية في سوريا، واقترابها من حدود إسرائيل. وهو ما يفسر الهجمات المتكررة على معسكرات إيرانية ومستودعات أسلحة لا يريدها ولا يأمنها الإسرائيليون، وبموافقة أمريكية كاملة، ودون تردد.

أما تصريحات المسؤولين الأمريكيين عن عدم عدم وجود نية لديهم لرفع العقوبات قبل عودة إيران إلى التفاوض فما هي سوى محاولات لتلقين الإيرانيين بأن رفع العقوبات وإطلاق الأموال الإيرانية المجمدة أمرٌ في حكم المؤكد، ولكن فقط حين يعودون إلى طاولة المفاوضات حول الملف النووي، ثم، بعد ذلك، يتعهدون بعدم استخدام صواريخهم من سوريا ولبنان ضد إسرائيل، لا اليوم ولا في الغد القريب أو البعيد.

وكما يجري في لعبة جر الحبل الشعبية المعروفة نسمع وزير الخارجية الأميركي، آنتوني بلينكن، يصرح بأن أمريكا “لن ترفع أي عقوبات عن طهران قبل عودتها إلى إلتزاماتها النووية”، ثم يرد عليه قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، إسماعيل قاآني، متوعدا “بتهشيم عظام الولايات المتحدة الأميركية”، ولا هذا ولا ذاك في وارد القفز من الأقوال الطائرة في الهواء إلى أفعال حقيقية مسلحة بالبارود.

والحقيقة أن إيران أكثر من إدارة بايدن شوقا واستعجالا للمفاوضات، خصوصا بعد أن بلغت مرحلة الاختناق المالي والاقتصادي والاجتماعي حداً جعل رئيس الجمهورية السابق، أحمدي نجاد، يقول إن (غالبية الإيرانيين عاجزة عن شراء أرجل الدجاج لأكلها، ونحن ما زلنا نبشر بتصدير الثورة إلى دول الجوار).

إن كل واحد منهما ينتظر الخطوة الأولى من أخيه. فالنظام الإيراني يعلم بأن قبوله بالمفاوضات سيكلفه أثمانا باهظة، أمنية وعسكرية وسياسية وشعبية وطائفية وقومية، وعليه فهو يخشى من أن يُقدم رِجله أولاً ثم تتأخر أمريكا برفع العقوبات، فتكون الكارثة.

وإدارة بايدن، هي الأخرى، ومن خبرة الإدارات الأمريكية المتعاقبة على مدى أربعين عاما، بغدر المعممين الإيرانيين ومماطلاتهم وشطاراتهم في التفلت من التزاماتهم، تخاف من أن تتقدم هي أولا فتتنازل ثم لا يلبي النظام الإيراني مطالبها ومطالبَ حلفائها الإسرائيليين، فتكون الفضيحة التي لا يقوى بايدن على تحمل تبعاتها الانتخابية القادمة.

أما من يتأمل أن تتضمن المفاوضات الإيرانية الأمريكية القادمة ملفات الوجود الإيراني المذل والمفقر والمفسد والمستغل في العراق وسوريا ولبنان واليمن فهو واهم وسابح في عالم الأحلام التي لا تتحقق.