تعلمّنا في أبجديات السياسة ،أن لاتوجد عداوات دائمة ،بل مصالح دائمة،وهذا ما نراه اليوم في العلاقات الإمريكية – الإيرانية، في المنطقة عموماً،وفي العراق خاصة،حيث إعترف أكثر من قائد أمريكي وإيراني ،أن إيران ساعدت أمريكا في غزوها وإحتلالها للعراق، وهذا موثّق رسمياً على لسان قادة البلدين،ثم تطوّرت العلاقات بعد الإحتلال، في تقسيم الادوار والمناصب والموارد والنفوذ،في تأسيس مجلس حكم تحاصصي طائفي،وإستمرالتخادم الأمريكي – الإيراني، حتى ظهور تنظيم داعش الإجرامي، بعد الحرب الطائفية الاهلية عام 2006 صعوداً، ودخول داعش الى المدن الغربية، بتواطؤ إقليمي ودولي،وسيطرته عليها،بعد إنسحاب الجيش، إنسحاباً غير منظمّ يشبه الهروب بالدشاديش،وتسليمها بيد الظلام الداعشي القذر، الذي قتل الالاف من أبنائها،وبعد طي صفحة داعش بتحرير المدن الغربية من براثنه،وبمشاركة رئيسية من التحالف الدولي،كانت العلاقات الأمريكية – الإيرانية تخادمية تماماً، ويدعم التحالف الدولي بزعامة أمريكا الجيش والشرطة والحشد الشعبي ، ويمولّهم بالسلاح ،والمعلومات الإستخبارية ، ضد ارهاب داعش وفلوله في سوريا والعراق،أقول بعد أن إنتهت الحرب على داعش في العراق،إنتهى شهر العسل،بين أمريكا وإيران والفصائل والحشد الشعبي، وتحوّلوا – أعداء لبعضهم، وإنتهت فترة تخادم المصالح الى الأبد، وبدأت صفحة جديدة،هي صفحة إنهاء نفوذ بعضهما البعض في العراق، والتفرّد في السيطرة على العراق ،وقراره السياسي والإقتصادي والنفطي، والإستحواذ على موارده كلها،فصرّنا نسمع (نغمة) ، ضرورة إنهاء التواجد الأمريكي في العراق، وغلق قواعده العسكرية، بعد اتفاقية أمنية عقدتها أمريكا مع نوري المالكي، عام 2011 ،وانسحاب الجيش الأمريكي من العراق،وأحد بنود هذه الإتفاقية، أن الجانب الامريكي هو من له الحق فقط ،أنْ يُلغي أو يستمر بالتواجد العسكري في العراق، حسب ظروف تهديدات داعش ،والارهاب للمصالح الامريكية في عموم الشرق الاوسط،وهكذا تصاعدت حدة التوترات بين إيران وفصائلها الولائية وأمريكا، حتى حدثت الحرب بين اسرائيل وإيران، ودعمت أمريكا العدو الصهيوني، بكل ما أوتيت من قوة عسكرية وتكنولوجية، والجميع يعلم ما فعلته إسرائيل في إيران ،من قتل قيادات عسكرية وأمنية وإستخبارية من الصف الاول، وتدمير بنى تحتية، وإنهاء برامجها النووية ـفي فورودو وشيراز ومشهد ونطنز وبوشهرواصفهان وغيرها، واليوم ،المنطقة على أعتاب حرب أخرى بين اسرائيل وأمريكا وحلفائها، ولكنها ستكون أشد تدميراً وقتلاً من الأولى ، فماهي المعطيات لتلك الحرب المرتقبة،أولى إشارات هذه الحرب ،هو مايجري من تصريحات وتهديدات وإستحضارات عسكرية وإعلامية وسياسية للطرفين، وإستمرار العدو الصهيوني ،في قصف يومي لأهداف عسكرية ومخازن أسلحة وصواريخ في ضاحية لبنان الجنوبية واغتيالات لقادة الحزب،معقل حزب الله،في وقت تعمل حكومة لبنان بكل قوتها ،على نزع سلاح حزب الله، تفادياً لحرب مدمرة على لبنان، وتماشياً مع قرار أمريكي وإسرائيلي ودولي، على ضرورة نزع سلاح حزب الله في لبنان، ونزع سلاح الفصائل المسلحة الولائية في العراق واليمن،وحل أو دمج الحشد الشعبي في العراق، قبل أن (تقوم أمريكا وإسرائيل بدعم دولي نزع سلاح حزب الله والفصائل وحلّ الحشد بالقوة)،وهذا قرار أمريكي بلّغه وزير الخارجية الامريكي مارك روبيو، لرئيس الوزراء العراقي محمد السوداني برسالة مكتوبة، وإتصال هاتفي قبل أيام،وجاء هذا الإجراء السريع لادارة الرئيس ترمب، بعد تهديد الفصائل للمصالح الأمريكية في العراق والمنطقة، وقيامها بقصف حقول النفط والغاز، في مخمور والشيخان وبيجي وأربيل وغيرها،وهي حقول تديرها شركات أمريكية،أما في إيران فهناك إستحضارات عسكرية غير مسبوقة، للمواجهة مع أمريكا، تمثّلت في تغييرات في مواقع الجيش والحرس الثوري، وتبديل في مواقع ومخازن ومعامل الصواريخ ،والاسلحة ومقرات الحرس وقياداته ،وتصنيع أسلحة صاروخية متطورة،وإستيراد صواريخ حديثة وطائرات مسيرة فتاكة، من الصين وروسيا وكوريا الشمالية،إذن هناك معلومات أكيدة لعودة الحرب بين الأطراف، ولكنها أقسى وأمرّ وأشدّ تدميراً للطرفين،خاصة بعد إصرار إيران على إعادة برامجها النووية ،وإعلانها وإصرارها على رفض شروط أمريكا والتحالف الدولي،في تخفيض التخصيب، والاشراف على برامجها النووية من قبل وكالة الطاقة الذرية الدولية، وطردها للوكالة ،ورفع كاميرات المراقبة من جميع المفاعلات ،يقابل هذا تحشيد ايراني،لآخر خنادقها في العراق ولبنان، حيث تعوّل إيران على الفصائل المسلحة ،وعلى حزب الله ،لمنع إنتقال الحرب الى العمق الايراني، وإنشغال الحرب خارج الأراضي الايرانية ،وذلك بدعم وتسليح الفصائل،وحزب الله وأنصار الحوثي، بكل أنواع التسليح الحديث ،مسيرات وصواريخ وغيرها،وشحن عقائدي لها بشكل غير مسبوق، حتى إعتبرها بعض رجال الدين الإيراني والعراقي، أنها (معركة الحسين والشيعة مع الصهاينة )،لكي يستثمروا ويكسبوا الشارع الشيعي وتهييجه في مواجهة الحرب ودعمها،نعم مايجري في العراق، هو شحن عقائدي ،غير مسبوق لدعم (فصائل اسلامية)،شعبياً وإعلامياً وعسكرياً، وما زيارة رئيس مجلس الأمن القومي علي لاريجاني الاخيرة للعراق،إلاّ تبلغياً مباشراً وحاسماً ،أن عودة الحرب قاب قوسين أو أدنى ، وهي على الأبواب ومسألة وقت،وعليكم الإستعداد للمواجهة الأخيرة مع العدو الصهيوني وأمريكا، وهي معركة مصير ومعركة وجود، هكذا إعتبرها لاريجاني ،وبلّغ بها حكومة الإطار والفصائل الولائية، قبل أن ينتقل الى لبنان، والإجتماع برئيس حزب الله الشيخ نعيم قاسم وكادر الحزب وقادته العسكريين، وتجاهل حكومة بيروت لزيارته،وكان لقاؤه بالرئيس عون بروتوكولياً، سمع كلاماً قاسياً منه ،ومن وزير خارجيته، بل تعرّض ولايتي ،الى الإهانة حسب تصريحه في لبنان، إضافة الى إهانته أثناء خروجه من العراق، وعدم السماح له بالمرور في سماء سوريا،نعم زيارة علي لاريجاني كان لها هدف واضح وأخير،هو( إستعدوا للحرب فهي واقعة لامحالة)،وهي معركتنا الأخيرة مع العدو الصهيوني وأمريكا،والدليل أن لاريجاني ومستشار المرجع ،وعلى لسان الخامنئي،(ان لانقبل ونرفض نزع سلاح حزب الله في لبنان وكما نرفض حلّ الحشد الشعبي ونزع سلاح الفصائل المقاومة)،وهو قرار إيران محسوم ونهائي،تم تبليغ الإطار التنسيقي والسوداني به،في وقت تصرّ إدارة ترمب على حلّ الحشد ونزع سلاح حزب الله والفصائل، إذن لايمكن التكهّن بغير وقوع الحرب، في ظلّ فشل حكومة السوداني، وإطارها التنسيقي في ترويض الفصائل ،أو الوقوف بوجه أمريكا، أو أيران،وهي تعاني من صراعات سياسية، وهي تستقبل انتخابات برلمانية مصيرية،(قد لاتحدث)، ولكنها أججت الصراع ،بين الكتل والقوائم والأحزاب ،والتي قد تصل الى مواجهة داخلية بينها، بعد صدور قرارات لمفوضية الانتخابات، التي تديرها (الدولة العمية )،باستبعاد نواب حالين وسابقين ومرشحين، بالآلاف من الترشّح ، بحجج واهية ،إما ما يسمى بالمساءلة واللاعدالة ،أو بالفساد ، أوبما أسمته كذباً_(يخلّ بالسيرة والسلوك)، وهذه فرّية جديدة لمفوضة الإنتخابات ،التي تشرف عليها احزاب السلطة، فهي( الخصم والحكم)، تنذر بفتنة كبرى في الشارع العراقي،فكل هذا يجري من تصعيد وتأجيج،هدفه التغطية على الهدف الرئيس، وهو قرب المواجهة وعودة الحرب بين العدو الصهيوني وأمريكا من جهة ،وبين إيران وفصائلها الولائية من جهة أخرى،فلم تعدّ هناك مصالح مشتركة بين أمريكا وإيران،بعد إنتهاء فترة التخادم السياسي والعسكري،وإنتقال العلاقة الى كسرالعظم ،في مواجهة مرتقبة ، قد تغيّر شكل المنطقة الجيوسياسي الى الأبد….!!!!