23 ديسمبر، 2024 6:19 ص

أمريكا وإيران من التخادم السياسي الى صراع المصالح في العراق

أمريكا وإيران من التخادم السياسي الى صراع المصالح في العراق

توصيف العلاقة الاميركية – الايرانية في العراق ليس امرا سهلا, اذ انها تتراوح من المنافسة بشقيها السلبي والايجابي الى الخصومة وصولا للتعاون الوثيق في بعض المفاصل, في حين يرى البعض ان ما يجري مجرد توزيع للأدوار بين واشنطن وطهران وأنهما متفقان على الأساسيات.

الواقع أن العلاقات بين واشنطن وطهران ذات طابع مزدوج في العراق منذ الغزو الاميركي للعراق ٢٠٠٣, حيث كان التدخل الإيراني المباشر الى جانب الولايات المتحدة واستبداله بنظام يتوافق مع السياسة الإيرانية,هذا التغير جعل من العراق دولة تابعة لكل من واشنطن وطهران في نفس الوقت,وهذا ما اهل ايران لأن تكون لاعبا مؤثرا في العراق والاقليم معا وفاعلا فيما يتعلق بالاستقرار الاقليمي سلبا او ايجابيا.

بلغت اعلى مراحل التنسيق بين أمريكا وإيران بعد احداث ١١ ايلول ضمن المسعى الأميركي في حربها على (الارهاب), ولم يكن الرئيس الإيراني الإصلاحي السابق محمد خاتمي العاتب على الادارة الاميركية لعدم وفائها بالتزاماتها تجاه إيران لموقفها من غزو العراق, لم يكن هذا أقل صراحة من نائبه للشؤون القانونية محمد علي ابطحي الذي قال في ختام أعمال مؤتمر الخليج وتحديات المستقبل في ١٥ كانون الثاني ٢٠٠٤ الذي نظمه مركز الخليج في أبو ظبي

(ان ايران قدمت الكثير من العون للأمريكيين في حربهم ضد أفغانستان والعراق)وأضاف(أنه لولا التعاون الإيراني لما سقطت كابول وبغداد بهذه السهولة)

لم تعترض الولايات المتحدة على تعاظم النفوذ الايراني لأسباب على صلة بالدعم العسكري لواشنطن في عملية إسقاط النظام في العراق من خلال تعاون الحرس الثوري الإيراني قبل الاحتلال واستمرار هذا التعاون الى سنوات بعد الاحتلال.

مما وضع كل من واشنطن وطهران في موضع حاجة كل منهما للآخر وما تستلزمه من تنسيق متبادل او تنازلات طرف لآخر, واعتراف كل منهما بدور ونفوذ الاخر, إلا أن المحصلة كانت اعتراف اميركي بنفوذ ايران ودور فاعل في رسم مستقبل العراق السياسي.

بات من الواضح ان لدى ايران مساحات نفوذ استراتيجية واسعة داخل العراق تشمل الأحزاب السياسية والمليشيات المسلحة مع أطراف سياسية عراقية سنية وكردية, حيث تعتبر إيران أن زيادة نفوذها أحد أهم عناصر الحفاظ على( أمنها القومي) وهو جزء واسع من نفوذ أوسع عبر العراق وتنظر الى ان(امن العراق جزء من امنها في المنطقة)كما تريد إيران التأكد تماما من غياب أي مؤشر لتكرار وجود نظام يهدد امنها القومي ولتحقيق هذا ترعى ايران بعض الاحزاب الاسلام السياسي الشيعي التى لها نفوذ واسع داخل السلطة لضمان بقائها بيد حكومة موالية لها ترتبط معها بعلاقة تبعية يكون الرضا الإيراني عليها هو العامل الحاسم لبقائها.

في المقابل تمتلك الولايات المتحدة في نفس الوقت مساحات نفوذ استراتيجي واسعة داخل العراق من خلال تواجدها العسكري وحلفائها داخل العملية السياسية وتغلغلها في مفاصل اساسية للاقتصاد العراقي خصوصا تعاملات العراق المالية الخارجية وغيرها .

لكن بعد تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة عمل على تغيير سياستها الخاصة بالشرق الأوسط وذلك من خلال الغاء الاتفاق النووي كما لم يجد نفعا في سياسة التخادم السياسي مع إيران في العراق ,حيث اعتبرت واشنطن ان النفوذ المتزايد ونشاطات إيران داخل العراق يمثل تهديدا لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط, حيث يمثل لها العراق منطقة حيوية لا يمكن الاستغناء عنها في العقل السياسي الأمريكي, الولايات المتحدة التي غزت العراق عام ٢٠٠٣ كانت تريد له ان يكون قاعدة عسكرية ثابتة لجنودها في المنطقة بحكم موقعه الجغرافي والاستراتيجي.

الواقع أن الإشكالية الكبيرة التي تعاني منها الحكومات العراقية على مدار السنوات الماضية تتمثل بأنها كانت محور الصراع بين واشنطن وطهران ومحور الصراع الاقليمي ايضا ,ان الولايات المتحدة التي أطاحت بالنظام العراقي انصدمت فيما بعد من حجم النفوذ الإيراني في العراق التي ساهمت بتمدده , حيث استطاعت إيران أن تملأ الفراغ الذي تركه الغزو والاحتلال بعد ما حل الجيش العراقي و المنظومات العسكرية والامنية واسقاط البنى التحتية للدولة مما فتح شهية دول الجوار وأجهزتها المخابراتية للتدخل في كل شؤون الحياة العراقية وليس الايرانيين فقط,لكن ايران استطاعت التمدد من خلال القوة الناعمة على شكل عقود تجارية واقتصادية وسياحة دينية ومراكز فكرية وثقافية وغيرها ,الان تعتبر واشنطن هذه الاشكالية واحدة من أهم محددات عدم الاستقرار السياسي في العراق .

ان التوتر الحاصل اليوم بين واشنطن وطهران يترك أثره السلبي على العراق الذي يمكن أن يكون ساحة حرب سياسية أو حرب حقيقية بين البلدين وهو ما يخل بالتوازن الهش للبلد ويجعله يعيش حالة من الاضطراب.

حتى لايقع العراق ضحية هذا الصراع بين واشنطن وطهران, يتطلب ظهور قيادة وطنية انتمائها وولائها للعراق من اجل حفظ سيادته وقراره المستقل وعدم السماح للتدخلات الاقليمية والدولية في شؤونه الداخلية.