7 أبريل، 2024 6:19 م
Search
Close this search box.

أمريكا من الداخل

Facebook
Twitter
LinkedIn

قبل عامين تقريباً كتبت اول مقال صريح لي حول أمريكا وكان بعنوان (أمريكا الفيروس الأكبر) وقد استندت فيه الى معلومات تاريخية وتقارير إخبارية ومقالات صحفية من هنا وهناك ولم يكن يستند الى حقيقة عشتها او امراً ملموس مؤكد 100% كما هو الحال فيما انوي التعبير عنه اليوم. وبغض النظر عن صحة او عدم صحة المعلومات الواردة في المقال السابق والذي كما قلت اغلبه مستند الى ما كتب قبلاً بالفعل فأنني اليوم اريد ان اتطرق الى أمريكا كموضوع بحث بعد ان عشت فيها لعدة شهور لحد الان ورأيت وسمعت وقرأت فيها عنها الكثير وسأحاول قدر الإمكان ان أكون موضوعياً فيما أقول بعيداً عن التأثر الشخصي بموروث او معتقد سابق او نظرة مسبقة ويبقى ما أقوله رأياً شخصياً يقبل الصحة والخطأ فكل ابن ادم خطاء وخير الخطائين التوابون.

أمريكا التي نشأت كدولة بعد اعلان الاستقلال عن بريطانيا عام 1776 بعد حرب طاحنة لطرد الجيش البريطاني استمرت في حروب وقتال مستمر لتوسيع الدولة على حساب بقية الدول التي كانت تحتل أجزاء من الولايات المتحدة الامريكية الحالية مثل فرنسا واسبانيا والمكسيك وكندا فبدأ التوسع -الذي لم ينتهي- بشراء بعض الولايات بالمال واخذ الأخرى بالقوة بعد معارك كثيرة حتى ازداد عدد الولايات من 13 ولاية عند اعلان الاستقلال الى 50 ولاية اليوم وهو عدد النجوم في العلم الأمريكي اليوم وقد تم بالفعل تصميم العلم الذي يحتوي 51 نجمة استعداداً لضم ولاية أخرى في المستقبل وتحسباً لحصول ذلك حيث سيكون لديهم علم جاهز لاستيعاب الولاية الجديدة.

أمريكا التي ينظر اليها العالم بطريقتين رئيسيتين تختلف كثيراً من الداخل عما يراه الاخرون. فالبعض يراها الدولة العظمى الأقوى والاقدر على فرض ما تريد في أي مكان وزمان وهؤلاء هم حلفاؤها او المستفيدون من ذلك ويحاولون بكل ما اوتوا من قوة ان يعبروا عن ذلك في الاعلام العالمي مصورين أمريكا كقطب اوحد في العالم وهذا ما يخدمهم. واما الاخرون الذين يرفضون الخضوع لسياسات أمريكا العالمية ويرون في انفسهم قوى عظمى مساوية ومنافسة لأمريكا وانهم يجب ان تكون لهم كلمتهم الموازية لكلمة أمريكا عالمياً فهم وحلفائهم يرون في أمريكا عدواً لإرادة الشعوب في تقرير مصيرها بحرية ويرون في أمريكا راعية الإرهاب بشكل مباشر وغير مباشر والمخطط الأكبر لكل المؤامرات الدولية والعالمية وغيرها الكثير من الصفات والنعوت التي يحاولون التركيز عليها في وسائل اعلامهم وكمثال على ذلك اخر ما صرحت به وسائل الاعلام الروسية بأن فلاديمير بوتين رئيس جمهورية روسيا الاتحادية يمتلك ادلة كافية على ان أمريكا دعمت وقادت الهجوم على نفسها في احداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001. ولكن كيف تختلف أمريكا عن كلا هذين الرأيين والتوجهين العالميين؟

أمريكا لمن ينظر اليها من الخارج تبدو كقوة عظمى موحدة متماسكة متجانسة الا ان الواقع يحكم بغير ذلك. أمريكا التي تشكلت من موجات الهجرة من اوروبا واسيا واغلب دول العالم عبارة عن خليط غير متجانس من اعراق وقوميات ولغات والوان واجناس مختلفة الى حد كبير ويتضح ذلك بشكل كبير في الانقسامات الداخلية التي أولها وابرزها انقسام الشعب الأمريكي كله الى جمهوريين وديمقراطيين في التوجهات السياسية الى درجة ان التفكير برؤية ثالثة اصبح شيئاً خيالياً بعيداً عن الواقع واما من الناحية العرقية فهناك اغلبية بيضاء واقلية سوداء واسيوية وسكان اصليين والعشرات من التفرعات الضمنين داخل كل من هذه الفرق واما من الناحية الدينية فأمريكا التي يحسب العالم ان اغلبيتها مسيحية ليست كذلك فالدين (ان صح تسميته دين) الأكثر انتشاراً واتساعاً هو دين الليبراليين وهم الامريكيون الذين يؤمنون بمفاهيم الحرية والديمقراطية والليبرالية الفكرية والذين لم يعودوا يؤمنون بدين سماوي محدد بل انهم انصار قول (لا ادري) ويفضلون عيش حياتهم بعيداً عن الدين وتعقيداته بل يظنون ان الدين قيدٌ يحد من حركتهم في هذه الحياة التي هي اكبر همهم واملهم. واما من الناحية الاقتصادية فأمريكا فيها اقل من 1% من السكان من الأغنياء ضمن الطبقة العليا الذين يملكون أكثر من90% من أموال أمريكا فيما يقبع الأغلبية من السكان في الطبقة الوسطى وهم بحدود ال 74% ويبقى ربع السكان في أسفل الترتيب في الطبقة الفقيرة دون خط الفقر مما يخلق الكثير من الازمات الإنسانية والأمنية بشكل مستمر في أمريكا. واما من ناحية توزيع الثروة فكما قلنا فيما سبق فأن الثروة متركزة في ايدي قلة قليلة تتحكم في كل شيء من سياسة واقتصاد واعلام ومجتمع وللتركيز أكثر نذكر ان هذه القلة القليلة يتركز اغلبيتها في نيويورك وكاليفورنيا فضلاً عن العاصمة واشنطن وكملاحظة صغيرة نذكر ان نيويورك تحتوي 5 ملايين يهودي في مقابل 7

ملايين يهودي في فلسطين! ومن هنا يتضح من يملك الكثير من رؤوس الأموال ويتحكم في السياسة والاقتصاد والاعلام والتوجه العام.

على كل حال، كان ذلك سرداً لحقائق على الأرض الامريكية غابت عني حين كنت غير مقيم هنا وانا متأكد انها تغيب عن الملايين غيري حول العالم من المتأثرين بأعلام أمريكا وحلفائها من جهة او محور الممانعة والمقاومة للنفوذ الأمريكي العالمي من جهة أخرى. وقبل ان ابدأ بذكر رأيي في ذلك وما اريد ايصاله من فكرة تبقى حقيقة وحيدة يجدر ذكرها والتركيز عليها دوماً وهي ان النظام الفيدرالي الأمريكي يعطي حريات كبيرة للولايات بحيث ان كل ولاية لها علم خاص بها وقوانينها المحلية الخاصة التي يجب ان لا تتعارض مع الدستور الأمريكي الفيدرالي العام وكذلك فأن هناك مجلس الشيوخ ومجلس الكونغرس الأمريكي وهما مجلسين مستقلين لكل منهما مهام محددة وكلاهما ذراعان في الجانب التشريعي وهناك الرئيس الذي هو رأس هرم السلطة التنفيذية والقضاء مستقل طبعاً واحكامه تجري على الجميع بغض النظر عن مكانتهم في بقية مكونات السلطة والشعب وهذا النموذج من الهيكلية الإدارية الديمقراطية هو الذي ارادت أمريكا زرعه في الشرق الأوسط والكثير من دول العالم ولاقى فشلاً متفاوتاً وبعض النجاحات طبعاً بحكم اختلاف طبيعة سكان تلك الدول عن ما هو الحال في أمريكا.

ما يهمنا من كل ذلك هو النظر الى أمريكا بعين واقعية اخذين بنظر الاعتبار كل هذه المكونات الداخلية وتأثيراتها على السياسات الخارجية وعدم الاكتفاء بالنظر الى أمريكا من الخارج كأنها كتلة واحدة وهيكل متكامل متجانس فالخلافات في الداخل الأمريكي اكبر من ان نهملها واخطر من ان لا نتعامل معها وخير مثال على ما أقول ما حصل قبل عدة شهور في الاتفاق النووي الإيراني الذي شجعه وسعى اليه الديمقراطيون الليبراليون بشدة لأنهم ممن يؤيدون الحلول السلمية والبعد عن الحروب ولكن في الوقت نفسه عارضه الجناح اليميني المتطرف من الجمهوريين المتشددين الذين يؤمنون بأن الحرب والقتال هو الحل الوحيد لفرض الإرادة الامريكية على الجميع الى درجة انهم ارسلوا رسالة الى القيادات الإيرانية يخبرونهم انهم سيتجاهلون أي اتفاق يجريه الرئيس أوباما مع ايران ويلغونه حالما يتسلم أي رئيس جمهوري مقاليد السلطة في أمريكا! وهو ما يؤشر على عظم الانقسام الداخلي والذي بدأ يطفو على السطح ويؤثر حتى على علاقات أمريكا الخارجية وللتاريخ اذكر ان بوش الاب وبوش الابن هم جمهوريون حد النخاع وان كل ما فعلوه مرفوض جملة وتفصيلاً من قبل الديمقراطيين وهم اليوم في السلطة وهم اليوم كحزب وتوجه شخصي ينمو بسرعة كبيرة في الشارع الأمريكي ويعتقد انهم سيكونون الأغلبية المطلقة يوماً ما في أمريكا.

طبعاً لا اريد ان أكون متفائلاً اكثر من اللازم في ما اطرح فرغم ان الديمقراطيين لهم شعبية كبيرة الا ان السيناريو الذي يحصل في كل انتخابات أمريكية هو الاتي: يبدأ مرشح الحزب الجمهوري كما يبدأ مرشح الحزب الديمقراطي بجمع التبرعات لإدارة الحملة الانتخابية التي تتطلب الكثير من الجهد والمال بعقد المؤتمرات والندوات في الولايات كلها ونشر المطبوعات والاعلانات المرئية والمسموعة وفي كل مكان وفي كل مرة يتبرع أصحاب رؤوس الأموال والشركات الكبرى لمن يعدهم بدعمهم وتخفيف القيود على شركاتهم واعمالهم حين يستلم السلطة وهما يجدر ذكر العلاقة التاريخية الوثيقة بين أصحاب شركات تصنيع السلاح في أمريكا وبين الجمهوريين لأن كلاهما يخدم الاخر فالسلاح يحتاج الى سوق تصريف من حروب وقوانين تسمح بحمل السلاح في كل مكان وكذلك فأن الجمهوريين المحبين للحروب والقتال يحتاجون السلاح دائماً ومن هنا نشأت العلاقة الحميمة بين تجار السلاح والجمهوريين فكلاهما يدعم الاخر على طول التاريخ فترى صانعي الأسلحة يوفرون كل ما يحتاجه المرشح الجمهوري ليفوز بالانتخابات وفي المقابل يوفر الرئيس الجمهوري الفائز كل ما يحتاجه تجار السلاح من تقليل للقيود على صناعتهم وتجارتهم بحجة تحريك الاقتصاد والتاريخ يشهد على الكثير من هذه الحالات حتى الان. من هنا وجب ان تعمل بقية الدول على فهم هذا الواقع الداخلي الشائك والمعقد وتتعاطى معه بشكل إيجابي فبدلاً من النظر الى أمريكا على انها البعبع الذي لا يقهر ولا يهزم ولا يشق له غبار، يفترض ان نفهم ان أمريكا دولة كبقية الدول فيها الصالح وفيها الطالح وفيها ملايين المسلمين والمسيح واليهود واللادينيين حالها حال بقية الدول وفيها من يحب الحروب ويعمل ضد الاخرين وفيها من يحب السلام ويسعى له. رسالتي الأخيرة اوجهها الى الأجيال القادمة وليس لهذا الجيل وانما لمن سيقرأها يوماً أقول: اذا اصبحنا في يوم من الأيام دولة (او دولاً) تتعامل باحترافية سياسية وحنكة وتخطيط، فعندها يجب ان نعمل على دعم من يدعمنا في علاقة مصالح مشتركة وهو امر فعله ويفعله غيرنا كل يوم وبهذا نضمن الى حد كبير تحسين الواقع والمستقبل بما يتلاءم مع اهدافنا وهو لعمري هدف سامي ونبيل ان نعمل بشكل مباشر وغير مباشر الى إيصال من ينفعنا الى السلطة في بلدنا وفي بقية البلدان وهو ما تهدف له الانتخابات على كل حال فهل سننجح في فعل ذلك يوماً؟ أتمنى ذلك.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب