23 ديسمبر، 2024 12:27 م

أمريكا خسرت العراق …  والعراق كسب إيران/4

أمريكا خسرت العراق …  والعراق كسب إيران/4

بعدَما قدَّمتُ في الحلقات الثَّلاث السَّابقة من هذا المقال، الحيّْثيات الواقعيَّة التي تَستند عليها رؤيتي، بأَهميّة تعاون العراق مع إِيرانَ، أَكثرَ من أهميَّة تعاونه مع أمريكا و دول المحيّْط الإِقليمي، فقدّْ ذكرت في الحلقات السَّابقة، أَنَّ هناك عوامل استراتيجيَّة، يفرضها الواقع السِياسيّ و الأَمنيّ في العراق، ليكون أَكثرَ تَفاعلاً مع إِيران. فإِنَّني استكملُ بحث الموضوع في هذه الحَلَقَة، لأَستعرضَ بقيَّة العوامل آنفة الذِّكر، فأَقول:

2. لإِيرانَ أَربعة مواقف استراتيجيَّة من الأَحداث التي جَرَت، و تجري الآن على أَرض العراق هي:

الموقفان الأَوَّل و الثَّاني:

عدم مشاركة إِيرانَ في الحرّْب الأَمريكيَّة على العراق، في حرب تحرير الكويّت، و التي أُطلق عليها اسم (عاصفة الصَّحراء)، التي بدأت في 17 كانون الثاني 1991. في حين شاركت في هذه الحرب(32) دوّْلة، منها دول مجلس التَّعاون الخليجي السِتّْ، إِضافة الى مصّْر، و سوريا و المغرب. و ظَلَّ الموقف الإِيراني ثابتاً أَيضاً، بعدم مُشاركة إِيران في حرب أَمريكا على العراق في عام 2003.

الموقف الثَّالث:

قامت إِيران بفتح حدودها لمساعدة الشَّعب العراقي، في زمن الحصار الاقتصادي، الذي فرضته أَمريكا و حلفاؤها (و منهم دول مجلس التعاون

الخليجي، مع بعض الدّول العربية الأُخرى)، على الشَّعب العراقي، بعد عام 1991. كما قامت إِيران بمساندة الشَّعب العراقي بعد حرب عام 200 3.

الموقف الرَّابع:

لقد ساعدَتّْ إِيرانُ العراقَ في حربه مع داعش، فأَرسَلَتْ مُختلف الأَسلحة، التي يحتاجها المقاتلون، في ميدان المعركة مع داعش، إِضافة الى الخبرات العسكريَّة الإِيرانيَّة، الدَّاعمة لمجريات مواقف المعركة. كلُّ ذلك دون فرض أَيّ التزام مالي من قِبَل إِيرانَ على العراق.

3. بعد سُقوط نظام صدَّام المقبور، ظلَّ العراق حبيّْساً داخل كيانه الجغرافي، و هو يتلقى موجات الإِرهاب التَّكفيريّْ، من حدوده الشماليَّة عن طريق تركيا، ومن حدوده الغربيَّة و الجنوبيَّة الغربيَّة، عن طريق الأَردن و سوريا و السعوديَّة و الكويّْت. و ظلّتْ السعوديَّة و الإِمارات و قطر و البحرين و حتى الكويت (بشكل أو بآخر)، دول نشطة في دعم الإِرهاب الموجَّه ضدَّ العراق. و أمّا سوريا و مصر و تونس و ليبيا و المغرب، فهي من الدُّول الدَّاعمة لمشروع تدمير العراق، على يد الإِرهاب الوهابيّ الكافر.

4. التركيّبة الجغرافيَّة للعراق و إِيرانَ، تفرض وجود حدود مشتركة بيّْن البلدين تصل الى 1458 كم طولاً. هذا الخطّ الحدُّوديّ المشترك بيّْن العراق و إِيرانَ، يؤَهِّلُ البلدين من النَّاحية الاستراتيجيَّة، ليكونا عنصريّْن فاعليّْن في حفظ الأَمن الوطني، كلّ منهما لجاره.

5. نظراً لعدم وجود موانع جغرافيّة مُعيْقة، على الحدود الجغرافيَّة بيّْن العراق و إِيرانَ، فإِنَّ ذلك يؤهلهما، ليكونَ كلٌّ منهما البُعد الاستراتيجيّْ للآخر. و كذلك الحال بالنسبة للعامل الاقتصاديّْ المشترك بيّْن البلديّْن.

6. تُشكِّلُ إِيران للعراق، منفذاً بريّاً عظيماً، فيستطيع العراق من ناحية الشَّرق، أَنّْ يصِلَ عبّْر الأَراضي الإِيرانيَّة الى بحّْر الصّْين الشَرقيّ. و الى أَذربيّْجانَ و أَرمينيا و جورجيا و أُوكرانيا، وصولاً الى روسيا البيّْضاء شمالاً.

7. إِضافة الى البُعد العقائدي آنف الذِّكر، تَربط العراق بإِيرانَ علاقات تاريخيَّة متنوّعة ضاربة في عمّْق التَّاريخ، منها العلاقات التِّجاريَّة، و المُشترك الثَّقافي بيّْن

الشَعبيّْن العراقي و الإِيراني، و علاقات الجوار، و المصالح المشتركة بيّْن البلدين، و غيرها الكثير من المُشتركات الأُخرى، التي تجعل العراقَ و إِيرانَ، و كأنَّهما وحدة استراتيجيَّة واحدة.

8. التَّاريخُ يُدَوِّن حادثتين تاريخيَّتين محفوظتيّْن في ذاكرة شيّْعة العراق، سبَبُهما الغارتيّْن اللتيّْن شنَّهما الوهابيُّون، على مدينة كربلاء المقدَّسة، في عام 1801م، و الأُخرى على مدينة النَّجف الأَشرف في عام 1802م.

و في الغارة الأُولى، تمَّ انتهاك حرّْمة الضَّريح الحسيّْني الشَّريف، و قام الوهابيّْون بنهب الضَّريح و حرّْقه، بعدما قتلوا المئآت من أَهالي المدينة. و بذلك أَسَّسَ نظام آل سُعود، علاقة العِداء بيّْنه و بيّْن شيّْعة العراق، منّْذ أَنّْ قويت شوكتهم في الحجاز.

و ظلَّت أَجواء الشكّْ و عدم الثِّقة فاعلة بيّْن الجانبين، و سبب ذلك العقيّْدة الفكريَّة الوهابيَّة، التي يؤمن بها نظام آل سعود، و التي لا تتورع أَبداً، من تكفير الشِّيْعة و بقيَّة المذاهب الإِسلاميَّة الأُخرى. هذا الفكّْر المتَطرِّف، حطمَّ كلَّ آمال المفكرين و المصلحين، الذين بذلوا جهوداً جبّارة و لعقود من الزَّمن، من أَجل إِرساء دعائم الوحدة الإِسلاميَّة، بيّْن مختلف مذَاهب المسلمين، على أَرض الواقع.

لذا فليّْس من مصلحة شيّْعة العراق لوحدهم، التَّعاون مع إِيرانَ لدفع أَذى الوهابيّْين عنهم، بلّْ أَنَّ ذلك من مَصلحة سُنَّة العراق أَيضاً، لأَنَّ الوهابييّْن يكفَّرون السُنَّة الذين يتعايشون بسلام مع الشِيّْعة. كما أَنَ إِيرانَ كقوّْة دوليّْة صاعدة في المنطقة، ستُشَكِّلُ درعاً لشَعّْب العراق، يدفع عنه أَذى الدُّول العربيّة السائرة في فلك السُعوديَّة، و المحور الأَمريكيّ.

9. إِيرانُ حرصت كلَّ الحرص بالدفاع عن قضيَّة فلسطين، قضيَّة الإِسلام المركزيَّة، قبلَّ أَنّْ تكون قضيَّة العرب الأُولى. في حين تنازل عنها الكثير من الأَنظمة العربيَّة، الأَمر الذي جعل الكيان الصِّهيونيّ، يتمدَّد على حساب الحقِّ العربيّ و المُقدَّس الإِسلاميّ.

و الشَعّْب العراقي يمتازُ بحسِّه الوطني العالِ، و تمسُّكه بالقضيَّة الفلسطينيَّة. لذا فالتَّوجه الإِيرانيّ ينسجمُ تماماً مع تطلُعات الشَّعب العراقي. بيّْنما التَّوجهات السُعوديَّة و العربيَّة الموالية للإِدارة الأَميركيَّة، تقف الى جانب تَّطبيع العلاقات مع الصَّهاينة، والقبول بـ(سِياسَة الأَمر الواقع).

10. و أَخيراً؛ إِضافة لموقوف أَمريكا المتهاون مع الإِرهاب، إِنّْ لمّْ نقُل بأَنَّ أَمريكا تدّْعمه بالخَفاء، حيّْث تَجلّْى هذا الموقف عمليّاً، عند قيام القوَّات الأَمريكيَّة بمساعدة إِرهابيي تنظيم داعش، عن طريق إِنزال المساعدات العسكريَّة، بالطَّائرات السمّْتية الأَمريكيَّة على معسكرات داعش، في وقت كانت فيه القوَّات العراقيَّة مشتبكة مع الدواعس في القتال.

إِضافة لذلك إِقدام الطَّائرات الأَمريكيَّة، عدّة مرَّات بقصّْف القوَّات العراقيَّة، التي تقاتل داعش. و تكرَّر موضوع قصّْف القوَّات الامريكيَّة، لمواقع القوَّات العراقيّة عدّة مرَّات منها؛ قصّْف قوَّات الفوج /2 اللواء/50 الفرقة/14، يوم 12 /3/2015. و كذلك قصّْف الطّيران الأَمريكيّ يوم 27/3/2015، للقوات العراقيَّة و قوات الحشّْد الشَّعبي، و هي على مَرمى حجر من مركز مدينة تكريت، فأَوقعت أَكثر من خمسين إِصابة، بيّْن شهيد و جريح في صفوف القوَّات العراقيَّة، الأَمر الذي أدّى الى إِيقاف هذه العمليَّات. و لمّْ تباشر هذه القوَّات بفَّعاليّاتها، إِلاَّ بعد أَنّْ أخذَت تعهداً، من القائد العامّْ للقوَّات المسلَّحة العراقيَّة (د. حيدر العبادي)، بإِيقاف نشاط الطَّائرات الأَمريكيّة في أَجواء مدينة تكريت.

هذه المُعطيات تقدِّم للجميع، دليلاً ملموساً يُجّْزم بأَنَّ تعاونَ العراق مع إِيرانَ، هو السبيل الوحيد أَمام العراق و شعبه، للخروج من الأَزمة الأَمنيَّة التي كلَّفته الكثير جداً، من هدر الدِّماء و الأَموال. و اللهُ تعالى مِنْ وراءِ القَصد.