بعد الجهد الكبير والعمل المبدع الذي أدته وكالة الاستخبارات الامريكيه في أهم أنجاز في تأريخ أمريكا الا وهو تفتيت الاتحاد السوفيتي في عهد الرئيس الامريكي ريغن والذي يحظي اليوم بمكانه قيّمه في الاداره والمجتمع الامريكي على حد سواء , وكان هذا النجاح يحفز العاملين في الوكاله على تطوير اساليبها وابحاثها وتقنياتها لتصبح قابله على أحتواء أي تهديد للولايات المتحده , وأكيد أن الدعم المادي واللوجستي والخبرات والتحديث من قبل الاداره كان له التأثير الاكبر لهذه الوكاله في أن تؤسس عمل أستخباراتي ما وراء العصر الذي نعيشه , وهذا أدى الى تكوين خليه مهنيه منسجمه تفوق قدراتها التفكيريه والتنظيريه قدرة اي مؤسسه استخباريه في وقتنا الحالي .
ولان هذه الخليه بحاجه الى أدوات لتنفيذ المهمات العملاقه التي ترتأي تنفيذها , أخذت تتحكم حتى في الترشيحات الرئاسيه الامريكيه حيث تقوم بدراسه نفسيه ومهنيه لكافه المرشحين ووضع البرامج الذكيه التي من خلالها يستطيعون وبشكل غير معلن تماماً , كيف يمكن تسيير أدارة البيت الابيض والرئيس الامريكي الذي يفوز في الانتخابات وخاصة في مايتعلق بالتطورات العالميه الحساسه منها وحتى الصغائر منها , فالخليه لاتستثني أي تطور مهما كان وتقوم بدراسته جيداً وتسييره بما يخدم المصالح العليا لامريكا .
هذه الخليه أخذت تتعامل مع ستراتيجيات وايديولوجيات ضخمه , حيث واصلت الحرب ضد الفكر الشيوعي الذي كان يدير الاتحاد السوفيتي , حيث نشاهد اليوم أن هذا الفكر ماهو الا غبار عالق في الاذهان ليس الا, واليوم نرى أن هذه الخليه الذكيه تعبث في منظومات دوليه وأمن دول واقتصاديات ضخمه . ولنتكلم عن حرب الخليج الاولى عندما دخلت القوات العراقيه في الكويت , فبتكتيك مهني عالي ودراسه نفسيه لصدام وعقليته الصداميه وقد استندت هذه الدراسه أن صدام قد خرج من حرب طويله وهو غير مهزوم وأن هذه الحرب أكسبته خبره ميدانيه ولوجستيه وأخذ يهتم بالصناعات العسكريه وبالتالي فهو يمثل خطر على المعادله والتوازن في منطقه الخليج , أستطاعت هذه الخليه أن تجر صدام الى حرب سريعه كانت ادواتها هذه المره هي الامير الكويتي حين باع النفط بأسعار رخيصه , مما أثار غضب صدام الذي كان يرى أن لاشئ قادر على الوقوف أمامه , وأنه قادر على تحرير فلسطين , وكانت الشراره بعد الاجتماع الذي حضره عزت ابراهيم حين تكلموا على حرائر العراق فكانت الكارثه على العراق
بعد ان أُخرجت القوات العراقه المنهزمه من الكويت أنتفضت اربعة عشر محافظه , طبعا هذا لم يكن مفاجئاً للخليه الذكيه وكانت تعرف تماما ان هذا سيحصل ولكنها قد اصطادت صدام وهو صيد ثمين جدا يمكن الاستفاده منه اكثر وهو موجود على رأس السلطه بدلا من أن تكون هناك سيناريوهات غير مدروسه , فالانتفاضه لم تكن سوى عبث بالنسبه لامريكا لان اتفاق أنهاء الحرب مع صدام كان مكسباً رائعاً للاداره الامريكيه ولايمكن التخلي عنه فقد اعطاها هذا الاتفاق الشرعيه والحريه في البحث والتفتيش وخرق حتى المؤسسات الامنيه والاستخباراتيه بدون أن تخوض حرب شوارع أو تقلب نظام وقد أمسكت تماماً بالمورد المالي الوحيد لدى العراق وهو النفط فلا يمكن تصديره الا بموافقات اللجان التي كانت مشرفه على هذا الملف , وحتى استيرادات العراق أصبحت بيدهم , وهذا حتماً اكبر نصر استخباراتي للخليه الذكيه حيث أصبحت قادره على أدارة بلد كامل من خلال هيئة الامم المتحده وبشكل شرعي بدون أن تخسر اموالاً أو جنودا أو عدّه , والتصورات التي تقول أن امريكا لم تنتهز الفرصه في ذلك الوقت لانها لم تسقط نظام صدام في ذلك الوقت فهي بعيده عن ما يجري في المنظومه الامنيه الامريكيه والخليه الاستخباراتيه الذكيه , وما خفي كان أعظم .
بعد ذلك ظهرت وتنامت قوى مختلفه منها منظمة القاعده الارهابيه , وأيران , والصين كقوى أقتصاديه , ولازال صدام قوي في الداخل وينتظر رفع العقوبات ليعيد ترسانته العسكريه , كيف تعاملت الخليه الذكيه مع هذه القوى , قامت هذه الخليه بزياده الخرق الاستخباراتي للقاعده ولشخص بن لادن بالذات وتم دراسة شخصيته وأفكاره المتطلعه للظهور كقائد اسلامي ينادي بتدمير الدوله الامريكيه , وعند وصول معلومات أن أبن لادن يريد أن يضرب أمريكا في عقر دارها , أخذت الخليه تمهد الطريق وتسهل أيصال المعلومات للقاعده ولم توصل أي معلومه الى الاداره الامريكيه بشأن الهجوم على المركز التجاري لان الدراسه السايكولوجيه لبوش الابن كانت متكامله ومستفيضه وكانت تعرف تماما ماهي ردة الفعل له , كما أنها محتاجه لغطاء عالمي لكي تغزو أفغانستان حيث تنامت به وبشكل سريع الراديكاليه الاسلاميه وهنا الخطر , فهذه الخليه تعي جيدا أن السيطره على مراكز القرار الديني هو الحاسم في المعركه الاستخباريه وليس الاسلحه أو ما تقوم به هذه الجماعات من عمليه هنا او هناك , فعلا قام بن لادن بضرب المركز التجاري وفعلا كانت ردة الفعل كما توقعتها الخليه الذكيه , ضربت أفغانستان والى اليوم هي تحت السيطره , الان نعود الى صدام فقبل بدء حرب الخليج الاولى نقل الطائرات الى أيران في خطوه مفاجئه , بينما أيران كانت تراقب وكانت تعرف تماما أن دورها لم يحن بعد فلم يصدر منها أي تصريح , وسكتت أمريكا في حينها ولكنها لم تهمل هذا التطور المخيف , فبعد سنوات قليله بعد الحرب , أخذ صدام يطلق شعار الحمله الايمانيه والتي كان مصدرها عزت ابراهيم , ثم قبل صدام توافد الزائرين الايرانيين الى العتبات المقدسه في النجف الاشرف وكربلاء المقدسه ولكن بسيطره أمنيه محكمه , أصدر صدام أوامره بأنشاء الفنادق والمطاعم الحديثه وأسس شركة نقل خاصه للزوار الايرانيين , أما عزت أبراهيم فأخذ يقنع صدام بضرورة التحالف مع جهات اسلاميه تتشابه في منهجها مع منهج منظمة القاعده , أطلق صدام أكبر حمله لأنشاء جوامع كبيره في كافة المحافظات للاستجابه والمهادنه مع هذه الجهات , كانت الخليه الاستخباريه الامريكيه تراقب هذا التطور باهتمام بالغ وأخذت تدرس وبشكل جدي ماذا لو تحالفت هذه القوى الثلاثه , ايران والقاعده وصدام , ولذلك وبعد أن تقينت أن لاوجود أي اسلحه بايولوجيه في العراق , أخذت ترسل التقارير الاستخباراتيه الى الاداره الامريكيه لتؤكد أن العراق لازال يمتلك اسلحه خطره وان هناك معلومات عن لقاءات بين قيادات في نظام صدام وجهات قياديه بالقاعده , مستغلين بذلك هذا الهاجس المخيف الذي يستشعره بوش من تنامي القاعده , وفعلا أطلق بوش بيان لغزو العراق بدون حتى أجماع دولي من قبل الامم المتحده .
الخليه الاستخباراتيه تعرف تماما أنه ليس هناك قياده مركزيه للمعارضه العراقيه التي كانت في الخارج وكانت تعلم ايضا ان المعارضه ليست الا اشخاص اواحزاب سلطويه وكان هذا ينطبق تماما مع ما تريده الخليه , وعرفت أن الشيعه سوف يحتلون مناصب قياديه في العراق الجديد ليكونوا حلقة الوصل بين الخليه و التوجه الايراني نحو الصناعه النوويه ليمكن بعد ذلك أن يدخلوا في مباحاثات مع الطرف الايراني وهم يقدمون العراق لقمه سهله الى أيران لغرض المساومه من ناحيه , ومن ناحيه أخرى لابعاد منطقة الخليج من حرب خاسره حتما , والى الان ممكن تحليل أي تطور بالعوده الى الخليه الاستخباراتيه الامريكيه , الان السعوديه وبقبضتها على المركز الديني السني مهدده ضمنيا بحرب مع ايران , وايران ستبقى أسيرة الاتفاق النووي لمدة خمسة عشر سنه , أضافة الى ما تنازلت عنه من نفوذ في المنطقه في الاتفاق السري ضمن الاتفاق النووي العام .
وما داعش الا بقايا القاعده التي اسستها الخليه الذكيه من عملائها داخل القاعده وقد دخلت العراق للتاثير على الاتفاق النووي الايراني واسقاط النفوذ الايراني بالكامل وتامين كل الوسائل لضرب كل القواعد التي تمتلكها ايران في العراق وتوجه المنطقه بالكامل لمفهوم ان التعصب الديني من ايران هو الذي اسس لهذا التعصب ليكون الهدف الرئيس هي أيران اولا وأخيرا .
أما اليوم فأن الخليه الذكيه ستقوم بمهام غير مسبوقه في العراق بعد أن تنازلت عن سوريا في الوقت الحاضر , ولكن في المقابل ماذا كسبت من أنجازات , أولا ثبتت مفهوم أخذت حتى المرجعيات تتفق عليه أنه لايمكن قيام نظام ديني في العراق والتأسيس لقيام نظام مدني , ثانياً اسقطت كل الرهانات التي كانت لدى ايران من ان النفوذ الشيعي ممكن ان يمتد الى العراق بعد فشل الاحزاب الشيعيه فشلاً ذريعا في أداره الدوله خلال ثلاثة عشر عاماً وهذا التصور صار شئ مؤكداً حتى عند المرجعيات التي أيدت هذه الاحزاب في فترة الانتخابات , ثالثا وهذا أخطر شئ أن الخليه أسست الى صراع بين المرجعيه في ايران والمرجعيه في العراق وتأكدت أن هذا الصراع حقيقي وسيمتد الى فترات زمنيه غير محدوده , واليوم فقد فاقت قدرات الخليه الذكيه نفسها حين تمكنت من تأمين توافق بين المرجعيه الشيعيه وبين السلطه السعوديه التي تمثل السنه , حيث اقنعت الخليه الجانبين بوجوب التغيير في العراق وعينت السيد عماد الخرسان , وهذه جبهه شيعيه سنيه امريكيه ضد أيران , والدليل على ذلك أن القيادات السنيه في العراق سوف لن ترفض الخرسان , ومن سيرفضه هو القيادات المواليه لنظام ولاية الفقيه حصرا والمتضررين , وسيقوم الخرسان بخطوات سباقه بهذا الصدد وسيكون هو اليد الحديديه التي ستضرب المتنفذين وبحمايه امريكيه ومباركه من المرجعيه وتأييد السلطات السعوديه , ولن تكون مهمته سهله وسيهمل تماماً المسار الديمقراطي الذي تدعيه الحكومه , والدكتاتوريه هو الحل الانسب للتغيير وخاصة ان الخليه الذكيه هي التي قررت ذلك وقد وضعت الشخص المناسب في المكان المناسب .