يعيش أكثر من 20 الف شخص من التركمان الشيعة في ناحية آمرلي جنوب قضاء طوز خرماتو منذ أكثر من شهرين تحت حصار مدمر من قبل داعش يسقط خلاله عشرات الضحايا يوميا من المدنين أما بفعل قذائف الهاون أو نتيجة سوء التغذية الناتج عن شحه المواد الغذائية أو حالات الجفاف الناتجة عن الإسهال الذي يصيب الأطفال لشربهم مياه ملوثة, ناهيك عن عشرات آخرين من الشباب الذين يسقطون في مواجهات عنيفة شبه يومية يشنها الإرهابيون بالتحالف مع مسلحين سنة ممن يسمون أنفسهم ثوار العشائر في القرى المجاورة .
تحدث هناك قصص مرعبة من المعاناة والخوف والجوع ونقص الأدوية وعدم وجود أطباء حيث يقوم الممرضون بإجراء العمليات الجراحية للمصابين بأدوات بسيطة وغالبا بدون تخدير ..فليس هناك إمدادات سوى من مروحية حكومية تأتي كل يومين تلقي عليهم بعض المؤن التي لا تكفي سوى لعشرات الأشخاص , أن أهم أسباب صمود آمراي في الدفاع عن قريتهم هو ما حدث لأبناء جلدتهم في مدينة تلعفر عندما دخلها التكفيريون وقتلوا الآلاف من أبنائها وشردوا نصف مليون تركماني إلى مناطق أكثر أمنا وسط وجنوب العراق وسط صمت دولي يثير الكثير من علامات الاستفهام حول جديته في الدفاع عن حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب.
حدثني احد الجنود الذين يمسكون حاجزا للجيش شمالي بغداد عن استقبالهم إحدى العوائل المؤلفة من 21شخصا نجوا بأعجوبة من مجزرة تلعفر مكدسين في شاحنة نقل صغيرة بعد ان قطعوا مسافة 40 كيلومتر مشيا على الأقدام ليلا وقد استبد بهم الخوف والعطش , وعندما قدم لهم هذا الجندي بعض الماء والأطعمة مواسيا إياهم بكلمات تحثهم على الصبر وهم يبكون بيوتا مهدمة وماشية اصبحت نهبا للصوص الدولة الاسلامية والتي كانت تمثل كل ثروتهم التي عملوا بكد على جمعها عشرات السنين ,صرخت إحدى نساء العائلة بشكل جنوني فقد اكتشفت إنها نسيت احد أطفالها هناك أثناء هروبهم!!!
إننا بانتظار مجزرة جديدة بينما أوربا وأميركا مشغولة بتسليح البيشمركة لضمان استقرار إقليم كردستان الذي يضم مصالح أمريكية وأوربية وموضفين غربيين أكثر أهمية من عشرات آلاف من الناس ينتظرون الذبح وقطع الرؤس للذكور والسبي للنساء بكل ما تعني هذه الكلمة من استرقاق واغتصاب وممارسات لا
يمكن للمجتمع المتحضر السماح بحدوثها ,في تصرف غير أخلاقي يمثل دليلا جديدا على النفاق واستخدام شريعة حقوق الإنسان لتحقيق أغراض ومصالح سياسية ,لقد أدارت أمريكا ظهرها للشيعة ومن خلفها الاتحاد الأوربي فتركوهم يواجهون مصيرهم الكارثي بلا أي مساعدة بعد انهيار الجيش العراقي واقتصار جهود البيشمركة على حماية مناطق معينة لم تكن من بينها تلك التي تسكنها الاقلية التركمانية , حتى الإعلام الغربي عموما تناول مأساة تلعفر بطريقة قللت من الاهتمام العالمي بها باعتبارها عملية إبادة جماعية لآلاف البشر بسبب انتمائهم الديني. ويبقى الموقف التركي الأكثر مثارا للاستغراب في عدم اهتمامها بعرقية تدعي الانتماء لها وطالما حملت لواء الدفاع عنها بل وهددت بالتدخل العسكري لحمايتها في بعض المناسبات , نجدها اليوم غير مهتمة إطلاقا لما يحدث لمن تربطهم بالاتراك علاقات تاريخية وعرقية وحضارية ,حتى أنها لم تكلف نفسها إمدادهم بمساعدات إنسانية تحفظ حياتهم في موقف قد يفسر على انه انتقاما غير معلن لانتخابهم المالكي التي لا تكن أنقرة له الود , أو انتصار اردوغان لأيدلوجية جماعة الأخوان المسلمين التي ينتمي لها وميولها الطائفية على حساب القيم الإنسانية التي يدعي تمثيلها.
إن داعش والمتشددين السنة يمارسون عملية تطهير عرقي وديني لمناطقهم وما لم يتحرك المجتمع الدولي لمساعدة سكان آمرلي فستضاف صفحة سوداء أخرى لسجل الامم المتحدة والعالم الحر في التخاذل عن القيام بواجبه في حماية المدنيين وهم يتعرضون لانتهاكات صارخة لا تقل عن مثيلاتها في رواندا أو البوسنة أو جنوب السودان , وتقع على أمريكا المسؤلية الأكبر في إنهاء هذا الوضع فما يحدث هو نتيجة مباشرة لاحتلال العراق ودعم المعارضة السورية بطريقة غير منضبطة أدت إلى وصول هذه الأسلحة إلى الجماعات المتطرفة.
ايها السادة: مازال هناك هامش من الوقت للدول المنخرطة في مساعدة الايزيدين والتخفيف من معاناتهم وقد نجحت في ذالك, للالتفات إلى أخوتهم التركمان في آمرلي وتقديم المساعدة لهم , سيكون هذا الموقف- إن حدث انتصارا- لقيم العدالة ووجوب صيانة حقوق الإنسان وأهمها حقه في الحياة بغض النضر عن عرقه أو دينه أو لون بشرته وستعيد إلينا الثقة بشعارات العالم الديمقراطي الحر.