تكشف الأزمة الروسية – الأوكرانية عن خيوط توريط روسيا لغزو أوكرانيا منذ انضمام شبه جزيرة القرم الى روسيا وبدأ العقوبات عليها من دول الناتو بشكل خاص . وقضية انضمام القرم كانت بالقواعد والمعايير الجيوسياسية مسألة حتمية لتأمين الأمن للحدود الروسية من ناحية ولتقطع بها روسيا كل محاولات اوكرانيا لتحويلها الى قاعدة بحرية عسكرية لانتشار قوات الناتو في المستقبل لموقعها الإستراتيجي البالغ الأهمية في حسابات الناتو .
ولا احد ينكر ان الولايات المتحدة دأبت على سياسة اضعاف روسيا بشكل خاص كأولوية قبل الصين بسبب ان اضرع اقتصادها المهمة لا تتخطى عن تصدير الغاز الى اوربا والنفط الخام وتصدير السلاح .
لهذا فقد أصرّت بكل ماتملك من المفكرين الكارهين للروس على التخطيط لذلك الإضعاف بحجة تأمين الأمن لدول اوربا الشرقية . وحين دفعت اوكرانيا لعدم الإنصياع الى تنفيذ اتفاق منسك القاضي بوقف الأعمال العسكرية وجعل منطقة الدونباس في شرق اوكرانيا منطقة منزوعة السلاح , اقترح الرئيس بوتين على التفاوض لإعطائه الضمانات الأمنية اللازمة , إلا ان الولايات المتحدة استنفرت دول اوربا المنضوية بحلف الناتو وقامت بسلسلة من الإستفزازات لتعجيله للقيام بالغزو , وأشاعت عن ذلك فعلآ امام العالم بان روسيا ستقوم بذلك الغزو .
وفي هذا ارادت ان تلفت نظر بوتين الى ذلك , بل واغرته انها لن تدخل بالحرب معه وستكتفي بالعقوبات الإقتصادية في سيناريو يتشابه تمامآ مع سيناريو غزو دولة الكويت ولكن بخطوات مختلفة .
وكان من اهداف الولايات المتحدة في غزو روسيا لأوكرانيا اولآ ; ان تسيء لسمعة بوتين امام العالم وتشبيهه بهتلر والقيصر الذي يطمح الى إعادة الأمبراطورية الروسية القديمة . ثانيآ , ان تنهكه الحرب اقتصاديآ وعسكريآ . اما إذا امتدت الحرب الى دول الناتو وهي حتمآ ستتمدد إذا استمر الإستفزاز الأمريكي الذي خطط له اولئك المفكرين في دفع الرئيس بوتين ليقوم برد فعل اكثر قوة سيما انه في الغزو سيحقق نصرآ يشجعه على ذلك , وستكون الحرب العالمية الثالثة لامحالة واقعة وعند ذلك سيعتنق العالم فكرآ جديدآ بالسياسة وتأسيسآ جديدآ في العلاقات على غرار سايكس – بيكو .
الجدير بالإشارة , أن كل الحروب التي تشعلها امريكا لمواجهة القوى المنافسة لها والتي تعتبر انها تشكل تهديدآ لوجودها , تقوم بهذه الطريقة الهوليودية لكي تكسب بها المجتمع الدولي أولآ , ولتتجنب كلفة الآلة العسكرية والتضحيات البشرية ثانيآ .
ولكن ليتذكر العالم في ازمة الصواريخ الكوبية عام 1962 كيف اصيبت امريكا بالرعب عندما نشر الإتحاد السوفيتي صواريخآ في كوبا بسبب نوايا امريكا في احتلالها واسقاط كاسترو , بحجة ان ذلك يهدد امنها . وإذا كان ذلك يخيف امريكا فكيف لايخيف روسيا ان يتواجد الناتو على حدوده الغربية ؟!
مما تقدم تنكشف نوايا الولايات المتحدة المقصودة في دفع بوتين الى الحرب ليطلق دباباته وبإختياره , وهذا ماصرّح به بوتين بنفسه . أما امريكا فيكون بإختيارها الوقوف على الجانب الآمن للبحث عن وضع خطط اخرى ودراستها لتنفيذ مشروعها في خضم وجود جديد يصنعه الغزو .
بطبيعة الحال ان العالم سينقسم الى مؤيد لبوتين ومؤيد لأمريكا وبتصريحات وإن كانت دبلوماسية , إلا انها تعطي للكلام تعبيرآ واضحآ بعيدآ عن الإفصاح بشكل مباشر لدواعي سياسية .