8 أبريل، 2024 8:43 م
Search
Close this search box.

أمريكا تخسر الشرق الاوسط وتفشل في سورية

Facebook
Twitter
LinkedIn

اليوم انسحاب أمريكا من الشرق الأوسط يلفظ أنفاسه الأخيرة، وأن هيمنة الولايات المتحدة داخل النظام العالمي أحادي القطب قد شارفت على الانتهاء، و حقبة النظام العالمي متعدد الأقطاب بدأت تتشكل بالفعل، هناك تغيير كبير حاصل الآن على المسرح الدولي بما فيه تراجع ثقل وتأثير واشنطن وتقدم الصين وروسيا وعودتهما بكل زخم وقوة لمقارعة واشنطن في المدى المنظور، كما ستستمر معركة شدّ الحبال بين الصين وروسيا والولايات المتحدة، وفي شكل أقوى في منطقة الشرق الأوسط.

 

أن بداية تزعزع الهيمنة الأمريكية يعود إلى الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالعالم أجمع عام 2008، وأنها كانت بمثابة المسمار الأول الذي دق في نعش الهيمنة الأمريكية التي تفردت كقوة عظمى وحيدة في العالم منذ انتهاء الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي 1991.

 

بالمقابل برزت إلى السطح المزيد من المؤشرات التي تنذر بتراجع مكانة الولايات المتحدة على الساحة الدولية والتي ازدادت حدتها بعد الخروج الأمريكي المُهين من أفغانستان وما تبعها من مواقف محرجة متكررة فعلها الرئيس الأمريكي بايدن، فكانت الحرب الروسية الأوكرانية ضربة البداية لتشكل نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، يعترف بقوة روسيا العسكرية والسياسية، وبالصعود الصيني الاقتصادي والتكنولوجي والعسكري.

 

كما كان سوء الإدارة الأمريكية أحد الأسباب التي أدت إلى عودة الدب الروسي إلى المياه الدافئة مرة أخرى والتي شجعت روسيا أن تدخل بقوة، ورأينا ذلك في الأزمة السورية التي وقفت إلى جانب سورية وكذلك في أزمات أخرى فضلاً عن الإقبال من جانب بعض الدول بالعودة إلى أحضان الدب الروسي من جديد.

 

رغم ترابط الأسباب الخارجية والداخلية لمؤشرات تراجع القوة الأمريكية، فإن الأسباب الداخلية المحلية تبدو أكثر وضوحاً، فقد تسبب التمدد الأمريكي العسكري وخوض حروب الإرهاب المصطنعة بهدف الهيمنة بنفقات هائلة، سرعان ما انعكست محلياً بضربة موجعة للنموذج الاقتصادي الأمريكي، وهو ما تجلى من خلال الأزمة المالية العالمية للأعوام 2007-2009 وفي السياق نفسه اتسم الواقع الذي يعيشه المجتمع الأمريكي حيث الفجوة الكبيرة في الدخل للأفراد فهناك الطبقة الاروستقراطية الطبقية الغنية والتي تمثل 30% من الشعب أما 70% من الشعب يفقد الضمان الاجتماعي والصحي ويعيش تحت خط الفقر هذا مما يؤدي الى الإنفجار في أي وقت ممكن، بالإضافة الى الدين الخارجي فقد تخطى 200 مليار دولار وإن كانت الصين تدخلت في التسعينيات لإنقاذ البنك الفيدرالي الأمريكي، لكن اليوم فأن الخلاف والعداء الشديد بين بكين وواشنطن سيؤثر على مساعدة الصين لأمريكا، التي تسعى الى التفوق التكنولوجي لكبح جماح أمريكا في المنطقة .

 

تبدو أمريكا اليوم نموذجاً لمجتمع منقسم ممزق، حافل بالتناقضات والتوترات والتعصب وتضارب المصالح، ومتخم بالعنف والتوحش السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ومن هنا باتت أمريكا مهددة بفقدانها مكانتها كأكبر اقتصاد في العالم، وربما تخسر معه تفوقها التكنولوجي أيضاً.

 

عدم الموثوقية الأمريكية دفعت القادة في جميع أنحاء الشرق الأوسط إلى بدء حوار يهدف إلى الانفراج، بدلا من الاعتماد على الأطراف الخارجية، وفي إطار ذلك سعت السعودية إلى ترجمة رفضها للسياسات الغربية، من خلال إعادة ترتيبها للأوضاع في المنطقة، على نحو يخدم مصالح الاقليم من خلال التوجه إلى تأسيس تحالفات إقليمية مرنة، بإعتبارها الدولة المؤثرة في إعادة تشكل المنطقة، وعلى نحو يوفر بديلاً للترتيبات الغربية للبلاد

 

فالحقيقة التي يجب أن ندركها بيقين أن النظام أحادي القطبية يحتضر، وسوف يصبح من الماضي، وأن ثنائية أو تعددية قطبية تولد، وأن روسيا من هذا المنطلق أسهمت بقدر كبير في تغيير الصورة الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط ما جعل خسائر الأمريكيين تزداد وتتعاظم إذ ترى روسيا أن أميركا اصبحت مهزوزة في مختلف دول العالم، فقد كانت مقامرة بوتين الأوكرانية بمثابة صدمة لمؤسسة السياسة الخارجية لواشنطن، وترى روسيا أميركا هشة، في أفغانستان وفي سورية وحول إيران ومنطقة الشرق الأوسط بأكملها.

 

مجملاً….مع إعتراف البعض، كانت أمريكا القوة الرئيسية في الشرق الأوسط لعقود من الزمن، موفرة لحلفائها التوجيه والحماية، لكن الآن، ومع تدخل روسيا وإيران والصين في المنطقة، بدأ دور أمريكا المميز يضمر ويتلاشى، فالجميع لديه ضغينة تجاه واشنطن فلا يمكن التعويل عليها لأنها تتخلى عن حلفائها، إذ لا يوجد أنصار لأمريكا في هذه المرحلة، لذلك فإن البيت الأبيض وحلفاؤه المشاركين في الحرب على سورية يعيشون اليوم حالة ضياع وصعوبة في قراءة تطور الأحداث خلال الأسابيع الأخيرة فيما يتعلق بالأزمة السورية، يتضح بما لا يقبل مجالاً للشك أن الهيمنة الأمريكية على المنطقة، قد تلقت طعنة لا تقل شدة عن الطعنة التي تلقتها على يد الجيش السوري وحلفاؤه عندما سحقوا الإرهاب، الذي كان أداة أمريكا في مخطط الشرق الأوسط الجديد.

 

ببساطة شديدة، إن روسيا اليوم في حاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لترسيخ علاقتها بالصين وإيران لتكوين جبهة قوية ضد الهيمنة الأمريكية، ووضع حد لإنفرادها بالسيطرة على العالم من دون منازع وكسر سياسة الإحتواء والطوق الذي تسعى اليه، وكانت القيادة الروسية قد أشارت إلى تأسيس مثلث استراتيجي يجمع الصين وروسيا وإيران وهذا ما لا تريده الولايات المتحدة لأنه يقلص من هيمنتها ويقزم دورها في المنطقة.

 

[email protected]

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب