23 ديسمبر، 2024 3:48 ص

أمريكا: الاهداف واحدة في سياسة القوة وقوة السياسة

أمريكا: الاهداف واحدة في سياسة القوة وقوة السياسة

بصرف النظر عن من يكون الرئيس الامريكي المقبل؛ فالسياسة الامريكية هي ذاتها لا تتغير تغيرا جذريا، كل ما هناك هو تبدل في الاساليب او في التوقيتات او في التخريجات. امريكا ومن دون شك لها ثقلها السياسي والعسكري والاقتصادي والمالي في السياسة الدولية وفي صناعة القرار الدولي بفعل قوتها سابقة الذكر وبفعل تحالفاتها ومناطق نفوذها المدعومة باكثر من 140قاعدة رسمية منتشرة في كل مكان او زاوية في الكرة الارضية لحفظ مصالح الولايات المتحدة وليس من اجل حفظ الامن او من اجل الدفاع عن هذه الدول كما تدعي وتروج لهذه الفرية. ان المتابع للخطابات الانتخابية لكل من ترامب وبايدن يلاحظ بصورة واضحة خلو هذه الخطابات بما فيها المناظرتين بينهما من اي ذكر للسياسة الخارجية اللهم الا الصين التي تشكل وجع وسخونة، للرأس الامريكي، أما المنطقة العربية لم يأتيا على ذكرها ولو مرة واحدة. هذا يعني وفي صلب ما يعنيه هذا الاهمال هو ان السياسة الداخلية هي الميدان الاساسي او ميدان العمل الحقيقي لأي رئيس امريكي الذي فيه يترجم عمليا على ارض الواقع رؤيته للتغييرات الهامة التي يراها بحاجة الى تغيير، ومن الطبيعي ان يستخدم طاقم ادارته في الذي يخص الوضع الداخلي لأمريكا في تحويل رؤيته هذه الى صياغات قانونية ملزمة التنفيذ والعمل بها، كما ان الناخب الامريكي لا يعير ادنى اهمية للسياسة الخارجية. ان اغلب الرؤساء الامريكيين لا تمتعون برؤية عميقة. لذا نلاحظ ان الخبراء المتابعين للشأن الامريكي يركزون على طاقم عمل الرئيس اكثر كثيرا من شخصية الرئيس، وبالذات وزير الدفاع ومستشار الامن القومي الامريكي ووزير الخارجية ومسؤول المخابرات المركزية الامريكية، لأنهم بتاريخهم وخبرتهم ومرجعياتهم ورؤاهم يعطون للخبراء نافذة لفهم السياسة الخارجية الامريكية لرب البيت الابيض، وهؤلاء يأتون من المؤسسة الامريكية العميقة التي لها استراتيجيتها المرسومة سلفا طبقا لما يفرضه المتغير الدولي الذي يمس او يؤثر سلبيا او ايجابيا على المصالح الامريكية في الحاضر والامد المتوسط والبعيد. ان من اللافت للانتباه ان الانظمة العربية وحتما؛ هناك انظمة اخرى على شاكلتها في العالم؛ تعول كثيرا على من سوف يأتي او من ستأتي به الانتخابات الامريكية لناحية القرب منها او البعد منها او بعبارة اخرى وبتوصيف اخر اكثر تمثلا للواقع؛ مدى دعم هذا الرئيس الامريكي او ذاك الرئيس لسياسة هذه الانظمة، ولعلاقتها مع شعبها في اهمال واضح لموقف شعبها منها او من سياستها سواء الداخلية منها او الخارجية، في الجوار الاقليمي لدول المنطقة العربية، او في العالم. ان هذا الاهتمام يعكس بصورة لا غموض فيها؛ ان هذه الانظمة لا تمتلك الارادة ولا الفعل الاجرائي المؤسس لمنتج ملموس يجسر الفراغ بينها وبين شعبها الذي تحول بنتيجة سياستها الى متمرد ومعارض لهذه السياسية سواء ما كان منها داخليا او ما كان منها في الجوار الاقليمي او في الموقف من القضية الفلسطينية او في الموقف من علاقتهم مع بعضهم البعض في تجاوز للمصير العربي المشترك. ان وصول اي رئيس امريكي يعني جميع دول العالم بفعل التسيد الامريكي حتى اللحظة على القرار الدولي بدرجة او بأخرى، بالهيمنة الكاملة او بعرقلة الحلول حين لا تتسق مع سياسة امريكا الاستراتيجية، لكن هذا الاهتمام من قبل دول العالم ذات الارادة المستقلة والسيادة الكاملة على قرارها الوطني؛ يجري او يتم تبنيه او المراقبة عن كثب لشخصية القادم الجديد للبيت الابيض، وموجهاته ومرجعيته السياسية، ليتم لها أو تمنح لنفسها الوقت اللازم للتحضيربالقراءة الجديدة لنوع العلاقة مع رب البيت الابيض الجديد؛ توجسا وحذرا وتحضيرا لمتطلبات المواجهة ان كان ساكن هذا البيت ينوي الصدام وهنا لانقصد الصدام العسكري فهو احتمال بعيد الوقوع وحتى وان واقع فسوف يكون صدام موضعي وبالإنابة، بل المقصود هو الصدام في جميع المجالات الاخرى، او كان من النوع الذي ينوي اتباع طريق اللين والمهادنة والسياسة الناعمة في بلوغ الاهداف الامريكية. مما يؤسف له ان الانظمة العربية وكذلك معارضتها على حد سواء (الا القليل منها التي يجري التعتيم على موقفها بخنق اصواتها وتضييق الفضاءات التي يتردد فيها صداها حتى لا يسمعها الناس ويعرف او يطلع على موقفها..) تراقب وتنتظر اي من المرشحين سيفوز هذا المرشح او ذلك المرشح، ليس لأجل رسم السياسة المستقلة الملائمة بل لأجل؛ هل هو من النوع الذي يواصل اسناد سياستهم سواء في العلاقة مع شعبهم او في العلاقات الاخرى ذات الاهمية لهم، او من النوع الذي يفضح جزء من هذه السياسة اعلاميا وليس جديا بما يخلق “شوشرة” على هذا النظام او ذلك النظام، أو في علاقة المعارضة مع هذه الانظمة الفاسدة، والتي تنتظر من الراعي الجديد، المتربع على كرسي العرش في المكتب البيضوي؛ الدعم والاسناد والترويج في مواجهة تلك الانظمة. ان هذا يعني وفي اهم ما يعني هو غياب الإرادة المستقلة اولا ومن ثم وبالنتيجة غياب كامل للثقة بالنفس والاعتماد على الذات لطرفي العلاقة؛ الانظمة والمعارضة بل الاعتماد على الداعم الخارجي، الامريكي او غير الامريكي. لذا، فأن الاعتماد في احداث التغيير المنشود او المطلوب، على الخارج والامريكي على جهة الدقة الحصرية؛ سوف يكون التغيير وان حدث؛ لن يختلف عن النظام الفاسد او الدكتاتوري؛ لأن الراعي الامريكي والمتحالف معه او غيرهما؛ يفرضا شروط التغيير وهي اهدافه او اهدافهما من وراء هذا التغيير، والامثلة كثيرة على هذا في الزمن المعيش في الوقت الحاضر، ولا حاجة لذكرها لأنها معاشة ومعروفة للجميع. بكل تأكيد ان بايدن هو امبراطور البيت الابيض الجديد، على الرغم من مماطلة ترامب في التسليم بهذا الفوز. لكن السؤال المهم هنا هل بايدن يختلف عن ترامب بالتأكيد يختلف من حيث الاسلوب والسياسة التي سوف يتبعها ولكنها في عين الوقت من حيث الجوهر وبالذات في الذي يخص الشأن العربي لن يختلف كثيرا وان اختلف فهو في سياسته لن يختلف او لن يخرجها عن الخط العام للاستراتيجية الامريكية كما في التالي: – ففي العراق سوف لن تكون هناك متغييرات في سياسة امريكا اتجاه العراق بل ان سياسة بايدن سوف تكون اكثر خطورة من سلفه ترامب، فهو على علم واطلاع على اوضاع العراق وله علاقات مع اغلب اطراف العملية السياسية، فقد كان المسؤول عن ملف العراق في البيت الابيض وزار العراق 24مرة خلال ثماني سنوات، وكان طرفا فاعلا في تأجيج الطائفية في العراق فقد دعم هذا الطرف على حساب الطرف الاخر مما قاد الى ترسيخ الطائفية في الوطن؛ وبكل تأكيد هو على علم ومعرفة كاملة بأن هذا الدعم سوف يدفع الاوضاع على هذا الاتجاه؛ بفعل كونه سياسي مخضرم وله خبرة واسعة في السياسية لأربعة عقود خلت، سواء ماكان منها في العراق او في المنطقة العربية؛ عليه فان بايدن هو الاخطر على العراق من سلفه، وعلينا ان لا ننسى هنا ان بايدن هو من صوت في الكونكرس لصالح غزو العراق واحتلاله وهو ايضا صاحب مشروع تقسيم الوطن كحل للصراع بين الاخوة الاعداء والتي كان هو احد اطراف الفعل في صناعة هذا الصراع وللحقيقة لم يكن هذا الصراع بين ابناء الشعب ابدا بل هو صراع اقطاب العملية السياسية. – في الملف النووي الايراني وبحسب خبراء السياسة الدولية ومنها السياسة الامريكية في عهد بايدن المقبل؛ سوف تعود امريكا الى التفاهم النووي. لكن هذا من وجهة نظر كاتب هذه السطور المتواضعة؛ من الصعوبة بل من الصعوبة البالغة؛ ان تعود امريكا الى الصفقة النووية كطرف فاعل فيها او في آلية العمل المشترك لها، لثلاث اسباب: – ان ايران سوف تتصلب في شروطها، وهو ما استعدت قبل الان لهذا التطور في تنبؤ استباقي لنتائج الانتخابات الامريكية، من بين اهم هذه الاستعدادات؛ ان المرشد سوف يدعم الجناح المتشدد في ايران في الانتخابات الايرانية التي ستجري في منتصف العام القادم، بضوء اخضر ايحائي منه؛ لإنتاج موقف ايراني صلب يناسب او يرتفع الى مستوى هذا التطور..- ان شروط امريكا في مفاوضات العودة للتفاهم النووي؛ شروط من المستحيل ان تقبل بها ايران اذا ما اصر الجانب الامريكي عليها، وهي مدة التفاهم النووي اي مفتوحة وغير محددة بزمن، ومديات الصواريخ الباليستية والتي تعتبرها ايران، عمود دفاعاتها وقوتها العسكرية التي لا تستغني عنها باي حال من الاحوال كما يقول المسؤولون الايرانيون، والتخلي عن مجالها الحيوي في دول المنطقة العربية والذي هو اخر من اقوى ركائزها في مواجهتها مع امريكا من جانب اما من الجانب الثاني والذي هو الاهم بل الاكثر اهمية؛ لارتباطه بالأيديولوجية الدينية الايرانية؛ فهي ان تخلت عنه؛ تخلت عن خطابها السياسي والديني خلال اربعة عقود، التي تم بها؛ شحن مخيلة الشعوب الايرانية به وبأهدافه، في هذه الحالة يتم افراغ خطابها من محتواه واهدافه وبالتالي الانكفاء الى الداخل منها وهذا له تداعيات تتعلق بصيرورة النظام الايراني واس وجوده، مما يشكل خطرا وجوديا على النظام. عليه من الممكن التحلي بالروح الرياضية في هذا الجانب اي المهادنة والمناورة كما هو معروف عن الايرانيين، من دون التخلي عنها بالكامل اي ايجاد منطقة وسط بين الحالتين بتبرير جاهز عند الطلب الا وهو اتباع التقية ولو ان هذا المنحنى بعيد الاحتمال. أما الجانب الامريكي بزعامة بايدن هو الاخر سيعمل على ايجاد منطقة مشتركة للتفاهم أو ينزل بسقف المطالب الامريكية الى هذه المنطقة00- في بقية دول المنطقة العربية فالأنظمة فيها بدأت بتغيير سياستها مع شعبها تحت هاجس أو احتمال ما سوف تتعرض له من ضغط رئيس شرطة العالم الجديد في الذي يخص حق الناس في الحياة الحرة والكريمة، ليس الأن هذا الشرطي هو من يريد او يسعى لنشر السلام والحرية وحق العيش بأمن وامان للإنسان بل انه يريد المحافظة على خطاب امريكا للعالم ولو بالشكل المشهدي والصوري والذي لا يتعدا هذا التسويق، كي لا يتعرض هذا الخطاب للتشويه اكثر والذي هو فيه ما يكفي من التشويه بل المشوه اصلا بفعل النوايا والاهداف المرتبطة به في خط شروعها. امريكا نصبت نفسها من غير ان ينصبها العالم؛ مسؤولة عن تنظيم شؤونه ومن غيرها تعم الكرة الارضية الفوضى كما يقول المسؤولون فيها، او من الجانب الثاني؛ تغلق الباب امام الاخرين من القوى الدولية العظمى حتى تظل هي الوحيدة المتسيدة على جميع مساحات الفعل السياسي والاقتصادي وغيرهما في الكرة الارضية، لتحافظ على مصالحها غير المشروعة اصلا.-أما القضية الفلسطينية والتي هي قضية العرب المركزية، فلن يحدث تغيرا اساسيا فيها او ان تقوم ادارة بايدن بإنتاج حل منصف وعادل على قاعدة الشرعية الدولية. في جميع عهود ولايات الديمقراطيين لم يتم ايقاف الاستيطان بل على العكس كان قد زاد، ربما يجري تعليقه بين فترة واخرى اما ايقافها فلم يحدث ابدا. كما ان الادارات الديمقراطية كانت وفي كل تاريخها قد دعمت الكيان الصهيوني ليس اقل من دعم الجمهورين لهذا الكيان ان لم نقل اكثر. ربما يجري تخفيف الضغط على السلطة الفلسطينية بدرجة او بأخرى من غير اجراء اي تغيير جوهري في السياسة الامريكية الراعية لهذا الكيان الاستيطاني. في الخلاصة نقول ان الاعتماد على الذات، وهو وفي نقطة شروعه؛ الاعتماد على قدرات الشعب، هو الذي يجبر امريكا او الكيان الصهيوني او غيرهما على النزول من قمة جبل الباطل الى ارض الحق والانصاف وشرعة القانون الدولي، وليس الاعتماد على سياسة هذا الرئيس الامريكي او ذلك الرئيس الامريكي بما يتفضل به من حلول وهي حتما حلول خادمة له ولمخلب قطه الصهيوني في ارض العرب.