يجمعنا الليل شبه يوميا في أحد المقاهي العربية في العاصمة الروسية موسكو بمجموعة والاصدقاء من مختلف الدول العربية ، وبمختلف إنتماءاتهم السياسية المعارضة والمؤيدة لهذا النظام أو ذاك ، أو هذه الدولة أو تلك ، دون أن يؤثر ذلك على مسار الهدف الذي يجمعنا سوية ، وهو الالفة والمحبة بين أبناء الشعب العربي .
وبعيدا عن السياسة ومنغصاتها ومؤامراتها ، نلتقي جميعا للتسلية في لعبة سورية مشهورة تسمى ( الطرنيب 61 ) والتي تستوجب لعب أربعة أشخاصا قد تكون فرادا أو على شكل مجموعتين كل مجموعة مؤلفة من شخصين ، ومن بين هذه المجاميع فريق مؤلف من شخصين يمثلان ملح هذه الجلسات وحلاوتها في آن واحد ، والتي تمتد حتى ساعات متأخرة من الليل ، كونهم الأكثر نشاطا وحركة ، سواء في المشاكسة والمناكثة والخداع ، أو من خلال الحركات أو الإشارات المتفق عليها مسبقا بينهما ، أو عبر ما تسمى ( بتطبيق الورق ) والهدف بالطبع هو الفوز بأي طريقة كانت حتى يبقووا وحسب أدعاءهم ، بأنهم الأحسن والأقوى في هذه اللعبة ..
وبما أن عددنا كثير فعادة ما يعتمد أسلوب الدوري في اللعب ، وهو أن يخرج الفريق الخاسر ويستبدل بآخر ، والمصيبة اذا ما خرج هؤلاء الاثنان خاسرين من اللعبة ، وجلوسهم بالقرب من طاولة اللعب ، حتى يبدأوا ووفق مبدأ ( لو ألعب ، لو أخرب الملعب ) بكل المحاولات بإستفزاز اللاعبين ، أو القيام بكل ما هو متاح لهم من إشارات ومشاكسات وإثارة الفتنة بين هذا وذاك ، كي تنتهي اللعبة ليعودوا الى طاولة اللعب من جديد ، ( وللإمانة والحق يقال ) فإن أي جلسة دونهما لا تساوي شيئا ، كونهما يتعمتعان بروح عالية من المرح والتسامح ، والاخلاق العالية في تلقي الإنتقادات الموجهة إليهم بكل رحابة صدر .
وبعيدا عن التشبيه ، فإن المبدأ نفسه مطبق الان في العلاقات الدولية وخصوصا ما يجري الان بين روسيا والولايات المتحدة ، فالأخيرة ( اي واشنطن ) تطبق هذا المثال بكل حذافيره ، سواء بحقارته ولؤمه وخبثته ، في معالجة القضايا المتعلقة بالشرق الأوسط وخصوصا فيما يخص الحرب على الإرهاب في سوريا والعمليات العسكرية الروسية التي فضحت كل مستور فيها , وفي العراق ، الذي كشف الجيش العراقي والحشد الشعبي وابناء العشائر الغيارى ، وبالدليل القاطع عدم جدية الولايات المتحدة في إنهاء وتصفية هذه المجموعات الإرهابية ( داعش وأخواتها) ، بل العكس ، تقوم بتسليح وتموين هذه المجموعات الإرهابية إضافة الى ما فضحته العمليات العسكرية الروسية في سوريا والرئيس الروسي فلاديمير بوتين من دور كبير للولايات المتحدة وحلفاءها في المماطلة في حصر عملية تصفية هذه المجموعات بواشنطن وأخواتها في العواصم الغربية ، وكذلك في إيجاد الحل في حل الأزمة السورية المستمرة منذ خمس سنوات .
الرئيس الروسي وفي المنتدى الإقتصادي الذي أفتتح في العاصمة موسكو وردا على اسئلة أحد الحضور كشف النقاب عن الدور التآمري الأمريكي في ديمومة المنظمات الإرهابية والتي وإن وصلت عملياتها في المنطقة الى تسعة الاف طلعة جوية ، إلا أنها لم تكن إلا غطاءا جويا لهذه المنظمات للتوسع في الأراضي العراقية والسورية ، بأموال مدفوعة من الخزينة العراقية والخليجية على أعتبار إن طلعات دول ما تسمى ( التحالف الدولي ) ليست لسواد عيون العراقيين والسوريين بل هي مقابل فاتورة مدفوعة الثمن مسبقا.
بوتين الذي احدث جوابه في القاعة ضحكا مسموعا من قبل الحاضرين من المستثمرين الذين حضروا المنتدى من كافة دول العالم ، وعاصفة من التصفيق لحديثه ، كشف أن الإنتقادات الأمريكية للعمليات العسكرية الروسية غير دقيقة وغير مبنية على حقائق ، وإن صناع السياسة في الولايات المتحدة على ما يبدو غير عارفين بشكل دقيق للإزمة ، إن ما تقوم به الطائرات الروسية من جهد متميز في تصفية هذه المجاميع الإرهابية ، وإدعاءاتها بان الطائرات الروسية تقصف المواقع المدنية ومواقع ما تسمى بالمعارضة ( المعتدلة ) !! ( وقال ، عندما سألناهم أعطونا المواقع المدنية التي تم إستهدافها ، لم يقدموا جواب ، وعندما سألناهم أعطونا المواقع التي تتواجد فيها هذه المعارضة كي لا نقصفها ، أيضا سكتوا دون اي جواب ) وهو نفس الحال مع أخوات واشنطن الغربية الذي قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عنهن ، أن بلاده عرضت على جميع الأطراف التنسيق في مختلف المجالات، بما في ذلك
تحديد المناطق التي لا يجوز إجراء عمليات عسكرية فيها لأسباب إنسانية ، لكنها لم تتلق حتى الآن ردا من أسماهم بالشركاء الغربيين. . !! .
الرئيس الروسي ( ابو علي ) كما يحلو للدعاية الامريكية الوقحة مدعومة من بعض الوسائل العربية ومواقع التواصل الإجتماعي تسميته ، فند ما تسوق له هذه الآلة الإعلامية من أن العمليات الروسية في سوريا تحمل دافعا دينيا لدعم الشيعة ضد السنة ، في الوقت الذي أثبتت التجارب ، أن روسيا لم تدخل يوما في مثل هذه الصراعات الدينية ، ولم تدعم أية طائفة دينية على حساب طائفة أخرى ، ولم يكن لها أطماع في أية دولة .
بل إن العكس أثبتت التجارب السابقة ، وبما لايقبل الشك ، أن الولايات المتحدة الطامعة بثروات المنطقة العربية ، وتعمل لأجل ذلك لتكون اللاعب الرئيس فيها دون غيرها ، لينطبق عليها المثل العراقي ( لو ألعب ، لو أخرب الملعب ) بحذافيره، وأكثر من ذلك ولا تسمح لأي طرف آخر للولوج في حل قضاياها ، باعتبارها منطقة نفوذ تابعة لها ، وإذا ما وجد حل لأحدى هذه القضايا من خارج أروقة المخابرات المركزية وصناع القرار الأمريكي ، فإنها ستقاومه بالتشويه من خلال شبكة الاعلام الغربية المشبوهة تارة ، أو بكل ما أوتي لها من قوة غير ، آبهة بالخسائر البشرية والمدنية من جهة أخرى ، وهذا ما أكدته الوزيرة السابقة للخارجية الامريكية مادلين أولبرايت في مذكراتها بأن وفاة (500 ) الف طفل عراقي جراء الحصار الذي فرض على العراق هو ضريبة الحرب مع صدام حسين !! .