23 ديسمبر، 2024 9:05 ص

أمراض الخبير الأدبي ؟

أمراض الخبير الأدبي ؟

منذ زمن و نحن أطفال نسمع عن صفة تسمية ( الخبير الأدبي ) الذي يعمل كرقيب في دائرة المطبوعات في مؤسسة الشؤون الثقافية و الأدبية في بغداد ، و لم يتسنى لي شخصيا معرفة هذا الشخص المجهول ، ألا عندما راودتني الحاجة الى طبع أحدى كتبي النقدية التي مع الأسف قد لاقت رفضا شاذا من قبل من يسموه ( خبير ؟ ) و هذا بدوره ما قد حدث قبل عامين من هذا التقويم الزمني الذي نحن تحت سقفه الأن ، و عندما حاولت الأستفسار عن سبب رفض كتابي عن الطبع ، قال لي الصديق القاص عبد الكريم حسن مراد ، بأنه هو الأخر يواجه ذات الموقف بصدد طبع مجموعته القصصية الأخيرة و التي رفضها ذلك الخبير المختص بالقصة القصيرة ، متهما إياها بالفنتازيا و الغرائبية : و حينما أستمعت الى كل أقوال الأدباء الذين قد جوبهت أعمالهم الأدبية بالرفض من قبل سلطة دار الشؤون اللاثقافية تلك ، أدركت و بشكل فوري بأن هناك أمرا ما يدور في خلد تلك المؤسسة التي نجدها سريعة وسلسة في طبع أنتاجات أدباء العاصمة بغداد و العاملين في تلك المؤسسة من الأدباء ، على أية حال ، ليس هنالك مشكلة بمن يختاروا و يرفضوا

أولئك العاملين هناك ، لكن هناك ثمة أشكالية و مساءلة لدي: ما مقومات هذا الخبير الثقافية و الفكرية ، حتى يتسنى له حرية الرفض و القبول لتلك الأعمال الأدبية ؟ لربما هو من ضعفاء الموهبة أو من الأسماء الأدارية الطنانة فقط في هيئة هذه المؤسسة الحكومية ، أي أنه مجرد موظف مهني لا يفقه من أبعاد الثقافة و الأدب شيئا ما يتيح له معرفة حتى أبسط الطرائق الأسلوبية و المذهبية في النصوص المتقدمة للفحص الأختباري ، و هذا بدوره ما تكشفه حقيقة أنه يعتبر الفنتازيا و الغرائبية سمة شاذة و مخلة في بناء القواعد النصية ، على حين غرة أن الفنتازيا أسلوب كتابي يشكل مهمة خاصة في فضاء النص التحليلي ، و يعني هذا بأن هذا الخبير المريض لا يميز حتى ما هو مخل بشكل فعلي بأدوات أجناسية المكتوب النصي ، و تبعا لهذا أعود لأقول مجددا : لماذا كل هذه السرية و الخفاء المتاحة في شخصية ذلك الخبير ؟ هل هو كائن منزل من السماء الأبداعية الخلاقة أم هو شخص نبوي أو من الأولياء المعصومين حتى ؟ لا أدري ما سبب خوف ذلك الرقيب الخبير من شخوص الأدباء ، و لماذا هو مخبوء الى هذا الحد المبالغ فيه في أحضان زوايا غرف دائرة الشؤون الثقافية . لربما هذا الأمر يعود لكونه يشعر بمدى قصوره و ذنبه في رفض ما لا يفهمه من النصوص ، و التي لربما تتفوق على موهبته و زمنه الأبداعي ، لعل هذا الخبير من جهة ما هو ناقم و حاقد على بعض شخوص أولئك الأدباء و النقاد عن أثر موقف شخصي أو مشاجرة أو أمرا ما ، الى هذا الحد رحت أقلب أسباب رفض ذلك الخبير

لنصوص أدباء و أقلام لها باعا كبيرا في الشارع الأدبي و الثقافي العراقي . من جهة أخرى لعل الواقع الثقافي في العراق قد خضع هو الآخر لدوامة التنوع و المفاضلة العرقية في الأجناس البشرية ، بيد أن مؤسسات الثقافة و خبرائها اضحوا يجسدون أدق معاني خصوصيات تلك الأنساب و الألقاب و عبارة هذا ( أبن بغداد ؟ ) و هذا ( أبن الرمادي ؟) وهذا ( أبن البصرة ؟ ) و يوازي هذه التشكيلة في عراقنا المجيد ، بأن هناك فئة أنتقائية من الأدباء الذين كانوا خارج العراق ، أي من فئة أدباء المهجر الملائكة ، و نحن الذين كنا ولا زلنا داخل نيران جدران التنور الحديدي ، فلسنا أدباء أو عراقيين حتى : لا أدري الى اليوم ما هو الشيء الذي أثبت فيه عراقيتي بشرا و أديبا ، لا أعرف ما هي الشروط التي تجعلنا بموازات عائلة ( الزيباري ) أو عائلة ( الهاشمي) أو عائلة ( الطالباني ) أو عائلة ( البارازاني ) أو حتى جرذ صغير تابع لعائلة ( الدوري ) . نعم يا سادتي ؟ نحن اليوم ضحية كوننا بلا أنساب حكومية و لكوننا أيضا نسكن في قاع الجنوب ، أي لا نحن خليجيين ولا نحن أيرانيون ولا نحن أتراك ، فلا أدري ما نحن في الواقع ، لربما نحن ( هنود ؟ ) يعيشون في موانىء البصرة ؟ أما الملاحظة الأخيرة لي و هي الأهم ، فتتعلق بالسؤال عن سبب رفض هذا الخبير أنتاجاتنا الأدبية و النقدية ، التي هي كل ما نملكه من فرحة و سعادة في هذا البلد المظلم ، بالطبع أنا أعرف بأن هناك من يضحك حين يقرأ مقالي هذا ، مفسرا الأمر على أنني ( شحاذ ؟ ) نشر و جائع جدا لطباعة كتبي ،

حيث لا يعلم هذا الوغد من جهة بأني من أجل ورقتي النقدية و الثقافية ، هاجرة لزمن عن أهلي و مدينتي الى السكن في العاصمة بغداد من أجل الصحافة الزاهية هناك في سنة

(1992) حيث رحت مضطرا أعمل في غسل الأطباق في أحدى مطاعم ( الباجة ) في شارع عمر الشيخ ، هذه هي حقيقة دموع جذورنا الثقافية و التي أنطلقت في ظل زمن الجوع و الحرمان و الخوف الأسطوري من زلل الكتابة النقدية في صحيفة القادسية ، أيام رئيس التحرير ( هاني وهيب ) و الشاعر الصديق ( محمد راضي جعفر ) . حسنا أنا أتحدث هنا و بكل فخر عن مسيرتي الثقافية و معاناتها و أشواكها في ظل تلك الأيام العصيبة ، أما اليوم فما هي دوافع و حجب و زنازن و معتقلات ذلك الخبير ، الذي لم يراه أحد ، و لا يعرفه أحد : هل هو فعلا رجل ثقافة بحق لذا عليه أن يرى ما لا نراه من وجه الصواب ؟ أم أنه مجرد مهني يتقاضى مرتبه في أول كل شهر ، من أجل أبراز من يريدوه هم فقط من الأدباء في العاصمة بغداد ؟ . من الواضح أن مظلومية أديب الجنوب و باقي المدن الأخرى ، سوف تبقى كواقعة الأمام الحسين في أرض كربلاء ، و كواقعة مفاوضات الحكومات في الضفة الغربية ، و كقضية ثوار الحجارة في فلسطين : ويا ليت لدينا مثل تلك الحجارة الصلبة لنرجم بها أمراض ذلك الخبير الخبيث ؟ .