23 ديسمبر، 2024 6:36 ص

أمجد توفيق.. الصراع بين السياسي والمثقف ينتهي بخسارة الأخير في نهاية المطاف!!

أمجد توفيق.. الصراع بين السياسي والمثقف ينتهي بخسارة الأخير في نهاية المطاف!!

بقيت العلاقة بين السياسي والمثقف تعاني ، في كل الأزمنة والعصور ، من حالات تشكك وإصطراع وإضطراب ، ولم يتوقف هذا الإستهداف ، منذ أن بزغ فجر إنبثاق عصور الثقافة والتنوير والثورات الثقافية والابداعية ، وكان الصراع بينهما يحتدم على أكثر من صعيد ، وفي كل الأحوال ، وللأسف الشديد، يكون الحاكم هو المنتصر في نهاية المطاف ، بينما يعاني المثقف من حالات سوء تقدير الحاكم لقدراته أو الإعتراف بدوره، أو نكران ما قدمه المثقف من عطاء إنساني يثري بلده والإنسانية جمعاء!!

وبقي سلاطين الزمان وسياسيوه الذين يتلاعبون بمقدرات البشر ، على مدى عصور التاريخ ، هم السيوف المسلطة ، الذين ليس بمقدور المثقف ونخب الثقافة والإبداع أن يتخلصوا من هيمنتهم وحالات التضييق عليهم ، وربما فقد الآخرون حياتهم بسبب علاقتهم المضطربة مع سلاطين الزمان، وتعرض كثيرون منهم ، وبخاصة الفلاسفة والكتاب للإعدام والحرق والاضطهاد والمعتقلات ، وفي التاريخ الانساني القريب والبعيد هناك سجل حافل بممارساتهم غير الانسانية، تجاه هؤلاء ، لكن بعض المثقفين والنخب الثقافية وبسبب ضنك حياة أغلب هؤلاء ، يرون أنهم إن اعتكفوا ، وقبلوا العزلة ، فستعاني وعوائلها الحرمان، وبالتالي ليس بمقدورهم مواجهة متطلبات الحياة وأعبائها ومستلزماتها المادية ، حتى في أبسط أشكالها!!

أجل.. لقد حاول أباطرة وملوك الزمان وسياسيو الزمن الأغبر في العراق وغيره من بلدان المنطقة وربما العالم بأسره، التقرب من المبدعين الكبار في الثقافة والادب والفلسفة والفن ومختلف علوم الحياة، في محاولة لإستلاب دورهم مرة ، وفي أخرى لإستغلال قدراتهم وامكاناتهم في أبواق الدعاية لصالح هذا الحاكم او هذا السياسي أو ذاك، وقد أرتضى (البعض) ان يقبل بتلك المهمة ، كما أسلفنا ، تحت ضغط العوز المادي وجدب الحياة ، ولم تتوقف حالات التشكيك والإصطراع والاضطراب وحتى (المساومات) التي حاول سياسيون كثر إستخدامها مع بعض المثقفين الكبار حتى عصرنا الحاضر ، في محاولة لإستمالتهم الى جانبهم ولجعلهم أدوات تعمل وفق مشيئتهم!!

لكن الأديب والروائي والاعلامي القدير الأستاذ أمجد توفيق وضع لنا مؤشرات تحليلية معمقة، لكيفية الخلاص من تلك الإشكالية، في العلاقة بين السياسي والمثقف ، عندما أشر شكل العلاقة بينهما ، وحالة الإضطراب التي بقيت سائدة على مدى عصور!!

ولو تأملنا ما رسمه الأديب والكاتب والصحفي والمثقف الكبير الاستاذ أمجد توفيق من علاقة متشككة بين المثقف والسياسي ، لوجدنا انه أشار الى أن هناك جدرانا من العزلة والافتراق بين المفهومين (المثقف والسياسي) تكاد خيوط العلاقة تفترق على أكثر من صعيد!!

لكن اللقاء الوحيد بينهما ربما من وجهة نظره ، هو عندما يتخلى المثقف عن مهمته تحت ضغط العوز المادي والمعيشي ليبقى يهرول وراء السياسي او يقترب منه او يلمع صورته ، لكي يحصل على مبتغاه ، في أن يكون له مايريد من جوانب الرزق لسد بعض رمق عائلته التي أضناها الدهر!!

ويعود الأستاذ أمجد توفيق ليتساءل عن أوجه العلاقة بين المثقف والسياسي فيقول : من المسؤول ، أهو المثقف الذي تنكر لدوره ، أم السياسيون الذين أجمعوا على استلاب دوره ، وتحويله إلى بوق مدفوع الأجر ؟

ويرى الأستاذ أمجد توفيق “إن الثقافة للسياسي قوة ، والسياسة للمثقف ضعف “. ذلك أن السياسي من وجهة نظره رجل ذو برنامج ، ويطمح لهدف محدد ، وأفعاله ونشاطاته ينبغي أن تنتظم على وفق منهاج البرنامج الذي اختاره “.!!

وهنا يعود ليصور لنا شكل العلاقة بين المثقف والسياسي كالاتي : بينهما صراع ينتهي دائما إلى خسارة المثقف وانتصار السياسي .. لكنه أوضح لنا طبيعة المهمة الملقاة على عاتق المثقف ودوره الحضاري والانساني ليقول “المثقف معني بالحياة ، باحث عن المعنى ، مغرق بالإهتمام بالجمال ، لا يعنيه التطابق قدر عنايته بالإختلاف ، وهذا هو بالضبط ما يحقق التطور ، لذلك لا يمكن للمثقف أن يضبط ساعته على تحديدات السياسي وبرنامجه ، ومتى ما وافق على ذلك ، فإنه يتخلى في اللحظة ذاتها عن صفته ودوره !!

وعن المفارقات بين السياسي والمثقف وكيف يحاول الأول استغلال الآخر يشير الأستاذ أمجد توفيق الى أنه يطلب من المثقف أن يكون بوقا لهذا السياسي أو ذاك ، ويطلب منه منح هالات التضحية والشجاعة والنبوغ لسياسيين لا يجيدون سوى حساب أرباحهم أو خسائرهم ، ويطلب منه أن يكون مدافعا عن طائفة صنع القدر إنتماءه لها ، والحقيقة هي استغلال الطائفة لمصلحة سياسيين يستغفلون جمهورهم !!

وفي كثير من الحالات ، كما يقول الأستاذ أمجد توفيق ، يخضع المثقف للابتزاز ، بل يحاول أن يشرعنه بحثا عن إنسجام مفقود أو تخدير لضمير . وفي حالات أخر تكون السلبية والابتعاد عن الهم العام هي ما يميز موقفه ، أما المثقف المعارض فما أسهل النيل منه ، وتلك لعبة يتسلى بها السياسيون !!

والحل من وجهة نظره كالآتي: البحث عن خلاص لا يأتي إلا عبر الصدق الذي يسبقه الاحساس ..ويضيف ..أعلم جيدا أنني أدعو المبدع والمثقف إلى مكابدة الألم فالصدق والاحساس أصبحا للأسف الشديد مرادفين للحزن والمعاناة !!

وهنا يعود الكاتب والروائي أمجد توفيق مجددا ليعبر عن مرارة الألم في داخل المثقف وكل صاحب شأن كبير فيقول “ما من عظيم ، أو نبي ، أو مصلح ، أو صاحب نظرية ، او مبدع كبير ، إلا وكان الألم رفيق دربه .. فالإبداع لا يبنى على السهولة والتطابق ، وللتغييرات الحقيقية ثمن يدفعه المضحون من أجله!!

ولو أجرينا مسحا للاعمال الثقافية والأدبية التي أبدع فيها هذا الرجل ، وهي كثيرة ، لوجدنا أن أغلبها قد يظهر من خلال مطبوع أو نافذة ثقافية في موقع ثقافي او على صفحته بالفيس بوك، حتى لتجد نفسك أمام بحور من الإبداع لايتوقف تدفق أنهارها وينابيعها التي تصب فيها أو روافدها التي تنطلق من خلجات النفس الانسانية ، لتشكل معالم هذه الشخصية المتوقدة دوما ، والتي يتوهج عطرها الثقافي والمعرفي والفلسفي ليضع الآخر أمام ينابيع التدفق العقلي والمعرفي، حتى لتظن به الظنون إن تطلعت في حديثه الظاهري ، أو لم تدرس مكنونات ثقافته وطبيعة شخصيته المتكاملة الشاملة المنفتحة التي تتسع لكل مواهب الابداع!!

ومهما حاولت اللحاق بما يرسمه الروائي والمثقف الأستاذ أمجد توفيق من معالم فلسفية تجد أنك تهرول وراء رجل إسطوري حاد الطبع ، لايسلك الطرق السهلة الى المعرفة واكتشاف الذات لمن يريد الاقتراب منه، لكنه لابد وان يترك مع الآخر مسافة ليس بمقدور هذا الآخر الاقتراب منها، اذ يبقى ان هناك الكثر مما لايمكن اكتشافه من مكنونات هذا الرجل المتعدد المواهب الابداعية والمعرفية!!

ومع هذا يبقى من الصعوبة بمكان أن تبحر في خفايا مكنونات هذا الرجل أو تتعمق في أفقه المعرفي والفلسفي، لكنك ان أردت الاقتراب منه، لأشهر وسنوات، فقد يكون بمقدورك ان تضع لمحات تكشف مكنونات الرجل، لنجد نفسك أنك أمام أسطورة ملحمية ، ترفع رأس كل حالم بمجد معرفي أو ثقافي، أو فلسفي، لكنك تبقى كمن ينحت في حجر الصوان ، إن أردت أن تغوص في بحور معرفته وثنايا بحور علمه الواسعة، وهو ما قد حاولنا الاقتراب منه بعض الشيء!!

ومن أعماله الادبية والإبداعية في مجالات القصة والرواية والادب التي يمكن أن نذكرها في هذا المجال : ( قلعة تارا، الجبل الأبيض، الثلج الثلج، برج المطر ، طفولة جبل، الطيور الحرة ، الظلال الطويلة، الخطأ الذهبي ، الساخر العظيم) ..وكانت آخر إبداعاته الروائية التي نالت شهرة تفوق أغلب الروايات في التاريخ العراقي المعاصر، وهي رواية تتحدث عن أحداث العراق وما يمور فيه من أحداث وتقلبات ، وهذه الرواية تعد مفخرة في العمل الروائي الأدبي المعاصر، قلبت أسس العمل الروائي رأسا على عقب، لإسلوب التنظير الراقي والمضامين الفلسفية والأدبية والمعرفية التي تخللت فصول الرواية ، كما صدر عنه كتاب ” نحل القلم عسل الثقافة ” وكتاب “نهر بين قرنين”!!

تقلد الرجل منذ منتصف السبعينات مواقع ثقافية وصحفية كثيرة ، وبخاصة رئاسته لمجلة الطليعة الأدبية التي كانت من أرقى المطبوعات الأدبية والثقافية في السبعينات، وهو عضو الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق وعضو نقابة الصحفيين العراقيين ، وتقلد مواقع حكومية رفيعة في مجالات الادارة والثقافة ، وحظيت رواياته بأنها نالت إهتمام كثير من النقاد والمهتمين بشؤون الثقافة والابداع الانساني ، واثار إعجاب الأوساط الادبية والثقافية بقيمة ماكتب ، وكرمه الاتحاد العام لأدباء العراق وجهات ثقافية متعددة أكثر من مرة ، كما أدار مؤسسات إعلامية وثقافية وفضائيات كثيرة في السنوات الاخيرة ، وبخاصة قناة الرشيد الفضائية التي عدت مابين أعوام 2008 – 2014 في وقتها بأنها (عروسة الفضائيات) و(الجوهرة الثمينة) ، يوم وضع لها أسس بنائها الصحيح من خيرة العاملين في الحقل الصحفي والإعلامي ومن كوادر متمرسة ، ممن كان لها قصب السبق في الشأن الثقافي والصحفي ، حتى أوصلها الى أكثر القنوات الفضائية مشاهدة ، وكانت تحتل المراتب الأولى من حيث الإنتشار وأبدع الرجل في قيادتها، بل أوصل الكثير منها الى معالم القمم!