تزدحم فضائيات الفتنة والتحريض بوجوه غير معروفة وأخرى ملوثة بعقد الطائفية التي صنعت لداعش حاضنة ومعها فضائيات مبتدئة لاتمتلك خبرة التحليل السياسي هي ألآخرى راحت تستجدي ما هب ودب للحديث عن القضايا ألآمنية والسياسية , ونتيجة لذلك أصبحنا نجد من يمتدح ” الهوس ” و ” الجهالة ” و” الفوضى ” على أنها شجاعة , وقدرة عسكرية , وخطط ستراتيجية تقوم بها داعش ضد الجيوش والقوات المحلية , تتناغم مع ذلك بعض تعليقات الفيسبوك التي تكشف عن مزاج لاينتمي لوطن ولا ينتمي لخلق ولا لمنطق , بمقدار ما هو ألآخر يعبر عن هوس يلتقي مع هوس عصابات داعش المفتونة بطيش الشباب , والشباب فيه مسحة من الجنون نتيجة حركة الهرمونات غير المسيطر عليها بحكمة العقل المفتقد لضعف العوامل التربوية , فجنون الشباب المفتون بقوة العضلات وهي قوة موقتة أن لم تأخذه المودة وألآعيبها الضالة , فستأخذه الغواية الى حيث ألآنحراف , وألآنحراف هنا أنواع وأخطرها ألآنحراف الفكري الذي يصنع الكوارث المجتمعية , ومن أمثلة الفكرية تاريخيا ضلالة اليهود التي أوقعتهم في تيه أنعكس عليهم تشردا وحقدا على البشرية وأنظمتها , ثم كانت الصهيونية الحديثة وريثة ذلك التيه وحاملة تلك العقد , لذلك عملت مع المحور التوراتي ألآوربي ألآمريكي من خلال الكنيسة المتطرفة فأصبحت متصهينة , ومن هذا اللقاء فتشوا في التاريخ ألآسلامي فوجدوا ” الوهابية ” وسيلة لصناعة موجة العنف وألآرهاب في المنطقة , فكانت محاصرة الرياض وقتل أميرها ومحاصرة مكة وقتل مفتيها , ثم قتل زعماء القبائل ومنهم أل رشيد , ثم الهجوم على ضريحي ألآمام علي بن أبي طالب والحسين بن علي في كل من النجف وكربلاء عام 1246 هجرية ؟
وأذا حللنا تلك ألآعمال المبكرة للوهابية من الناحية العسكرية وألآخلاقية , لم نجد فيها عملا عسكريا يستحق ألآشادة ولم نجد عملا أخلاقيا يستحق الذكر , ولذلك لايمكن لعاقل منصف أن يمتدح عملا من ذلك المستوى , واليوم عندما تقوم عصابات داعش بما تقوم به من أعمال , كالمفخخات , والعبوات , وألآنتحاريين بألآحزمة الناسفة , لايمكن لمن يعرف العمل العسكري القتالي وخططه أن يعطي هذه ألآعمال درجة الشجاعة لعدم توفر عنصر المواجهة مع الخصم بالمثل , أن المفهوم العسكري لايعطي للغدر صفة الشجاعة , وعلم التسليح لايعطي للفوضى والجهالة صفة ألآحتراف بأستعمال السلاح , وعلم الستراتيجيا لايعطي للآعمال ألآنتحارية صفة المواقف ألآستراتيجية , وهذه كلها مما تقوم به داعش , كما أن التفنن بحرق ألآحياء لايعتبر فنا من فنون الحرب , ولا طريقة من طرق المنازلة , أن أعتماد الترويع وأتباع سبل التخويف بعيدا عن القيم ألآخلاقية هو عمل أجرامي لايجعل من صاحبه متفوقا , أن ألآنتحار ليس عملا شجاعا , وأعمال داعش هي أنتحارات بالجملة كما جرى في كوباني مثلا , وفي مصفاة بيجي , وفي الكرمة والفلوجة , فتقديم المئات وألآلاف ليموتوا في مكان واحد بدون هدف مهم وأساسي هو عمل أنتحاري لايبالي بنفوس أتباعه , ومن لايحترم نفوس أتباعه فهو لايحترم نفوس ألآخرين , في المقابل : أن مايجري في الميدان مثلما يقابله جهل وحماقة وفوضى وعبث عصابات داعش , يقابله من طرف ألآنظمة المحلية ضعف وتفكك , وعدم خبرة , فالذين أدخلوا في الجيش العراقي بعد 2003 لم يكونوا معبئين ومهيئين مهنيا وأنما هم طلاب أجور ورواتب , وألآمريكيون لعبوا لعبتهم القذرة في تدمير الجيش والدولة العراقية وفي أعادة ما يسمى بالعديد الجديد للجيش تحت أمرة ضباط فاسدين فاشلين هم من بقايا مرحلة صدام التي أماتت المؤسسة العسكرية وأماتت كل شيئ في العراق حتى المؤسسة الصحية والتربوية والمؤسسات الخدمية والثقافية كلها هي ضحايا مرحلتين مرحلة صدام ومرحلة ما بعد 2003 , فالقيادات الفاسدة في الموصل هي التي منحت داعش نجاحا غير حقيقي , والفاسدون من الضباط والمسؤولين في الرمادي هم الذين منحوا عصابات داعش فرصة للدخول لوسط الرمادي , وعمل من هذا النوع لايعطي لداعش في التقييم العارف ببواطن ألآمور لايعطي لداعش نصرا ستراتيجيا وتفوقا عسكريا , والذين يظهرون على فضائيات الفتنة والتحريض كمحللين هم من حواضن داعش الفكرية , وحتى الذين يظهرون على الفضائيات ألآخرى ممن لاتحسن أختيار المحللين والمفكرين كل هذا الصنف من الفضائيات يشكل تشويها للحقائق ويقدم تفسيرا خاطئا للمشاهدين , والحكومة العراقية مثلما تعاني من فساد وعدم أخلاص بعض الضباط , كذلك تعاني من أعلام ضعيف لايزال لايحسن أستضافة من هم أهلا للآستضافة من الذين يمتلكون فكرا أستراتيجيا في مختلف الميادين تشهد لهم محاضراتهم ومؤلفاتهم , في حين أن الذين يستضافون ليسوا من أهل المؤلفات وليسوا من أهل المحاضرات ذات الحضور الشعبي , لهذه ألآسباب نسمع ونشاهد أمتداح الهوس والجهالة لداعش وهذه مشكلة ثقافية , وأشكالية أمنية يتخبط فيها الجميع , ومتى ما تخلصنا من أشكالية المعرفة وألآمن , يمكننا أن نسترجع توازن المعادلة لصالح الحشد الشعبي والجيش والدولة.