يجب أن لا نضحك على أنفسنا , ولا على الأجيال اللاحقة بعد اليوم .. رسالة القوى العظمى لنا نحن أمة العرب ليس منذ عام 1916 , بل منذ القرن الثالث عشر , كانت وماتزال وستبقى كما هي … نَحتل , نُدمّر , نَنّهبْ , نحرضكم على بعضكم البعض , لتقتلوا أنفسكم وتخربوا أوطانكم بأيديكم , ثم نجعلكم تستنجدون بنا نحن أعدائكم التاريخيين , ثم نهب لننصر طرف على حساب طرف آخر , ونوفر الحماية لطرف على حساب الطرف الآخر , نبتزكم ونهددكم ونرعبكم كيف ومتى ما نشاء .. ومن ثم نأتي بشركاتنا ومعداتنا لنبني ونعمّر ما خرّبناه بأموالكم … كلما اقتضى الأمر وكلما مررنا بكساد أو أزمة اقتصادية نعيد الكرّة .. تهديد , احتلال , تدمير .. تعمير .. وهكذا …
نعم هكذا بات وليس يبدو المشهد … لقد خرج العرب من دون جميع الأمم والشعوب من المولد بدون حمص , كما يقول المثل , وهذا هو لب القضية , وهذه هي زبدة وحصيلة قرن كامل مرعلى أمة العرب مرور الكرام , وهي تراوح في مكانها وفي حالة دفاع عن الوجود , منذ سقوط الدولة العثمانية , وانطلاق شرارة الثورة العربية الكبرى عام 1334 هـ – 1916 م , في مكة المكرمة التي قادها المرحوم الشريف حسين , بعد ما يقرب من ستة قرون من الاحتلال والهيمنة العثمانية , التي ظل العرب يرزحون تحت نير التخلف والفقر والقهر خلالها , وعندما بدأ الضعف ودب المرض في أوصال الرجل المريض ( الدولة العثمانية ) آنذاك , ظن العرب واهمون بأن الفرج بات قريباً , وبأوامر وتآمر بريطاني – فرنسي – اقيصري روسي , انطلقت شرارة الثورة العربية الكبرى , ضحك البريطانيون على عقول قادة وزعماء الأمة , بأنهم سيتخلصوا من الهيمنة والحكم العثماني , ويأخذوا زمام المبادرة بأيديهم كأمة عربية لها مكانتها بين الأمم كما كانت قبل تحطيم المغول التتر لها 11268 م , لكنها سرعان ما خرجت من الفخ العثماني لتقع في الفخ البريطاني الفرنسي الروسي الماسوني , كأمة عربية واحدة ذات هيمنة بريطانية – فرنسية , تطورت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 , لتقع تحت الوصاية والانتداب الأمريكي من المجيط إلى الخليج كمستعمرة أمريكية بحته .لا ننسى بأن الضحك على عقول العرب قد بدأ منذ أن زرعت بريطانيا العظمى ثعلبها الماكر ” لورنس العرب , وظلوا منذ ذلك الحين ومازالوا يزرعون قادة وزعماء ومراجع دين وطوائف معروفين يدورون في فلكهم ويأتمرون بأوامرهم , مهدوا لهم الطريق وسهلوا لهم المهمة , وها هم يحصدون ويجنون ثمار زرعهم ومكرهم وخداعهم لهذه الأمة المشتتة والمخذولة والمخدوعة والمتآمر عليها منذ قرون , وحتى تهافت وسقوط وتساقط الدول العربية الواحدة تلو الأخرى في فخ القرن الأمريكي الجديد , عندما نصبوا أنفسهم حماة ومدافعين عن حياض الأمة وتحديداً عن منطقة الخليج العربي النفطية , وصولاً لفرض الهيمنة والسيطرة الكاملة رسمياً , بعد احتلال عواصم الخلافة العربية والإسلامية كـ , بغداد عام 2003 التي لن ولم يخرجوا منها الأمريكان وإسرائيل إلا بمعجزة إلهية , بعد أن بنوا لهم أكبر قاعدة متمثلة بأكبر سفارة في العالم في قلب عاصمة الرشيد , وروسيا التي تحتل عاصمة الخلافة الأموية دمشق بشكل رسمي منذ عام 2011 , والتي لن ولم يخرجوا منها أبداً , وصولاً لاحتلال عاصمة عمر المختار طرابلس في نفس العام , وتغير نظام الحكم في مصر بشكل يوحي لإحداث ثورة وتغيير حقيقي ؟, تم من خلاله استدراج الأخوان المسلمين للحكم , ليتم القضاء عليهم بشكل ديمقراطي !, بعد أن وقعوا في الفخ الأمريكي الإسرائيلي , وتعيين حاكم أو شاويش لحكم مصر أسمه عبد الفتاح السيسي , ومثله ثمانيني خرف في تونس أسمه ” السبسي ” !, وكسيح على كرسي متحرك في الجزائر … وهلم جره.. وهذا كله من بركات الربيع العربي المزعوم الذي تفاءل به العرب المساكين, الربيع الذي قاده وتزعمه لورنس العرب الثاني بداية الثورات العربية الكبرى في القرن الحديث .. ألا وهو الصهيوني ” برنارد هنري ليفي ” صاحب المقولة أو النكته الشهيرة وهو يصف نغول الناتو من الليبين حيث يقول : (( عندما كنت أقود فصائل ثوار ليبيا في بنغازي على الأرض , وحلف الناتو يحمينا من الجو .. كانوا هؤلاء الرعاع يهتفون الموت لليهود ؟, في حين كنت أنا اليهودي الوحيد بينهم الذي يقودهم لقتل بعضهم البعض وتخريب وتدمير بلدهم بأسلحتنا )) .. !؟.واهم وساذج من يعتقد بأن الأمر متعلق فقط بالعراق وسوريا وليبيا واليمن , بل في الحقيقة والواقع العربي المزري بات يتعلق بالدرجة الأولى بقبلة المسلمين ” مكة “, وعن بوادر تقسيم الملكة العربية السعودية نفسها , التي للأسف باتت تلوح في الأفق , بعد أن أطلقوا يد إيران وملاليها وأذرعها وأدواتها يصولون ويجولون ويهددون كما تمليه عليهم الأجندة والسياسة الأمريكية والروسية والغرب بشكل عام , فهاهم قد بدأوا يصرحون بصوت عالي , بعدم بقاء قبلة المسلمين ” مكة المكرمة ” تحت إدارة حكومة المملكة العربية السعودية إلى ما لا نهاية ؟!, بل ستكون دولة مستقلة قائمة بحد ذاتها , كما هي دولة الفاتيكان قبلة أو معقل الديانة البابوية المسيحية !, ناهيك عن إقامة دولة مسيحة للأقباط في مصر , وللمسيحيين في سهل نينوى في العراق … إلخ من الخطط التي ستجعل من كل قومية وطائفة في أي دولة عربية .. دولة قائمة بحد ذاتها .. أي أن أمة العرب ستتحول من عدد 22 بين جمهورية ومملكة ودولة ودويلة ومشيخة وإمارة .. إلى أمة كانتونات لا تعد ولا تحصى , تشرف وتهيمن عليها بشكل مطلق .. أي على هذه الكانتونات .. ثلاث دول إقليمية قوية .. هي , تركيا , وإيران , وإسرائيل , بالطبع تحت مظلة ورعاية قوى عظمى بعينها .. على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية , بريطانيا , والإتحاد الأوربي , وروسيا , ولا ننسى قيام عدة دول أو كيانات كردية في آن واحد منها 2 في العراق , 3 في إيران , 2 في سوريا , وعدة كيانات كردية في تركيا حيث يتوزع الأكراد على 21 محافظة من أصل 90 محافظة تركية , ناهيك عن تواجد الأكراد أيضاً في عدة دول أخرى على سبيل المثال .. ” روسيا الاتحادية , طاجكستان , جورجيا , باكستان , أفغانستان , و لبنان ” , تمهيدا لقيام دولة كردستان الكبرى الموعودة !؟, بعد كل هذا المخاض العسير الممتد منذ قيام جمهورية مهاباد شمال غرب إيران 1946 !؟, كل هذا يجري ويتم التحضير والاستعداد له ويعد ويطبخ على نار هادئة منذ أمد بعيد والعرب نيام أو يرقدون في غرفة الانعاش , فبعد ما يسمى تنظيم القاعدة الإرهابي , ابتدعوا للعالم فرية وإكذوبة دولة الخرافة الإسلامية , التي انطلت على السواد الأعظم من العرب والمسلمين للأسف ’ بعد أن أدخلوا داعش في جميع هذه الدول المستهدفة والمشمولة بالتقسيم , وتغير الخارطة الجغرافية والديموغرافية فيها , بحيث لا تبقى أي دولة عربية على ما كانت عليه منذ تقسيم وتجزئة ورسم خارطة منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عام 1916 . والمسألة مسألة وقت ليس إلا …
قرن كامل مر كلمح البصر , لم تستفد منه ما تسمى بأمة العرب المترامية الأطراف من الخليج الخادر إلى المحيط الخائر , بالرغم من توفر كل الامكانيات والثروات والطاقات الهائلة , والتي تمنح وتتيح لأي أمة من الأمم كل مقومات القوة والمنعة والاحترام والهيبة بين دول العالم , وعلى رأس هذه المقومات التربع على الثروات الطبيعية الهائلة كالنفط والغاز والمعادن والمياه والثروة الزراعية والحيوانية والطاقة البشرية .. بل وحتى الطاقة الشمسية !, للأسف جميع هذه الطاقات والثروات والأرواح البشرية هدرت وبددت في حروب عبثية داخلية , وعلى نزوات وشهوات وملذات قادة وزعماء العرب وعلى عشيقاتهم وعوائلهم وأولادهم وحاشيتهم , بالإضافة لأسيادهم الذين يوفرون لهم الحماية والسطوة والتسلط على رقاب شعوبهم , ولا نستثني منهم أحد , ربما دولتان أو ثلاثة دول إسلامية وليس عربية استفادة وتمكنت من امتلاك ناصية العلم .. وهي ” ماليزيا وإندونيسيا كونهما بعيدتان عن منطقة الشرق الأوسخ !, وبالطبع تركيا منذ عام 2003 بعد وصول حزب العدالة والرفاه لسدة الحكم , بالرغم مما تتعرض له من موجات من المؤامرات والمحاولات إنقلابية , لكن بالمقابل هنالك دولتان اقليميتان عدوتان للعرب وللمسلمين استفادة فائدة عظيمة من حالة التشرذم والتناحر والتآمر العربي – العربي والخلافات والحروب الطائفية التي تعصف بالمنطقة منذ عام 2003 , وبسبب ما حلَّ بأغلب هذه الدول من حالة الفوضى والحروب الأهلية والاقتتال الطائفي الحاصل منذ بداية القرن الحالي وحتى هذه الساعة التي يقتل ويشرد فيها أبناء سوريا وأبناء اليمن وليبيا والعراق , وهاتان الدولتان أو بالأحرى هذان الكيانان استفادا من هذه الفوضى الخلاقة التي قادتها وغذتها أمريكا … ألا وهما , الكيان الصهيوني , والكيان الإيراني الفارسي , أو كما أجاد الوصف المفكر العراقي الأستاذ صلاح المختار( إسرائيل الشرقية وإسرائيل الغربية ) . لقد ذهب وولى القرن العشرين غير مأسوف عليه بلا رجعة , كان بامتياز قرن الخوف والرعب والصدمة والنكبات والحروب والنهب والسلب لخيرات ومقدرات أمة العرب واقتطاع أجزاء كبيرة من الوطن العربي , كــ الأحواز وفلسطين ولواء الأسكندرونة والجزر العربية الثلاث ومنذ بداية القرن الحالي العراق وسوريا وليبيا واليمن , ذلك القرن الذي كانت السياسة السائدة والتجارة الرائجة فيه هي سياسة وتجارة ( فرّق تسد ) , وجاء القرن الجديد الأسوء بكل المقاييس , الذي بات شعاره فرض سياسة الأمر الواقع … تحت شعار ” نفذ ثم ناقش “, وإلا سيكتسحك تسونامي الحرية والديمقراطية الغربية , وتدمرك الحرب على الإرهاب (( الإسلام )) !!!, وإذا لم تتورط في الأرهاب أو في عمليات إرهابية هنا وهناك , فإن أمريكا وحلفائها وعملائها سيصنعون لك وعلى مقاسك إرهاب يناسب بلدك وشعبك وحكومتك, وعند ذلك سنهب باساطيلنا وجيوشنا وطائراتنا وأسلحتنا الفتاكة لنختبرها ونجربها على رؤوسكم الخاوية , ونبدأ على الفور باصدار قرار أممي أو بدونه لاحتلال بلدانكم , وندمر ونقصف جميع بناكم التحتية والفوقية ونهدها فوق رؤوسكم وندمرها ونمحوها , ونستولي على مقدراتكم وثرواتكم وندمر تاريخكم وحضارتكم التي تتباهون وتفتخرون بها , أيها العرب السذج والأغبياء , ومن ثم تأتي شركاتنا العملاقة لتعيد بناء ما دمرناه بأموالكم الموجودة أو المودعة أو المستثمرة في دولنا وفي بنوكنا … وكل قرن يا أبناء الأمة العربية … وأنتم شحاذين ولاجئين ومشردين ومشتتين في جميع أصقاع الأرض ..
خارج النص : هذه ليست نظرة تشاؤمية , أو من أجل أن نستسلم ونرفع الراية البيضاء , أو نزرع روح اليأس والاحباط , بل هي نظرة وقراءة لواقعنا العربي المزري , تمثل فقط رأي الكاتب ومن هم على شاكلته !, ومن لديه جواب أو حلول أو نقد فليتحفنا به , سنتلقاه بكل أريحية ورحابة صدر .. هكذا هو الواقع كما نراه , لكن تبقى التمنيات والامنيات شيء آخر , للأسف يوم بعد يوم أصبح بعيد المنال … إن لم ننهض ونكسر حاجز الخوف والذل والخنوع ونعبر الطائفية والاثنية والتعصب الديني الأعمى قبل فوات الأوان , فنحن بدون مبالغة بتنا نعيش في الربع الأخير من الساعة الأخيرة في تاريخ أمتنا العربية التي كنا ومازلنا وسنبقى … نتمنى ونرجوا أن تكون وتبقى دائماً مجيدة عزيزة وعصية على الأعداء ….