18 ديسمبر، 2024 8:20 م

أما آن ألأوان لحل قضية كوردستان؟

أما آن ألأوان لحل قضية كوردستان؟

منذ أن ادغمت كوردستان باجزائها الاربعة في دول لا ناقة لشعوبها فيها ولا جمل، وكل انظمة حكمها ترعب الكورد وترهبهم من تبعات استقلال الجزء الذي تسيطر عليه تلك الدولة، وان كوارث عظيمة ستنال شعب كوردستان، بل وقد ذهب البعض الى تأييدنا من منطلق حق تقرير المصير، لكنه وفي اول محاولة جدية للاستفتاء على الاستقلال انبرى هؤلاء المؤيدون لحق تقرير المصير وجلهم من اليساريين والتقدميين والديمقراطيين، انبروا الى اعلان خشيتهم علينا من الغول التركي والايراني، وإننا سنكون دويلة محاصرة ستنهار حالها حال شقيقتها في كوردستان الشرقية، التي اغتالها التوافق السوفييتي الإيراني بصفقة غير طاهرة، بالضبط كما كان يرهبنا صدام حسين وحزبه والقذافي ولجانه الشعبية وبعث سوريا وأسده، من إن أي محاولة لإزالتهم من الحكم ستقوم القيامة، بل هدد صدام حسين بأنه سيحيل العراق إلى حفنة تراب إذا اخذوا الحكم منه، بهذه الثقافة والعقلية تعاملت معظم الأنظمة العنصرية والمحتلة لكوردستان في أجزائها الأربعة، مع طموحات شعب يتجاوز تعداده الأربعين مليون نسمة، يرفض الاستكانة ومحاولة إلغائه، ويصر على أن يمارس إنسانيته وحريته وخياراته الاجتماعية والثقافية والسياسية وبشكل حضاري، دونما الذهاب إلى خيارات أخرى لولا انه اضطر إزاء عمليات الإبادة، الدفاع عن نفسه، كما حصل في معظم الثورات والانتفاضات عبر تاريخه.

    لقد اختار الكورد في ولاية الموصل، التي كانت تضم معظم كوردستان العراق، الانضمام إلى المملكة العراقية، ورفضوا اعتبارهم ولاية تركية مقابل الاعتراف بحق تقرير المصير وتحقيق طموحاتهم السياسية والثقافية، واحتراما للعائلة الهاشمية التي كانت تتمتع بمقبولية كبيرة لدى الأهالي، الذين يدينون في غالبيتهم بالإسلام، ورغم ذلك وبعد سنوات ليست طويلة ظهرت بوادر الغدر والتحايل والتخلي عن تلك الوعود، بل وذهبت حكومات بغداد المتعاقبة، ومن مختلف التوجهات والعقائد، إلى كبح جماح طلائع الكورد واعتقالهم وإعدامهم وشن حرب شعواء على كوردستان، منذ ثلاثينيات القرن الماضي، وحتى غزوة ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية داعش، التي اعتبرت الكورد مرتدين وجب إبادتهم كما فعل صدام حسين وعلي كيمياوي في حلبجة والانفال وأقرانهم في سوريا.

    لقد تعرض شعب كوردستان العراق إلى أقسى أنواع الاضطهاد والإقصاء بل والإبادة الجماعية، كما حصل في منتصف سبعينيات القرن الماضي، وفي الأنفال في أواخر ثمانينيات القرن العشرين، حيث تم قتل ما يزيد على ربع مليون مواطن كوردستاني، وتدمير خمسة آلاف قرية من أجمل قرى الشرق بما فيها من نبات وحيوان وبشر، ولا تكاد توجد قرية أو بلدة أو مدينة في كوردستان، إلا وتختزن في ذاكرتها تلك المآسي التي اقترفتها كل الأنظمة المتعاقبة دونما استثناء، حتى وصل الأمر بأنهم لم يكتفو بإبادة السكان بل عملوا على إبادتهم في هويتهم وانتمائهم، فأصدروا جملة من القوانين العنصرية التي تمنع تملك الكوردي أي عقار أو سيارة في نينوى وكركوك وديالى وصلاح الدين، إلا أن يغير قوميته ويجد له أصلا غير أصله، كما في قانون تصحيح القومية سيئ الصيت، ناهيك عن عمليات التعريب البشعة والتهجير والترحيل القسري للسكان واستقدام مجموعات قومية عربية من خارج المنطقة وإسكانها بدلا منهم كما حصل في كركوك وديالى والموصل.

    لقد تجاوزت تلك الحكومات في تعاملها مع الكوردستانيين حتى إسرائيل وجنوب افريقيا في تعاملهما مع السكان الأصليين سواء الفلسطينيين أو الأفارقة، حيث استنسخت وببشاعة ثقافة الاستيطان وعملت على تطويق كوردستان بحزام ناري من العنصريين والفاشيين، الذين تم إسكانهم على أطلال قرى وبلدات الكوردستانيين، كما حصل في كركوك وإطرافها وسنجار وأطرافها وخانقين وأطرافها، وبعد سنوات الضيم والطغيان،  تباشر شعب كوردستان بإسقاط تلك النماذج المقيتة، التي مثلها البعث والعنصريين الآخرين في نيسان 2003م، لكن الأحداث التي مرت خلال السنوات السبعة عشر، بعد إسقاط نظام صدام حسين، أثبتت إن التعايش أو الشراكة الحقيقة لا يمكن تحقيقها، خاصة وان ما حدث خلال تلك الفترة كرس ذات الثقافة التي تعاطت مع شعب كوردستان، حيث تم إقصائه وتهميشه بأساليب خبيثة، ربما أكثر إيلاما مما حدث سابقا، فقد تم محاصرة الإقليم وإشاعة الكراهية والحقد ضده وضد قياداته ورموزه، والعمل على شق صفوفه والعودة إلى سياسة تصنيع ما كان يسمى بـ ( الجتة ) أو ( الجحوش ) ، كما يسمونهم في كوردستان من عملاء أنظمة بغداد، ومحاولة تدميره من خلال قطع حصته من الموازنة السنوية، بما في ذلك مرتبات الموظفين والبيشمركة التي عملوا على إضعافها بل وتدميرها.

   لقد كان الإقليم قاب قوسين أو ادني من أن يكون واحدا من أكثر الأقاليم بل الدول ازدهارا وتقدما في الشرق الأوسط، مما أرعب الحاكين في بغداد، الذين عملوا على إيقاف تلك التجربة التي خفضت نسبة الفقر من 50% عشية إسقاط نظام صدام حسين، إلى اقل من 7% في 2013م حسب إحصائيات وزارة التخطيط العراقية، وكذا الحال في الصحة والتعليم والتعليم العالي وخدمات المواطنين وفي مقدمتها الكهرباء، التي غطت كل ساعات اليوم قبل 2014م، ولا نريد الخوض في تفاصيل المآسي التي سببتها حكومات العهد الديمقراطي، منذ أول حكومة بعد نيسان 2003 وحتى الأخيرة، فلم تتغير خارطة الطريق التي استخدمتها كل حكومات بغداد منذ قيام المملكة العراقية وحتى يومنا هذا، وما تحقق في كوردستان إنما أنجزه شعب كوردستان وفعالياته السياسية والاجتماعية، وما صموده أمام الحصار والتآمر والحرب القذرة التي شنها العنصريون والفاشيون القوميون والدينيون على كوردستان، باسم ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية، منذ أكثر من ست سنوات إلا استكمالا للأنفال والحرب الكيماوية والحصار الذي استخدمه المالكي وتبعه العبادي في ذات النهج، هذا الصمود والصبر الذي أكد إيمانه بالاستقلال، والخلاص من هذا الإلحاق القسري بنظام ودولة لا تمت بأي صلة إلى كوردستان تاريخيا وجغرافيا وقوميا وثقافيا وحضاريا، ولأجل ذلك وبعد فشل كل محاولات الإقليم وقيادته من ترتيب الأوضاع مع بغداد، وحرصه على إقامة دولة مواطنة مدنية ومشاركة حقيقية، وبعد فشل كل محاولات الاقليم لحل الاشكاليات مع بغداد، وتحذير قيادة الاقليم بانها ستلجأ الى الشارع الوطني في كوردستان، ذهبت القيادة إلى تنفيذ إرادة شعبها في الاستفتاء بأسلوب مدني حضاري يوم 25 ايلول 2017م، معتمدة على الاعراف والعهود والقوانين الدولية، وأجرت  حوارات مع بغداد لانجاز تحقيق مطالب شعب كوردستان، معلنة بانها لن تعلن قيام الدولة الا بعد التفاوض والاتفاق مع بغداد التي اعتبرتها عمقا استراتيجيا لكوردستان، الا إن ما حدث من ردود أفعال بعداجراء الاستفتاء وبأقل من شهر وبتخطيط وتوافق مع ايران وتركيا ومع زمرة تاجرت بمصالح كوردستان العليا وسلمت مقدراتها بايدي هؤلاء، أكدت إن التوجه العدواني والعقلية الاقصائية للحاكمين في بغداد لم تتغير، فقد شنوا هجوماعسكريا واسعا على كوردستان وخطوطها الدفاعية الاولى في كركوك وسنجار وخانقين، وبغض نظر فاضح من القوى العظمى، وباستخدام احدث الاسلحة الامريكية من دروع ودبابات اجتاح الجيش وميليشيات الحشد الشعبي معظم المناطق الكوردستانية خارج ادارة الاقليم والمسماة ( المتنازع عليها) في أخطر خرق للدستور الذي يحرم استخدام المؤسسة العسكرية في النزاعات السياسية بين الاقليم والحكومة الاتحادية، وهددوا كيان الاقليم السياسي والدستوري بمحاولتهم التقدم الى اربيل ودهوك، وفرضوا حصارا عدوانيا قاسيا على الاقليم وشعبه بغلقهم الحدود والمطارات وقطع معاشات الموظفين وحصة الاقليم من الادوية والوقود، بل والامتناع عن دفع مستحقات فلاحي كوردستان الذين سلموا كل منتوجهم من الحبوب منذ 2014، ناهيك عن قطعهم لحصة الاقليم من الموازمة السنوية لخمس سنوات متتالية والبالغة اكثر من اربعين مليار دولار، وما ترتب عنعمليات الاجتياح لتلك المناطق من تهجير اكثر من مائة الف مواطن في كركوك وقتل مئات المواطنين الكورد وحرق ممتلكاتهم ومحلاتهم والسيطرة على بيوتهم، حيث أعادوا سياسة التغيير الديموغرافي في كركوك وسهل نينوى وسنجار وخانقين، ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم تشن ميليشياتهم الولائية هجمة دعائية على كوردستان من خلال مجموعة قنواتها المعروفة باتحاد القنوات الاسلامية، والتيتمخضت مؤخرا عن قصف محيط عاصمة الاقليم اربيل بالصواريخ من سهل نينوى الذي تهيمن عليه احدى تلك الميليشيات، ومن ثم الهجوم على مقر الحزب الديمقراطي الكوردستاني في بغداد وحرقه.

  ووسط هذا الفشل الذريع في التعامل مع الشريك واضطهاده وبوجود دستور دائم ينظم العلاقة بينهما، يتم خرقه في اكثر من 55 موضع، يبقى السؤال المرير هو:

  هل أخطا الكورد بالذهاب الى بغداد وتخليهم عن استقلالهم في 2003 من أجل قيام دولة ديمقراطية مدنية فيدرالية تعترف بحقوقهم وخياراتهم بعد ما يقرب من مليون شهيد وتدمير ثلثي كوردستان؟

خاصة وإن دولاب الاضطهاد والاقصاء ومحاولة الأذلالبالحصار الاقتصادي وإشاعة الكراهية والأحقاد ضد كل ما يمت بالكورد وكوردستان بصلة قد عاد ثانية، وإزاء ذلك هل سنسأل ثانية حينما نطلب تطبيق مخرجات الاستفتاء واستحقاقاته كوثيقة قانونية ديمقراطية حان تنفيذها على الارض كما فعلت جيكوسلوفاكيا وتيمور الشرقية وجنوب السودان؟

[email protected]