18 ديسمبر، 2024 8:48 م

قال رسول الله محمد صلى الله عليه وآلة وسلم {أحفظ ود أبيك لا تقطعه فيطفئ الله نورك}

أخذني الحنين والشوق برغبة جامحة لا أعرف مصدرها سوى ضيق النفس ومشاعر جياشة وحنين لامثيل له لزيارة قبر والدي في مثواه الاخير بمقبرة وادي السلام , شددت الرحال وعزمت الأمر وهنا وهناك حتى وقفت أمام قبره , التفت يمينا وشمالا لم ينافسني لجاجة قراء الادعية والآيات القرآنية المنتشرون في ساحات المقبرة بكثره وهم يلفظونها بغير حالت اعرابها , وكذلك خلوها من أي زائر . سهلت لي اللقاء واتاحت لي فرصة لا تعوض فكانت بحق خلوة من نوع آخر ساعدتني على ان ارتب افكاري وابث مشاعري وأوصل شكاوي بمنتهى الحرية , بكيت بخزين دموعي حتى نشف بعدها هدأت النفس واستقر الحال ,

انا أبوي من ونيت ما لوم .. نزل مني دمع يعمي العيون

خدودي معوده تتندى كل يوم .. وتحب الماي خشبات الكناطر

لمت الروح بس شفادني اللوم …شلحك وبسفينة الموت عابر

المنايا السطح وعيونها تحوم .. عليك ونزلتك نسر كاسر.

استذكرت مواقفه منذ طفولتي بدلاله الذي لامثيل له وهو حاملني على كتفه بعد الزيارة في اضرحة أهل البيت عليهم السلام التي يحرص على أدائها بعناية مرورا بالسوق وصولا لعجلة العودة , اختياره لملابسي بدقه ورعاية لا ينافسني فيها احد , برغم ظروفه المالية الصعبة يصر على عقد جلسة الديوان الذي يحرص على أقامته ودعوة الساده والشيوخ والوجهاء له في محيط مسكننا البسيط , للسادة في نفسيته قدسية ورثها من ابيه وامه فهو يلثم يده ووجهه ويقوم بخدمته كأنه طفل صغير , يشرف بنفسه على اختيار البن واشعال النار(الموقد) وقليها في مقلاة يقلبها بحنية أبوية ثم يدقها في هاون كبير ُاعد لهذا الغرض , طيبته وشدة حبه لي لا تمنعه من صفعي عند خطأي , كريما شجاعا عطوفا خدوما للجميع لا يفرق بين احد واخر , يحترم الاخرين ويفضلهم على نفسه , كريما مع أمي حد النفس لا يجرحها بكلمة ولا يأنبها بموقف , تعلمنا منه الكثير لا يسع المجال لذكره .

يحي بحسن فعاله … أفعال والده الحلاحل

كالورد زال ماؤه …. عبق الروائح غير زائل

كل هذه المواقف ارتسمت امامي وانا اشكيه حالي وضعف بدني وحاجتي وطلباتي التي عودني على تنفيذها لي فهو سندي وحزام ظهري دون ان يسألني شيء , في نهاية لقائي به الذي استمر لساعة دعوة له بالمغفرة والرحمة ولجميع الاموات وان يسعى في قضاء طلباتي عند الخالق العظيم , ودعته وانا اجر اذيال خيبتي بعدم سماع صوته وندائي له أبي أبي

وحالي يقول :

{ثاري البو ياناس خيمه …… يفي على عياله وحريمه }

جمره في القلب تبقى مستعرة ايها الأب الغالي لحين النفس الاخير فالناس لم تنسى لك مأثره.