22 ديسمبر، 2024 10:38 م

أليات تصحيح مسار العملية الدمقراطية في العراق

أليات تصحيح مسار العملية الدمقراطية في العراق

اصبح من الصعوبة بمكان، وبعد مرور عقد ونيف من الزمن  على سقوط النظام الدكتاتوري  والعراقيين امام كل هذا الانحسار و التخبط السياسي للطبقة الحاكمة، معرفة من اين وكيف يمكن البدء لبناء الدولة؟؟ بعد ان تصدعت قواعد ومساند شرعيتها التي تستمد قوتها منها، فيما يعد الكثيرين موضوعة الانتخابات النزيهة من اهم تلك الاسس والمساند، والمقصودهنا ان اي دولة من دول العالم تستمد شرعيتها من الانتخابات وما تفرزه صناديق الاقتراع والتي من المفترض على الجميع أحترام نتائجها،  والسؤال ماذا نصنع امام شبهات التزوير والشكوك  التي لبست شرعية  هذه الانتخابات  وما افرزته صناديق اقتراعها  التي انعكست على بناء الدولة وسلطتها التنفيذية؟، و كل هذه الاحداث هي مشاكل وضعتنا  امام مفترقات الطرق الوعرة والشديدة الخطورة، وانتجت لنا ازمات سياسية تحولت فيما بعد الى  مشاكل اقتصادية واجتماعيةوامنية تضخمت وما زالت مستمرة  في تضخمها .

آليات جديدة

وللجواب عن التساؤل السابق نقول، لابد من ضرورة التفكير بإيجاد اليات جديدة تمكننا من تصحيح مساراتنا السياسية والاجتماعية بالشكل الذي يمكننا ويساعدنا على بناء الدولةالمهابة والتي بمقدورها فرض الأنظمة والقوانين التي غابت عنها، اي عن ممارسات الدولة بعد ان شجعت المجرمين والفاسدين على الافلات من العقاب ومن يد العدالة، وما تشهده الدولة اليوم من ضعف وتحديات هو بسبب عدم وجود آليات دستورية حقيقية لمحاسبة الفاسدين وسراق المال العام، ما شجع العديد من هؤلاء المسؤولين السراق وشركائهم من اللصوص ومكنهم  من الاعتداء والتجاوز على الانظمة والقوانين  وسرقة قوت الناس وثرواتهم الوطنية بلا خوف او رادع، كل هذه الخروقات ومخاطرها اسهم في اضعاف  وتصدع هيبة الدولة،التي اصبحت بأمس الحاجة لفرض القانون الذي هو الاخر بحاجة الى جملة من الاجراءات، منها تعديل الدستور وقوانين الانتخابات والتجديد والتحديث  في النهضة السياسية من خلال تقديم رؤى علمية مهنية وطنية لتعزيز بناء الدولة ليكون بمقدورها ضمان حاضر و مستقبل العراقيين ووحدة وطنهم ارضا وشعبا، وهنا لابد من التعريج  على حراك رئيس الوزراءفي اكثر من جانب، اذ ان هناك من يرى ان  قراراته  ليس بإمكانها  تعديل المسارات وحل المشاكل ومواجهة التحديات ومحاربة الفساد كما يجب،  كونها ميراث ثقيل ومشاكل ورثت منذ حقب ماضية، ولابد من التاكيد على ان كل الاطراف السياسية والكتل وقياداتها مسؤولة بشكل مباشرعن هذه الاوضاع، وبالتالي عليها العمل بجد لوضع المسيرة السياسية للبلاد على السكة والطريق الصحيح ، وفي مقدمة ذلك محاصرة  ومحاربة الفساد والقضاء عليه بشتى السبل، لان الفساد اساس نكبات ودمار العراق، فالمطلوب هنا التعامل مع التحديات    بسرعة  والشروع بالعمل الميداني  الفعلي الجاد لتعديل كل هذه المسارات و فتح كل الملفات والبدء بمعالجتها، والكل يعلم ويعرف ان هناك متنفذين في الوزارات يمارسون كل عيوب الشرع ويتجاوزن على الانظمة والقوانين وينتهكون حقوقالناس وحرياتهم وحرماتهم، فيما الوزير نفسه لايقدر على التعامل معهم، والوقوف بوجههم !!، وهناك الكثير من هذه المواقف تحصل يوميا  سوف تدفع الناس في لحظات غضب لاستغلال الوقت المناسب لتعديل هذه الاعوجاج بكل الطرق المتاحة اذا لم تتحرك الدولة وبكل سلطاتها لتعديل كل هذه السلبيات المؤشرة، والا فأن الدولة ستكون امام اضطراباتوحراك شعبي لن يهدأ غليانه الا بتغيير الجميع، باعتبار ان الحراك الشعبي اساس التغير والاصلاح وهو اخر الدواء لفساد الحكام ومن يشاركهم في هذا المستنقع الذي لا يراد له ان يجف!!.

اكتمال”العقد” الاجتماعي

هناك ثمة تساؤل يقول: هل من المعقول بعد فصلين تشريعيين للبرلمان ومازالت الدولة تسير بحكومة عرجاء لا يوجد فيها وزير للداخلية والدفاع؟؟  

في دولة تدعي الدمقراطية والمدنية والتحضر، الكل ينظر لدور البرلمان ونزاهته وقوته وقدرته التي يجب ان تكون حقيقية  في  تعضيد دور الحكومة لا كمال حقائبها الوزارية بعد كل هذه الفترة الزمنية،  ومن هنا تطرح التساؤلات .. اين دور البرلمانمن كل ذلك؟؟ وهل من المقبول ان تتعمد الكتل السياسية عدمالاتفاق لتحقيق طموحات الناس وتحترم خياراتهم واصواتهم؟؟.

واعتقد اليوم استحق ان يخرج ويغادر كل من عجز عن ادارة الدولة، لمنصبه بشكل مدني حضاري، لان تمسك امثال هؤلاء بكراسيهم او مناصبهم  يعني مسيرهم ضد التاريخ بل يشوهون تاريخ العراق والعراقيين خاصة بعد ان  ضيعوا آمال الناخبين وتطلعاتهم نحو حياة امنة حرة كريمة وغدا مشرق.

بناء منهجي

لقد استبشر العراقيون خيرا بأسقاط النظام الدكتاتوري الذيللاسف بات البعض يحن له،  وهذا يشكل خطورة كبيرة جدا تضع قيادات  العملية السياسية( واقول قيادات العملية السياسية لان قيادة عمليتنا السياسية متعددة الرؤوس) منها يسير باتجاه الغرب واخر باتجاه الشرق ومنهم باتجاه الشمال والجنوب.. على كل حال اليوم اصبحت هذه القيادات السياسيةامام مسؤولياتها، وخياراتها الوطنية المهمة والاساسية يتمثلباعادة بناء هندسة سياسية جديدة لقيادة وبناء الدولة، وهذا بأمس الحاجة لا عادة  هيكلة و تنظيم بناء الكتل السياسية واحزابها اولا، من خلال منهجية مهنية وسياسية وطنية ليكون بالإمكان اعادة هيبة و قوة الدولة المفقودة،  لان قوة الدولة   بمقدورها ان تعيد للعراق قيمته الإنسانية والاجتماعيةوالاقتصادية والسياسية، والكل هنا مسؤول عن تحقيق هذا البناء وهي مهام تتطلب ترك ومغادرة العمل بالعواطف والاحتكام بالمنطق والقانون والمنهج الوطني  وهذا هو واجب كل الطبقة السياسية  ومن بيده دفه الحكم،  فيما تتحمل السلطةالرقابية والتشريعية المهام الكبرى في عمليات التغيير، ومن الضرورة هنا تقديم اصحاب العقول المؤمنة بهذا النهج من اجل بناء العراق الجديد لا من اجل الجلوس على كراسي  السلطة  والتسلط والكسب غير المشروع الذي قوض اركان الدولة وعمم فيها الفساد.

كل هذه المهام بحاجة الى حوارات وطنية  حقيقية وواقعية، لان اكثر حوارات السياسيين اثبتت فشلها بسبب فقدانها لقواعدها  ومنطلقاتها الصحيحة التي توصلهم الى الحرص على العراق وسيادته والحفاظ على ثرواته وعدم الانصياع للاستقطابات والتحديات والظروف و الامر الواقع،  وهكذا سلوك وطني يقطع الطريق على من يريد تدمير العراق الذي ما زال قويا بأهله الذين لن ولم يسمحوا لاحد وتحت كل الظروف ان يوقف عجلة حياتهم رغم الارهاب والفساد الذي لبس دولتهموفرض عليهم ان يعيشوا في ظل ظروف غاية في التعقيد والصعوبات، وهم اليوم يتطلعون لبناء نخب سياسية وقادةجدد  بمقدورهم  العبور بالعراق الى الضفة الاخرى الامنة،والحفاظ على هويته كدولة مدنية حضارية وشعب اصيل، وترك حروب الاحزاب والكتل السياسية البينية الظاهرة والخفية منها،لان هذه الحروب والتوافقات المشبوهة هي التي زعزعت واضعفت كيان الدولة وسلطتها التنفيذية امام تضخم مستوى الفقر والفساد وانعدام الخدمات.

ياسادة .. العراق مازال مهدد بالتراجع والتقسيم اذا لم يتم الاسراع باعتماد خارطة طريق يضعها اصحاب الاختصاص والخبرة والتجربة في السياسة وادارة الدولة، خارطة يتفق عليها  كل السياسيين وبمشاركة كل النخب الوطنية، لأنضاجالمشروع الوطني  الذي سيحكم الدولة وبكل تفاصيلها الاجتماعية والاقتصادية والعلمية والتربوية والسياسية، وهو مشروع لابد ان يطرح للعلن، ويتطلب ايضا ان يغادر القادة والسياسيين القاعات المغلقة في حواراتهم مقابل الجلوس مع طبقات الشعب وبين الجماهير والعودة الى الدستور صمام الامان، وايجاد مخرج حقيقي  لكل الازمات يضمن العيش اليسير لكل مواطن ويحقق عدالة اجتماعية وهي واجبات دستورية اقسم كل مسؤول على تحقيقها للمواطن العراقي من دون منٍةَ او فضل !!.