23 ديسمبر، 2024 12:46 م

ألنبوة وألولاية

ألنبوة وألولاية

ألنبوة في ألفتوحات ألمكية لمحي ألدين أبن عربي (ألباب 73) نبوتان: نبوة ولاية ونبوة تشريع. فألولي نبي ولكنه بلا شريعة. وألإستثناء لازم لئلا يصل الولي إلى نسخ ألشريعة. وأبن عربي ضد ألنسخ. لكن نبي ألشريعة يتعلم من نبي ألولاية، فألولي معلم ألنبي. وأستند فيها إلى قصة موسى مع ألخضر. وموسى نبي وألخضر ولي. وألقرآن ينص صراحة على أنّ علم ألخضر أعلى من علم موسى (مالم تحط به خبرا)…….ألآية في سورة ألكهف.

وفي ألفصوص إختراق عجيب من مسألة ألخلافة. ألمعروف عند غير ألشيعة أنّ ألنبي لم ينص بألخلافة إلى أحد. ويأخذ أبن عربي من ذلك تفسيرا لإستمرار ألنبوة. يقول في ألفص ألداوودي :

” مات رسول ألله وما نص بخلافة عنه إلى أحد ولا عينّه، لعلمه أنّ في أمته من يأخذ ألخلافة عن ربّه فيكون خليفة عن ألله مع ألموافقة في ألحكم ألمشروع. فلما علم ذلك صلى ألله عليه وسلم لم يحجر ألأمر “.

على أنّ ألخلافة عن ألله قد لا تكون هي ألنبوة بألمرادفة، لأنّه في مكان آخر يذكر حديث: ” لا نبي بعدي ” فيقول: هذا ألحديث قصم ظهور أولياء ألله ( ألفص ألعُزيري ) لأنّه قطع عليهم طريق ألنبوة.

 وسيحتج أبن سبعين فيما بعد على ألحديث لنفس ألإعتبار: ” لقد تحجر ابن آمنة عندما قال: لا نبي بعدي “.

إنّ إحتجاج أبن سبعين على حديث لانبي بعدي يشف عن نفس تواقة للنبوة. إلّا أنّها نبوة المثقف لا نبوة ألنبي. فأبن سبعين ونظراؤه في ألتصوف يجدون في أنفسهم من طاقات ألفكر وعمقه وتوغله في ألأبعاد ما يستصغرون معه ألكتب ألمنزلة وليس من شك أنّ ثقافتهم ألواسعة لا تقاس بها ألثقافة ألمتواضعة للأنبياء.

فألأنبياء ليسوا فلاسفة ولا علماء ولا حتى مثقفين بالشرط ألذي يكونه ألمثقف بألمعنى ألأصطلاحي بل هم بين مناضل أجتماعي كالمسيح ومؤسس دولة وحضارة كموسى ومحمد وحامل رسالة أخلاقية كبوذا.

وهذه الصفات لا تصح على المتصوفة فهم مثقفون حصرا، وألمثقف لا ينهض بمهام ألنبي. أما ألنبوة ألتي يتوقون إليها فتتقوم بألتجاوز ألفكري للعقائد ألتي جاء بها ألأنبياء لأنّ مقاسات عقولهم تجعل من ألعسير عليه تقبّل مصادارات العقائد، وهذه نقطة يشتركون بها مع ألفلاسفة.

لكن ألفلاسفة لم يفكروا بألنبوة، لأنّ ألنبوة تطلع وجداني – غيبي يصدر عن نفس متروحنة تتماهى بالحدس وألإلهام لا بالعقل ألخالص وترتهن عادة برسالة يحملها النبي إلى بلده أو قومه تنقلهم من حال إلى حال في حياتهم الأجتماعية وألسياسية وألأديولوجية.

وألنبوة بهذا ألمعنى أقرب إلى مجال حركة المتصوف لإشتمالها على عنصر إجتماعي إصلاحي، مما لا شأن به للفيلسوف ألمعني أساسا بقضايا ألفكر.

وبناءا على ذلك يمكننا ألنظر إلى متصوفة كالحلاج أو ألبسطامي أو ألجيلي أو أبن عربي او أبن سبعين على أنّهم أنبياء. وهكذا ايضا بخصوص فلاسفة ألتاو الكبار. وأيضا لبعض فلاسفة العصر الحديث مثل كارل ماركس ولينين. وهذا من جهة كونهم حملة رسالات – أجتماعية أكثر منها ثقافية.

على أنّ أبن عربي يحاول فتح ألطريق بتفريقه بين نبوة ألولاية ونبوة ألتشريع. ثم أدركه ألطمع في هذا ألموضع فقال:

” إنّ ألله لطف بعباده فأبقى لهم ألنبوة ألتي لا تشريع فيها وأبقى لهم ألتشريع في ألإجتهاد في ثبوت ألاحكام وأبقى لهم ألوراثة في ألتشريع، فقال ” ألعلماء ورثة ألأنبياء ” . وما ثم ميراث إلّا فيما أجتهدوا فيه من ألأحكام فشرعوه “.

فألولي قد يرث نبوة ألتشريع. وألمستفاد بوجه عام أنّ ألمتصوفة أرادوا النبوة ألتي يخرجون بها من قيد ألعقيدة. ولم يلتفتوا كبير إلتفات إلى مسألة ألشريعة، فهذه كانت شغل ألإسماعيلية ألذين قالوا بنسخ ألشريعة فنسخوها في معاقلهم في دولة ألإحساء وقلاع ألشام وإيران.

وحقيقة ألحال في ألنسخ أنّ ألشريعة كانت لازمة لضبط سلوك ألحكام وردعهم عن ألظلم من نهب للأموال وقتل كيفي وركوب ألهوى وألفساد كما يلزم تقييد ألدول ألمعاصرة بألدستور وتقنين سياساتها وفقا لأحكامه.

فإذا أريد المضي إلى مدى أبعد في ألتحرر الإجتماعي وحل المشكلات المعيشية للجماهير فإنّ نسخ ألشريعة لازم للتمكين من ذلك. وهذا ما جرى في دولة ألقرامطة شرقي ألعربيا حين تجاوزوا حكم ألزكاة ألمقرر في ألشريعة وأستولوا على ألثروات ألعامة والخاصة لإعادة تنظيم ألإقتصاد بطريقة تضمن حصول ألناس على حقوق متكافئة فيه.

ومع هذا التنظيم الجديد للإقتصاد نسخوا أحكاما أخرى غير ملائمة لمعشرهم منها ألزواج ألضرائري ( تعدد ألزوجات ) لإقامة نظام العائلة ألأحادي مع عدم ألتسري ( إتخاذ ألجواري ).

وألمتصوفة نسخوا من ألشريعة بعض ألأحكام عملا لا أدلجة بأمتناعهم عن ألزواج بأكثر من واحدة وعدم ألتسري وعدم إتخاذ العبيد من جهة أكثريتهم. وكذلك خروجهم من حد ألأكتناز ألمباح في ألشرع ( لأنّ حكم ألزكاة نسخت آية ألإكتناز فألمتصوفة يرون بأنّ ألزكاة لاتكفي لمنع اكتناز ألثروات لدى قلة من ألأغنياء وحرمان ألأكثرية الفقيرة منها ) . وقد ينظرون لإبطال حكم ويمارسونه كألحج فهم متفقون تقريبا على بطلانه كما في ترجمان ألأشواق:

                      تطوف بقلبي ساعة بعد ساعة            بوجد وتبريح وتلثم أركاني

                      كما طاف خير ألرسل بألكعبة التي       يقول دليل ألعقل بنقصان

                      وقبّل أحجارا بها وهو ناطق              وأين مقام ألبيت من قدر إنسان

لكنه حجّ مرتين. على أنّ ألمتصوفة وقعوا في ألنسخ ألأكبر بدعوتهم إلى ” إطعام ألدنيا للجياع ” ففيه إبطال لحكم ألزكاة وتوسيع لحكم تحريم ألإكتناز بإشاعة ألأموال مما يعني إجراء تعديلات جوهرية على فقه ألمكاسب كما فعل القرامطة. ولو أنّهم لم يحكموا لنرى ماذا كانوا سيفعلون لتحقيق دعوتهم في دولتهم.

 

مصادر ألبحث:

مدارات صوفية … هادي العلوي