تعتبر ظاهرة الفساد الإداري والمالي من الظواهر الخطيرة التي تواجه البلدان وعلى الأخص الدول النامية وما لها من تأثير كبير على عملية البناء والتنمية الاقتصادية والتي تنطوي على تدمير الاقتصاد والقدرة المالية والإدارية وبالتالي عجز الدولة على مواجهة تحديات أعمار أو إعادة أعمار وبناء البنى التحتية اللازمة لنموها. ولقد لاقت هذه المشكلة موضع اهتمام الكثير من الباحثين والمهتمين واتفقوا على طريقة وضع وتأسيس إطار عمل مؤسسي الغرض منه تطويق المشكلة وعلاجها من خلال خطوات جدية محددة ، الغرض منها مكافحة الفساد بكل صوره ومظاهره والعمل على تعجيل عملية التنمية الاقتصادية من خلال إعداد الدراسات والبحوث اللازمة لغرض متابعة ومعالجة الفساد المالي والإداري الذي بدا ومايزال ينخر في جسد الدول, وبشكل واضح ومايتبعه من إعاقة في عملية إعادة الأعمار والتنمية الاقتصادية. إن البدايات الأولى للفساد الإداري ترى فيه ممارسات سلوكية لا تخضع إلى ضوابط أو معايير معينة، خاصة المعايير التنظيمية والبيروقراطية في إطار عمل المؤسسات، وهي بهذا المعنى تعتبر الفساد مرادفا للانحراف، فلا يقتصر انتشار الفساد على مجتمعات في فترات زمنية معينة، فالفساد ظاهرة إنسانية وزمنية مع اختلاف سعة انتشاره واستفحاله من مجتمع إلى آخر، ومن زمن إلى آخر سببه الرئيسي الظروف والمعطيات التي يمر بها المجتمع، ففي المجتمع اليوناني القديم الذي كان يعاقب على الرشوة بالإعدام طبقا لبعض التشريعات والتي انتقدها سقراط بقوله إن المرتشي كان يجزى على ارتشائه بالترقي في المناصب العسكرية والسياسية.يعتبر الفساد الإداري أهم عوائق التنمية في الدولة الحديثة، وللأسف فإن أكثر الدول حاجة إلى التنمية هي الدول النامية من أكثرها فسادا، مع حاجة تلك الدول إلى مسارعة الخطى لتقليل الفجوة الحضارية بينها وبين الدول المتقدمة.
الإدارة عصب الحياة، تستند إلى دعامات أهمها الدعامة البشرية والتي توكل إليها مهمات وظيفية لمن تم اختيارهم للقيام بأمانة الوظيفة العامة التي هي”مجموعة الواجبات والمسؤوليات التي يلقى بها على عاتق الموظف بموجب الأنظمة واللوائح”. إلا أن الممارسات الإدارية غير المقبولة شرعا ولا قانونا من قبل بعض الموظفين العموميين والتي تحقق المصالح الشخصية بعيدا عن تحقيق المصالح العامة، يعتبر وصفا لما قد تعانيه بعض الأجهزة الحكومية من فساد إداري، ومما قد يشعر به المستفيدون من الخدمات العامة من الإضرار بمصالحهم، ومنعهم من الحصول عليها وخلق فرص للبعض دون الآخر دون وجه حق، الأمر الذي يخلق معضلة تقف أمام تحقيق التنمية والصالح العام، ويعزز إثراء الموظف الشخصي المادي والمعنوي غير القانوني، هذا الثراء مصدره قد يكون بالرشوة وقبول الهدايا والإكراميات من احدث موديلات السيارات لتصل إلى الفلل أو أي منفعة ذاتية أخرى ، أو بالاعتداء على المال العام بالسرقة والاختلاسات سواء المال العام أو بعض المواد والأدوات العينية، أو بالتزوير بكافة أنماطه كتزوير الأوراق الرسمية والسجلات وتزوير الفواتير للمبالغة في قيمة المشتريات، وأيضا بتقاضي العمولات مقابل الصفقات بتسريب أسرار المناقصات العامة، إضافة إلى المحاباة والمحسوبية والولاء القبلي من منظور الواسطة التي قد تأخذ غطاء الشفاعة الحسنة، كما أن هناك إساءة استعمال الصلاحيات واستغلال النفوذ، كالتغاضي والتساهل في تطبيق الأنظمة لفئة والتشدد والتعسف والتطبيق الحرفي لفئة أخرى مقابل امتيازات شخصية، وكذلك تسخير الموظفين للحاجات والمصالح الخاصة، وأخيرا وليس آخرا هناك التسيب الإداري المتمثل في عدم الالتزام حضورا وأداءا وانصرافا، فتتعطل مصالح المراجعين وتتراكم المعاملات، هذا على سبيل المثال لا الحصر.
ان الفساد الإداري لا يفترض بالضرورة أن يكون انحرافا عن النظام القيمي السائد بل هو انحراف عن قواعد العمل وإجراءاته واشتراطاته وقوانينه وتشريعاته. ويأتي هذا الانحراف نتيجة أسباب عديدة ليشكل خرقا لهذه القوانين المعتمدة في النظام الإداري. ذلك ان الفساد الإداري بكافة أشكاله وأنماطه يعتبر آفة تلحق الإضرار بجودة الأداء وفعاليته، وتقف عائقا أمام اتخاذ القرارات الرشيدة، وتحقيق أهداف المنظمات العامة فيتدنى مستو ى الأداء والعطاء، الأمر الذي قد يخلق شيوع الفساد الإداري الذي إذا لم يتم معالجته والقضاء عليه فانه ينخر مؤسسات الدولة.
إن الفساد الإداري الذي تعانى منه بعض الأجهزة الحكومية لا يأتي من فراغ وإنما هناك مسببات عدة تقف وراء ظهور ه والتي قد يكون منها غياب عنصر الرقابة الذاتية، وكثرة الإجراءات وتعقيدها، وعدم مناسبة الأجر أو الراتب إلى غير ذلك، ومن أجل ذلك من الضروري تلمس هذه المسببات لاجتثاث هذه الآفة وتحقيق الوصول الى حلول يمكن بها التصدي للفساد ألإداري.
والإدارة سلاح ذو حدين قد تسعد الإنسان وقد تشقيه فلو انها طبقت وفق الأصول والأسس العلمية لها والتي يراد من خلالها العدالة والنماء وتقديم أفضل الخدمات حتما سيكون الإنسان سعيدا ولو أسيء فهمها وطبقت وفق الأهواء ملبية للرغبات على حساب المصالح العامة فإن الأمر سيتفاقم وتتحول إلى كابوس يؤرق الناس تستغل من خلالها حقوقهم وتسلب حريتهم ويتم حرمانهم من الخدمات.
وكثيراً ما نجد في مؤسساتنا إهمالا واضحا في أهم مكوناتها من إدارات أو مكاتب أو وحدات مثل الشؤون الإدارية والشؤون المالية والتخطيط والمتابعة ومراكز المعلومات والتوثيق “. لا شك أن اختيار وإعداد القيادات الإدارية في أية منظمة من المنظمات يعتبر من الأمور العامة والمصيرية، والمؤثرة تأثيراً مباشراً أو غير مباشر على أدائها التنظيمي ، وبالرغم مما نلاحظه من عشوائية وارتجالية اختيار القيادات في كثير من المواقع المهمة في مؤسساتنا، وندرة الإعداد لها – إن وجد أصلاً-.
إنه من الصعوبة بمكان تحديد مكامن الانحراف والفساد وسبل إصلاحه ما لم يكن الأمر مبنيا على أسس علمية وقاعدة معرفية من أطراف متخصصة في شتى المجالات المتعلقة بالعلوم الإنسانية، ولتكن هذه الأطراف هيأة استشارية، أووزارة , أو غيرها من التسميات، يحال إليها كل مظاهر ومؤشرات الانحرافات، وأشكال الفساد المستشري بالمنظمات لإيضاح أسباب هذه المظاهر، وسبل الحد منها، وكيفية مجابهتها والقضاء عليها خلال فترة زمنية معينة، لأن الهروب من العمل، والغياب المتكرر والمتعمد، والتسيب في أداء الوظائف، تعد مظهرا من مظاهر الفساد، ولكن قد تختلف مسبباتها من جهة أخرى، وبالتالي ما لم تدرس الأسباب بعناية، وتعالج الأمور من جذورها من جهة أخرى تمتلك القدرة المعرفة العملية، والتخصص، والخبرة العملية والرغبة في الاضطلاع بهذه الأمور، فإن احتمال بقاء الخلل او الفساد يظل قائما.
كما أن الارتقاء بالخدمات المختلفة التي تقدم للمواطن، وتعزيز فرص الجذب الاستثماري في البلاد، اوالحد من الإنفاق الزائد للدولة فضلا عن أن الإصلاح يعمل على تحسين مناخ المنافسة الشريفة داخل المجتمع .وغيرها من المزايا الأخرى، والتي تعد من الأساسيات التي يجب الإعلان عنها عند البدء في تنفيذ خطوات الإصلاح، لضمان دعم ومساندة الرأي العام.
يمكن أن تتكامل جهود المؤسسات الوطنية والمؤسسات الإقليمية والمؤسسات الدولية لمكافحة حالات الفساد الإداري خاصة وبعد أن أصبح الفساد الإداري ظاهرة دولية متعددة الأبعاد، يجب أن تكون الجهود الوطنية لمكافحة الفساد جهود فعالة تتم من خلال أساليب وآليات متعددة وتشمل أبعادا كثيرة كالجانب الاقتصادي متمثلا في مستويات الأجور الجيدة والقضاء على البطالة وتحسين مستويات المعيشة، كذلك الجانب الاجتماعي والثقافي من خلال البناء السليم للنظام القيمي ومحاربة الأعراف والتقاليد الفاسدة أو التي يمكن أن تمثل مدخلا لممارسة فساد إداري، ثم أن هذه الأبعاد تستكمل بالبعد المؤسسي المتمثل في تقوية مؤسسة القضاء والمحاكم وتطوير أجهزة الرقابة والمساءلة وتعزيز دور الإعلام والرقابة الشعبية. وتجدر الإشارة إلى أن المؤسسات والمنظمات الوطنية والدولية التي يمكن أن تساهم بجهود في مكافحة الفساد الإداري يمكن أن تشتمل على الجهود المحلية وتتمثل في إنشاء العديد من المنظمات التي تعمل على المستوى المحلي وتهتم بمكافحة الفساد بكل أشكاله، والعمل على وضع سياسة وطنية للأجور والمرتبات تراعي الاحتياجات المعيشية للموظفين وأسرهم، وكذا نوع وطبيعة العمل والحاجة للادخار لمواجهة الاحتياجات المستقبلية ومراعاة التغيير في تكاليف المعيشة .القضاء على البطالة المقنعة والازدواج الوظيفي من خلال التحديد الدقيق لواجبات كل وظيفة وشروط شغلها، من خلال إيجاد فرص عمل عبر تشجيع وتطوير الاستثمار الحقيقي في كافة المجالات. واستكمال البنية القانونية والإدارية للدولة، ووضع القوانين موضع التنفيذ، والمراجعة الدورية لها بحيث يتم تصحيح أية اختلالات تظهر .