18 ديسمبر، 2024 6:24 م

اللغم في المفهوم العسكري هو ما يزرع في الارض من متفجرات تنفجر لتعيق حركة العدو وتمنعه من التقدم. الهدف من هذه الألغام هو وضع الحواجز وزيادة القوة الدفاعية. إزالة الألغام ليس بالأمر السهل، فهي تتطلب فريقاً متخصصاً يعرف كيف يتصرف وكيف يفكك دون ان تكون هنالك خسائر.
في منتصف تسعينات القرن الماضي حيث الاوضاع الصعبة في البلاد بسبب الحصار الظالم الذي فرض علينا نتيجة دخول القوات العراقية الى الكويت. الرواتب لم تكن تكفي لمصاريف شخص واحد لومين متتالين متتاليين. الكل كان يبحث عن مصدر مال لسد رمقه ويؤمن احتياجات عائلته واسرته. أولياء الأمور كانوا في ضنك ومحنة وهم لا يجدون مصدراً لتأمين مصاريف أبنائهم. الضعف المادي وقلة الحيلة دفع بالكثيرين إلى البحث عن سبل من الممكن أن يجعلهم يحصلون على شيء من المال وإن كانت السبل غير شرعية.
أيامي الأولى في الحياة العسكرية الصعبة كان بالإمكان أن يدفع الجندي البدل ليتم تسريحه من الجيش. مبلغ البدل كان (1.500.000) مليون ونصف المليون لخريجي الجامعات و(3.000.000) ثلاثة ملايين دينار لخريجي الدراسة الإعدادية.
كان مسؤول مكتب المركز ينظم معاملات البدل لأبناء الميسورين الذين يدفعون هذه المبالغ الضخمة حينها مقابل إعفائهم من الخدمة العسكرية. الذي يدفع البدل لابد أنه يمتلك الكثير من هذا المال وليس لمسؤول المكتب هذا أن يفرط فيه دون أن يستحصل منه هو الآخر مبلغاً معيناً. الذي لا يدفع لمسؤول المكتب تذهب معاملته إلى وزارة الدفاع في بغداد وتعود خائبة دون إنجاز. يبقى الجندي دافع البدل في المعسكر تحت لهيب الشمس صيفاً وفي البرد القارص شتاءً منتظراً أن تنجر معاملته ليعود إلى الحياة المدنية مدللاً معززاً مكرماً يتمتع بثمرة المال الذي دفعه. بعض المعاملات كانت ترد إلى مركز التدريب في غضون أسبوع وينفك الجندي ويطلق إلى الحياة المدنية كالبلبل الذي يتحرر من القفص. في حين أن البعض الآخر كان ينتظر لأشهر أحياناً. الأمر ملفت للنظر، فلماذا تنجز بعض المعاملات وترفض بعضها من قبل وزارة الدفاع في بغداد وإن الجميع قد دفع المال إلى الدولة وله صك مصرفي بذلك.
كنت خطاطاً ومكتب الوحدة بحاجة إلى خط بعض العناوين. قضيت في غرفة مكتب مركز التدريب أسبوعاً. خلال هذا الأسبوع أصبحت مقرباً من مسؤول المكتب الذي ينظم معاملات البدل. ذات مرة ونحن نجلس لشرب الشاي سألته عن سبب عودة بعض المعاملات دون إنجاز؟!
لم يتردد في الإجابة ورد سريعاً:
– إنهم يرفضون دفع المال لي!
إنهم دفعوا كل هذه المبالغ وماذا سيدفعون بعد ذلك. تبين أن مسؤول المكتب يأخذ مقداراً من المال لقاء إنجازه للمعاملات. والذي لا يدفع ترجع معاملته دون إنجاز ويبقى الجندي منتظراً حتى يدفع.
لكن كيف تعرف الوزارة بعدم دفع هذا الجندي لمسؤول المكتب. سألته وأجابني:
– الذي لا يدفع أضع لغماً في معاملته.
اللغم يوضع في الأرض وينفجر كما هو معروف، فما هو لغم المعاملة يا ترى. حتى استرسل مسؤول المكتب بالشرح:
– الذي لا يدفع أقوم بإرسال معاملته ناقصة. مثلاً أنقص من رقمه الإحصائي رقماً واحداً أو أكتب تفاصيل المعاملة بخط سيء أو أجعل فيه حكاً وشطباً أو أتناسى عن وضع أحد الأختام والطرق كثيرة لتكون المعاملة ملغومة، فترجع المعاملة لتصحيحها وإتمام نواقصها وهكذا دواليك حتى يرضخ.
– وكيف يمكن إزالة هذه الألغام؟!
– إزالة الألغام من المعاملة تكون بدفع الأموال لي ولا مفر من ذلك.
ونحن في خضم التجاذبات السياسية التي أصبحت صفة متلاصقة لبلدنا مع شديد الأسف، أجد الأطراف جميعها تستند إلى الدستور والقوانين وتؤولها على أهوائها. الكل يتحجج بالدستور الذي وضعت فيه قوانين ومواد مطاطية قابلة لأن تكون مصدر حراك وعراك حتى تصيح الساعة. لا ريب أن ما كتب من قوانين وأنظمة كانت ملغومة كما كانت معاملات البدل تلغم من قبل مسؤول القلم.