22 نوفمبر، 2024 11:57 م
Search
Close this search box.

ألغزالي وألتوفيق بين علم ألكلام وألصوفية:

ألغزالي وألتوفيق بين علم ألكلام وألصوفية:

((تجربة ألنبوّة هي تجربة ذوقية خاصَّة جداً ولا يمكن سردها، وبألنتيجة لا يمكن أن تَعْرِف معنى أن يكون إنسان ما نبياً، إلّا إذا صادف وكنت أنت نبياً.. كل ألكتابات وألدراسات وألبحوث ألتي حاولت أن تقترب من فكرة النبوّة وتوابعها لم تفلح، كل ألمقاربات ألنفسية وألإجتماعية وألأنثروبولجية، كانت بعيدة عن سر ألنبوّة ورحمها ألخافق بألسحر. ألنبوّة تجربة ذاتية يعجز صاحبها عن ألكشف عن كوامنها فكيف بغيره؟ وإذا أراد ألنبي أن يسرد نبوّته فإنه سينتهك براءة هذه ألنبوّة، ذلك أنّ إعلان سر ألنبوّة بمثابة قتل له في ألحقيقة، وليس أدل على ذلك مما أفعله أنا بهذه الاعترافات، فلست أفعل شيئاً أكثر من تعريض تجربة خاصَّة من تجارب ألنبوّة للتهكم وألسخرية وألإستخفاف.. ألنبوّة سر يجب كتمانه، ليس لأنها شأن يستحق ألكتمان، بل لأنها أمر لا سبيل لإعلانه)).

((ليست النبوّة نعمة، وهذا لا يعني بأنها نقمة بأي حال من ألأحوال، لكن من ألضروري ألإلتفات إلى أنّها دوامة وعي يغرق بها فكر الإنسان وقد لا يخرج منها إلا مُعاقاً. فألنبوة إذن هي تجربة وعي))….. سعدون محسن ضمد- من إعترافات آخر متصوفة بغداد.

 

إنّ مقتل ألحلّاج، كان له نتائج من بينها نتيجة ألزمت ألصوفيين على ألبرهان أنّهم لا يناقضون في مظاهرهم ألعامة ألتعاليم ألأصولية، وقد موّه بعضهم تجاربه ألصوفية وأفكاره أللاهوتية في سلوك شاذ. وتلك كانت حالة ألشبلي مثلا (ولد سنة 247 هجرية وتوفي سنة 334 هجرية).

ألشبلي كان صديقا للحلّاج وعندما كان ألحلّاج معلقا على ألمشنقة سأله حول معنى ألوحدة ألصوفية، وقد عاش ألشبلي بعد ألحلّاج 23 سنة.

ألشبلي بتناقضاته وبوحه بعواطفه ألشاعرية، وفّر لنفسه ” أمتياز ألحصانة ” وقد قال:

” من يحب ألله من أجل أفعاله من ألنعمة فهو مشرك ” وطلب ألشبلي مرّة من تلامذته أن يتركوه، لأنّهم أينما وجدوا، سيكون معهم وسيحميهم.

وهناك صوفي آخر وهو ألعراقي (ألنفري) ألمولود سنة 354 هجرية وألذي أستعمل كذلك ألتناقض ولكنّه تجنّب حذلقة ألشبلي، وعلى ألأرجح كان أول من أعلن أنّ ألصلاة هي عطاء إلهي. ” إنني أنا ألذي أعطي، وإذا لم أجب على صلاتك، فلن أحضّك للبحث عنها “.

في ألقرن ألتالي بعد مقتل ألحلّاج، أظهر عدد من ألمؤلفين ألمذهب وألمماراسات ألصوفية. لنتناول ألآن ألنظرية ألتي أصبحت تقليدية للمقامات وألأحوال وألطريقة، ويمكن تمييز ثلاث مراحل أساسية فيها: مرحلة ألمريد (ألمبتديء) ومرحلة ألمتقدم (ألصالح) ومرحلة  (الكامل).

بناء على نصيحة شيخه يجب على ألمبتديء تطبيق تمارين تقشفية عديدة، مبتدئا بألتوبة، ومنتهيا بألقبول ألصادق لكل ما يحصل له. ويشكّل التنسك والتعليم معركة داخلية مراقبة بعناية من قبل ألمعلّم. وفي حين أنّ ألمقامات (محطات) هي ألنتيجة لجهد شخصي فإنّ (ألأحوال) هي منحة مجانية من ألله(إنّ عدد ألأحوال مختلف ففي مؤلّف مذكور من قبل (ألواتي) سرد ألعشرات من ألأحوال، من بينها ألحب، ألخوف، ألأمل، ألرغبة، ألهدوء في ألسلام، ألتأمّل، أليقين).

في ألقرن الثالث هجري، كان الصوفي ألمسلم يعرف ثلاث نظريات عن ألإتحاد ألإلهي:

1-ألإتحاد ألإلهي مفهوم كإتّصال أو وصال يستبعد فكرة وحدة الروح مع ألله.

2-ألإتحاد الإلهي مفهوم كإتحاد ألذي يكشف بذاته معنيين مختلفين: أحدهما، مرادف للوصال ألذي يستبعد فكرة وحدة ألروح مع ألله، وألثاني مثير لإتحاد في الطبيعة.

3- ألإتحاد الإلهي مفهوم كحلول: اي أنّ روح الله تسكن بدون إختلاط ألطبيعة، ألروح ألمطهرة للصوفي.

لم يقبل فقهاء ألإسلام ألرسمي سوى ألإتحاد بمعنى ألإتصال (أو مماثلة ألمعنى ألأول للإتحاد)، ولكنهم رفضوا بحماس، كل فكرة للحلول.

 

إنّ أللاهوتي ألشهير ألغزالي، هو ألذي بفضل إحترامه، نجح في أن يجعل ألصوفية مقبولة من ألاصوليين (ألارثودكس).

ولد أبو حامد الغزالي في فارس الشرقية سنة 451 هجرية ودرس علم ألكلام واصبح مدرسا في بغداد، واتقن فيما بعد طرائق ألفارابي وأبن سينا ألمستوحاة من الفلسفة أليونانية وذلك كي يستطيع نقدها ولطرحها في رفضه للفلسفات (تم رفض كتابه ألتهافت من قبل أبن رشد).

على أثر أزمة دينية ترك الغزالي ألتعليم في 1075 ميلادية وسافر إلى سورية، وزار ألقدس وجزءا من مصر، ودرس اليهودية وألمسيحية، وقد تعرّف ألباحثون في فكره ألديني على بعض التأثيرات ألمسيحية.

خلال سنتين من وجوده في سورية، أتّبع طريق الصوفية، وبعد غياب عشر سنوات رجع الغزالي إلى بغداد وإستعاد التعليم لوقت قصير، إلّا انّه أنتهى بألإنسحاب مع تلامذته إلى مسقط رأسه حيث أسس مدرسة وديرا للصوفيين، وقد جعلته مؤلفاته الكثيرة مشهورا منذ زمن طويل، ولكنه أستمر في الكتابة، وكان موضع إحترام مجمع عليه وتوفي في سنة 505 هجرية.

 

من غير المعروف من هو الذي كان الدليل الروحي للغزالي، وما هو ألنموذج للتلقين ألذي تلّقاه، ولكن مما لاشك فيه أنّه على أثر تجربة صوفية أكتشف عدم كفاية أللاهوت الرسمي (علم الكلام)، وكما كتب بدعابة: ” أولئك الذين هم علماء باحثون في بعض أشكال نادرة من الطلاق، لا يستطيعون أن يقولوا لك شيئا في موضوع ألأشياء الأكثر بساطة للحياة الروحية مثل معنى الإخلاص تجاه الله أو ألثقة به ” (  بعد إهتدائه، كتب الغزالي سيرة ذاتية روحية –ألمنقذ من الظلال- ولكن بدون كشف تجاربه ألصحيحة، ولقد ألحّ بصورة خاصة على نقد ألفلاسفة).

بعد إعتناق ألغزالي للصوفية وتكريسه متصوفا، عرف ألغزالي أنّ تعليم ألصوفيين لا يجب أن يبقى سرا محصورا بنخبة روحية، ولكن يتوجب أن يصبح مقبولا من كل المؤمنين.

إنّ رسمية ونشاط تجربته ألصوفية أقرتا في كتابه ألأكثر أهمية (إحياء علوم ألدين) ألمؤلف من اربعين فصلا، درس فيه الغزالي تباعا المسائل ألشعائرية والعادات ورسائل ألنبي ” الأشياء التي تقود للهلاك ” والاشياء ألتي تقود للخلاص، وفي هذا القسم الأخير نوقشت بعض مظاهر ألحياة الصوفية، ومع ذلك جهد الغزالي للحفاظ دائما على الوسط الصحيح مكمّلا الشريعة والسنة بتعليم الصوفية، ولكن بدون ان يعطي الافضلية للتجربة الصوفية.

وبفضل هذه الوضعية تبنّى علماء أللاهوت الاصوليون إحياء علوم الدين فحصل على سلطة لا مثيل لها.

 

إنّ ألغزالي كمؤلف موسوعي غزير ألمادة، كان ايضا مجادلا كبيرا، وقد هاجم ألإسماعيلية بدون إنقطاع كما هاجم ألإتجاهات ألغنوصية (ألعرفانية)، ومع ذلك فإنّه في ألبعض من كتاباته، يستوحي تعاليمه الصوفية حول ألنور بنيّة غنوصية.

حسب رأي عدد من ألعلماء، فإنّ ألغزالي قد خاب في قصده (إعادة إحياء) ألفكر الديني للإسلام. ” مهما كان متالقا لم يفلح ابدا بمنع تصلّب ألمفاصل ألذي سيجمّد إلى قرنين أو ثلاثة تالية الفكر ألإسلامي  (النقد العنيف للغزالي كان من قبل – زهبر- ولكن – كوربان أظهر أنّ ألإبداعية ألفلسفية لم تنقطع مع موت أبن رشد سنة 1198 ميلادية وقد استمرت الفلسفة بالتطور في الشرق وبصورة خاصة في إيران في ألتقاليد لمختلف المدارس إضافة للسهروردي).

مصادر البحث:
تأريخ ألمعتقدات وألأفكار ألدينية…… ميرسيا إلياد- ألمترجم: ألمحامي عبدألهادي عباس

أعترافات آخر متصوفة بغداد…..سعدون محسن ضمد- سلسلة مقالات منشورة في ألحوار ألمتمدن

أحدث المقالات