17 نوفمبر، 2024 5:25 م
Search
Close this search box.

العراق ينكر نوري السعيد

العراق ينكر نوري السعيد

لم أستطع إكمال مشاهدة اللقاء التلفزيوني مع حفيدة نوري السعيد ، كنت حزيناً وغلبتني عواطفي الضعيفة وانا اشاهد فتاة جميلة بعمر الورد تخبرنا ان الحكومة العراقية منذ السبعينيات وحتى هذه اللحظة لاتريد ان تمنح عائلتها الجنسية العراقية ، وحجة هذه الحكومات ” الهمامة ” ان لا وجود في سجلات النفوس العراقية لشخص اسمه نوري السعيد ، ودمعت عيناي وانا استمع للفتاة تقول لمقدم البرنامج والابتسامة تعلو وجهها ، انها لم تسمع يوما في بيتها كلمة اساءة واحدة بحق العراق والعراقيين ، وان والدها وعمها وجدتها ، كانوا يحدثونها بكل ما هو جميل عن العراق .
بعد غدا ستمر 59 عاماً على واقعة قتل نوري السعيد والتمثيل بجثته، بعد الصيحة التي اطلقها عراقي متحمس وهو يشير بيده ” هذا نوري سعيد “، لتنقض عليه الغوغاء الهائجة وتجرده من ملابسه . منذ ذلك التاريخ سارعنا جميعا لمحو التاريخ، و إلغاء الماضي وإزالة جميع الشواهد. ومثل كل تاريخ في العالم، لم يكن تاريخ ما ثورة 14 تموز 1958 نقيّاً كلّه، كان فيه ثغرات ونواقص. لكن لم يكن كله أخطاء وكوارث. لكننا بعد عام 1958 ، قررنا الغاء كل مقايس العقل ، ولم تعد هناك اصول وقواعد للحكم ، بل تحولت الدولة الى مايكرفونات تحشد الناس في المناسبات
اليوم كلما واجهتنا مصيبة ندير ظهرنا الى الوراء ونتساءل: ماذا لو قدِّر للدولة العراقية ان تتطور، ماذا لو تحلى ساستنا ومسؤولينا بشيء من طيبة توفيق السويدي وعصامية صالح جبر ووطنية محمد الصدر وأخلاق عبد الوهاب مرجان وعلي جودت الايوبي ، ونزاهة فيصل الثاني ؟ .
جاء هنري كسينجر إلى أميركا صبياً ولم يصبح مواطناً أميركياً، إلا بعد أن بلغ الثامنة عشرة من عمره ، لكنّ هذا لم يمنع البيت الأبيض من أن يسلّم مفاتيح سياسته الخارجية بيد هذا الألماني القصير القامة، بعد كسينجر حملت البولونية أولبرايت هموم الخارجية الأميركية، فيما سُلّم للأفغاني زلماي خليل ملف الامن الخارجي .
ولا أريد أن أُذكّر جنابكم الكريم بأن الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي ابن مهاجر من المجر، ولم تقم قائمة الإعلام ولا الفضائيات حين قالت الحاجة الكينية سارة عمر، جدة الرئيس الأميركي السابق أوباما: اللهمّ أدخل حفيدي أوباما الإسلام .وقد جعلت فرنسا ماكرون ، البلجيكية فرانسواز نيسين وزيرة للثقافة من دون أن تسألها هل تحب الادب الفرنسي ام البلجيكي .
هل يعقل ياسادة بعد 59 عاما من البيانات الثورية أن نقول ان نوري سعيد لاوجود لاسمه في سجلات النفوس العراقية ، وهو الرجل الذي ساهم بتاسيس الدولة العراقية ، وعلى يده دخل العراق كعضو مؤسس لعصبة الامم المتحدة، وبزمنه خاض العراقيون جميعا حروبهم من اجل البناء والرفاهية والإعمار والتعليم، ولم تظهر بعد مهنة قطع الرؤوس وسحل الجثث .وقبل ان يتحول ” المجاهد ” الى ومرتشي وسارق لاموال اليتامى
لماذا وصلنا الى هذه الحال ؟ لأن الماضي يشعرنا بالخجل من أنفسنا. كان يمكن أن يوصلنا تطوير الدولة العراقية إلى نظام مؤسساتي سوي ، وشعب غير مقهور ومشرد .
من كان منكم ضعيف التحمُّل مثلي ، اتمنى عليه ان لايشاهد لقاء حفيدة الباشا ..الكلام مؤلم

أحدث المقالات