تشكل ظاهرة أختيار المرجع وتشخيص الأعلمية في الفكر الشيعي من ألقضايا الخلافية والتي لم يحصل عليها أجماع وهو ما يسبب إرباك في القيادة الشيعية وكثرة مدعين الإجتهاد. فالبرغم من إرجاع التشخيص الى أهل الخبرة في معرفة الأعلم بين الفقهاء وتشخيص المؤهلين منها للإجتهاد، وأنها الطريقة المتبعه في الحوزات منذ زمن طويل ألا أنها لم تستطيع حسم مسألة الأعلمية والإجتهاد بين الفقهاء. فلا “أهل الخبره” أنفسهم معروفين لمن يريد التشخيص ولا الجهة التي تميز أهل الخبرة هي جهة معروف ولا توجد ضوابط واضحة لأختيارهم أو ترشيحهم. كل هذه الأمور تتم عن طريق التزكية والإطمئنان من قبل المراجع أنفسهم ولكل مجتهد أهل خبرة يوثقهم ويثق بهم والمرجع بدوره يوثق ويشخص من قبل أهل خبرة. فتصبح قضية تشخيص أهل الخبرة والمراجع هي قضيه متبادلة بينهم لا غير. ولأن أهل الخبرة ليست جهة منفصلة أو مركز محايد يستطيع أن يكون بمعزل عن أراء المجتهدين الأخرين فتبقى كثير من أختيارات وأراء هؤلاء محل نظر. كما أن عدم وجود درجة علمية ومستوى علمي يجمع عليه المراجع بأنتخاب هؤلاء. فتارة يكونون من أصحاب العلم وتا ره من المجتهدين وبعض الأحيان يكونون من يدانيهم كما هو رأي السيد السيستاني. وكلمة من يدانيهم تصبح مفتوحة لكل من يريد أن يقفز ليشهد وهنا تكثر الأسماء ويدرج الكثير ممن ليس لهم حظ في التحصيل العلمي أو من هم بدرجة متدنية في الدرس الحوزوي. ثم كيف ذلك وأهل الخبرة هم أنفسهم مختلفين بين هذا المجتهد وذاك المرجع؟
أكثر من خمسة عشر مجتهد كل منهم لديه أهل الخبرة الذين يشهدون بأعلميته. ولا أرى أوضح دليل من عدم أتفاقهم وعدم أجتماعم في مرجع واحد على بطلان أكثرهم أو بطلان الطريقة التي يتم بها معرفة الأعلم. وإذا ضربنا الأمثلة بالأسماء فأهل الخبرة الذين هم مع السيد محمد سعيد الحكيم ماذا يختلفون عن أهل الخبرة الذين مع السيد السيستاني؟ ثم هل للعدد في أهل الخبرة ترجيح في أختيار المرجع؟ وكم يحتاج المرجع من أهل الخبرة لكي يستطيع أن يثبت وجوده؟ ثم ماهو الحل إذا تعارضت شهادات المجتهدين أو أهل الخبرة فيما بينهم؟
فأهل الخبرة الذي يستطيعون تشخيص الاجتهاد-حسب رأي السيد السيستاني- هم المجتهدون أو من يدانيهم في العلم ( مجموع الإستفتاءات: ۱۱ ). وكونهم مجتهدون فلن يحل القضية لأن أجتهاد أهل الخبرة محتاج الى نفس الطريقة للإثبات. وسوف يستمر التسلسل بموضوع معرفتهم ويبقى الباحث عن الأعلم والمجتهد في دوامة. فكلما جاء أهل خبرة ليثبتوا أعلمية أو إجتهاد مجتهد أحتاجوا أنفسهم الى أثبات أجتهادهم وهنا يتولد سؤال من يثبت أجتهاد وعلم أهل الخبرة أنفسهم؟
المشهور بين فقهاء الشيعة شهادة عدلين ولكن قد تكفي شهادة عدل واحد كما يذهب الى ذلك السيد السيستاني حول طريقة أثبات الاجتهاد فيقول يثبت الاجتهاد، أو الأعلمية بأحد أمور: شهادة عادلين بها – والعدالة هي الاستقامة العملية في جادة الشريعة المقدسة الناشئة غالباً عن خوف راسخ في النفس وينافيها ترك واجب أو فعل حرام من دون مؤمن – ويعتبر في شهادة العدلين أن يكونا من أهل الخبرة، وان لا يعارضها شهادة مثلها بالخلاف، ولا يبعد ثبوتهما بشهادة من يثق به من أهل الخبرة وان كان واحداً، ومع التعارض يؤخذ بقول من كان منهما أكثر خبرة بحدٍ يوجب صرف الريبة الحاصلة من العلم بالمخالفة إلى قول غيره.
وإذا دققنا في كلام السيد السيستاني الذي لا يختلف عن كلام أستاذه السيد الخوئي قده سوى أن الأخير يضيف اليها الشياع العلمي وهو رأي مدرسة السيد اليزدي قده صاحب “العروى الوثقى” الذي يعتبر أن معرفة الإجتهاد تتم “بشهادة عدلين من أهل الخبرة إذا لم تكن معارضة بشهادة آخرين من أهل الخبرة ينفيان عنه الاجتهاد”. فالتعارض بين أهل الخبرة مسقط للشهادة. فمن شهد بحقة أثنان من أهل الخبرة وشهد أخر ضده أو بعدم أعلميته وإجتهاده سقطت شهادة أهل الخبرة بحقه. وهذه مشكلة بقيت شاخصه وأن حاول السيد السيستاني في شرحه للعروة الوثقى التغلب عليها من خلال اضافه شرطاً أخر وهو “مع التعارض يؤخذ بقول من كان منهما أكثر خبرة بحدٍ يوجب صرف الريبة الحاصلة من العلم بالمخالفة إلى قول غيره”. يبقى الأمر مختص بمن هم مطلعون على بحوث المرجع أو المجتهد وممن حضر درسه من أصحاب الخبرة. ومن حضر درس المجتهد أو المرجع الفلاني يتعذر حضور درس الأخر في كثير من الحالات. نعم بعضهم يحضر درس لأكثر من مرجع وهذا يستطيع التشخيص بين هذاين المرجعين فقط دون البقية. فكيف إذا كان هنالك أكثر من عشرة مراجع؟
ثم يضيف السيد السيستاني في حالة تعارض شهادات أهل الخبرة وهو ما حادث ويحدث ومع التعارض يؤخذ بقول من كان منهما أكثر خبرة بحدٍ يوجب صرف الريبة الحاصلة من العلم بالمخالفة إلى قول غيره.
فالسيد السيستاني في موضع أخر يقول أن اهل الخبرة لتشخيص الاجتهاد هم المجتهدون او من يدانيهم في العلم أهل الخبرة ( مجموع الإستفتاءات: ۱۱ ) ولا أدري اذا كانوا هؤلاء أهل الخبرة هم بدرجة مجتهد كيف يستطيع الانسان البسيط أن يميز هؤلاء الذين هم أيضا مجتهدين بمعنى أخر أننا لكي نميز المجتهد نحتاج الرجوع الى أهل الخبرة وأهل الخبرة هم مجتهدون أيضاً فكيف نستطيع أن نميز بين أهل الخبرة والأكثر معرفه بينهم لنعود ونستعين بهم لمعرفة المجتهد؟؟؟؟
هذه حالة مربكه تبقى الأنسان في دائرة من الحيرة واللبس ولا يستطيع أن يصل الى حل. فمن كان من أهل الخبرة فهو مجتهد ومن هو من أكثر خبرة فهو من المجتهدين اللامعين ثم كيف يستطيع أحد معرفة أجتهاد هؤلاء أهل الخبره أنفسهم؟ أليس يتطلب الأمر العودة الى أهل خبرة أخرين؟؟؟ فمسألة كون الذي من أهل الخبرة هو يزيد من تعقيد مسألة التشخيص لا يسهلها لأنه هو نفسهُ مُحتاج الى من يشخصه ويعرف أنه من المجتهدين.
إذاً كان فأهل الخبرة لا يمكن أن يحسموا الأمر والدليل أنهم لم يشهدوا أو يجمعوا على شخصيه واحده. كيف وهم أنفسهم مختلفين في أنتمائتهم وميولهم. فمنهم من يؤمن بالولاية المطلقة “ولاية الفقيه” ومنهم من يكون من يؤمن بالواية الخاصة . وهذا ربما يفسر سبب عدم أعتراف بعض المدارس بمراجع المدارس الأخرى كما هو حال المدرسة الإحسائيه (ألشيخيه) الذين لا يتفقون مع مراجع المدرسة الأصولية.
تصل مرحلة التعقيد مع السيد كمال الحيدري الذي يطرح على أهل الخبره أن تكون شهادتهم مرهونه بمعرفتهم بالدين لا فقط الحلال والحرام. فأهل الخبرة –حسب رأي السيد الحيدري- يجب أن يملكوا دراية شمولية ونظرة تصديقية لعموم المعارف الدينية. ورغم أن السيد الحيدري يوسع دائرة معرفة أهل الخبرة عندما يشترط أن يكونوا من أهل النظرة العامه في جميع المعارف الدينية ليس فقط في الفقة والأصول كما هو متعارف عليه. وعليه يكون أن أهل الخبرة غير قادرين على تشخيص الأعلم ومعرفة المجتهد لانه “ليس من صلاحية أهل الخبرة بالمفهوم المتعارف للأعلمية ـ والتي تعني الأعلمية في الفقه أو الأصول أو كليهما كما هو مُحرّر في محله ـ أن يشيروا إلى أعلمية الشخص بالمفهوم الذي نختاره في تفسير الأعلمية ونشترطه في مرجع التقليد ـ والذي يعني الأعلمية في جميع المعارف الدينية، لا خصوص مسائل الحلال والحرام ـ؛ فهم ليسوا بأهل خبرة ودراية بهذا المعنى الواسع والشمولي للأعلمية.”
ومن هنا يتضح أن السيد الحيدري وأن كان يقبل بفكرة أهل الخبرة ولكنه يضع شرطاً وهو “أن يملكوا دراية شمولية ونظرة تصديقية لعموم المعارف الدينية”. فبذلك يتعذر توفر أهل الخبرة من الطراز العام الذين أحاطوا بعموم المعارف الدينية كما ويتعذر وجود أهل الخبرة أحاطوا بكل المدارس الفقيه والعقائدية الأخرى. فأهل الخبرة في مدرسة ولاية الفقيه لا يستطيعون أن يقيموا المدرسة الأصولية وكذلك من هم في الأصولية لا يستطيعون أن يشخصوا الأعلم في مدرسة المرجعية الشاملة التي يقول بها ألسيد كمال الحيدري.
هنالك بعض الأدلة والرويات تشير الى تعذر على أهل الخبرة حتى عصر الغيبة الصغرى في معرفة الأعلم
حيث ينقل الدكتور فاضل المالكي في كتابه “الغيبة الصغرى والسفراء الأربعة” رواية يرويها شيخ الطائفة أعلى الله مقامه الشريف في كتاب الغيبة عن جعفر بن أحمد بن متيل ـ من وجوه الشيعة ومن أعلامهم ـ يقول:
كنت عند رأس محمد بن عثمان بن سعيد ـ يعني النائب الثاني للامام المهدي سلام الله عليه في الغيبة الصغرى ـ وكان أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي عند رجليه، وكان جعفر بن أحمد أقرب الناس لمحمد بن عثمان، وكان مستودع سرّه، وكان الناس إذا جلسوا يرشحون هذا الرجل ـ جعفر بن أحمد ـ أن يكون هو النائب الثالث.
ثم يضيف الشيخ فاضل المالكي “يعني كان السائد في الاجواء حتى في أجواء الحوزة آنذاك أنّ النائب الثالث هو جعفر بن أحمد بن متيل، رجل له هكذا مقام علمي وله هكذا مركز في جو الحوزة العلمية ويقول: أنا كنت عند رأس محمد ابن عثمان وكان ابو القاسم الحسين بن روح النوبختي عند رجليه.
وإذا به في آخر ساعة من ساعات حياته يلتفت ويقول: يا جعفر أمرت أن أوصي من بعدي للحسين بن روح لابي القاسم.
يقول شيخ الطائفة: فقام جعفر بكل أدب وامتثال وأخذ بيدي الحسين بن روح وأجلسه عند رأس محمد بن عثمان وجلس هو عند رجليه أنتهى كلام الدكتور فاضل المالكي. والرواية تدل على أن مسألة تشخيص الأعلم بالنسبة لمن يطلق عليهم “أهل الخبرة” كانت شبه مستحيلة فأصحاب نائب الإمام الثاني محمد بن عثمان بن سعيد وخواصه لم يستطيعوا تشخيص الأعلم أو الأكفأ فكيف بحال من يعيش عصر الغيبة الكبرى وقد وصل الأمر إلى هذه الحالة من التجهيل والمحسوبية.
نعم كانت فكرة الإعتماد على أصحاب الخبرة في فترة من الفترات ونتيجة الظروف القاهره على الشيعة جعلت تعذر وصولهم الى مراجعهم والإطلاع على أبحاثهم. عندما كان الوعي لدى الحواضر وبين أبناء الطائفه شبه معدوم وعدم وجود المقدرة على التشخيص. وما يؤيد أن أهل الخبرة في مدرسة ولاية الفقية غير مقبولين عن مدرسة الولاية الخاصة أن الأخير لا يأخذون بشهادات مجتهدين قالوا بأعلمية السيد الخامنائي ومنهم على سبيل المثال لا الحصر آية اللَّه السيد جعفر الحسيني الكريمي ، وهو من تلاميذ الخوئي وحضر درسه لأكثر من 24 سنه. آية اللَّه الشيخ أحمد جنتي، آية اللَّه الشيخ محمد اليزدي، آية اللَّه الشيخ محمد علي التسخيري.
تبقى هنالك طريقة طرحها الشيخ كاشف الغطاء قده سره في كتابه الفردوس الأعلى حول تقليد الأعلم وانه لا يتم بالشياع لانه غالباً ما تتدخل الأغراض السياسية الفاسدة في مسألة الأختيار يقول الشيخ كاشف الغطاء “أن الطريقة الأمامية في تعين من له أحقية المرجعية منذ زمن الشيخ المفيد الى زمن الشيخ الأنصاري رضوان الله عليهما هي النظر الى مقدار انتاجه وكثرة مؤلفاته وعظيم خدماته للشرع وللإسلام ومساعيه في صيانه الحوزة والذب عنها لا ببذل المال بكثرة الدعايات الناشئه من المطامع والأغراض أعاذنا الله وعصمنا من كل سؤء. أنتهى كلام كاشف الغطاء. فإذا كانوا لا يؤلفون وليس لهم محاضرات يطلع عليها العامه والخاصه ولا توجد لديهم بحوث منشورة فكيف استطاع أهل الخبرة من تشخيص أعلميتهم وقياس مدى علمهم مع الأخرين؟؟
[email protected]