22 نوفمبر، 2024 6:55 م
Search
Close this search box.

ألحلّاج- ألصوفي وألشهيد

ألحلّاج- ألصوفي وألشهيد

((ألقرآن، كما ألتوراة وألإنجيل، كلمات لم تكشف عن سر ألنبوة.. هذا إذا كانت في حقيقتها معنيَّة بموضوع ألكشف. ولذلك لا أليهود يعرفون، ولا ألمسيحيون ولا ألمسلمون، معنى ألنبوة..
لو كان اليهود يعرفون معنى أنّ ألنبوة تشرّد، لما صلبوا يسوع ألمسيح. ولو عرف ألمسيحيون أنّ كون ألنبوات عظيمة لا تتعارض مع احتوائها على ألجريمة، لما أعرضوا عن نبوّة محمّد. ولو عرف ألمسلمون معنى أنّ النبوة باب لا يحق لأحد إغلاقه، لما كذَّبوا ألحلّاج ومن ثم صلبوه))….. سعدون محسن ضمد- من إعترافات آخر متصوفة بغداد.

ولد ألحلّاج (حسين بن منصور) في سنة 244 هجرية في ألجنوب ألغربي من إيران وتلّقى تعليمه من معلمين روحيين قبل أن يلتقي في بغداد، مع ألشيخ ألشهير ألجنيد ويصبح تلميذه في سنة 274 هجرية.

حجّ ألحلّاج إلى مكّة حيث مارس ألصوم وألصمت وعرف أنتشاءاته ألصوفية ألأولى:”مزجت روحي بروحه مثل مزج ألمسك بألعنبر وألخمر مع ألماء ألزلال”.

بعودته من ألحج، أبعد من قبل ألشيخ ألجنيد، وقطع ألعلاقات مع غالبية ألصوفيين في بغداد، وترك مدينة بغداد خلال تلك ألسنة.

عندما بدأ ألحلّاج تبشيره ألسياسي فيما بعد، لم يثر ألتقليديين فحسب، وإنّما أثار ألصوفيين أيضا وهؤلاء أتهموه بكشف (ألأسرار) لغير ألمتلقين، وقد أتهم كذلك بصنع ألمعجزات كألأنبياء وذلك لمعارضة شيوخ آخرين لم يظهروا قدراتهم إلّا للمتلقين، وعندئذ طرح ألحلّاج ثياب ألتصوّف، لكي يختلط بحرية مع ألشعب.

أكمل ألحلّاج حجه ألثاني مصحوبا ب 400 من تلامذته في سنة 291 هجرية، وذهب بعدئذ في سفرة طويلة إلى ألهند وتركستان ووصل حتى حدود ألصين.

بعد ألحج ألثالث لمكّة، حيث بقي في مكّة سنتين، أستقر ألحلّاج نهائيا في بغداد وذلك في سنة 294 هجرية ونذر نفسه للتبشير ألعلني ( أنظر كتاب عشق ألحلّاج .. للمؤلف ماسينون) وأعلن أنّ ألهدف ألكامل لكل كائن بشري هو ألإتحاد ألصوفي مع ألله، ألمنجز بألحب (ألعشق)، وفي هذا ألإتحاد يتم تقديس وتأليه أفعال ألمؤمنين.

في حالة وجد تلفظ ألحلّاج بألكلمات ألشهيرة “أنا ألحقيقة = (ألله) – وألتي سببت له ألإدانة. وهذه ألمرّة، أثار ألحلّاج فقهاء ألشريعة ووحدهم ضده وهؤلاء أتهموه بألإلحاد، وكذلك أثار ألسياسيين، ألذين أتهموه بإثارة ألأضطراب في ألمجتمع، وأثار ألصوفيين أيضا.

مما يدعو للدهشة هو رغبة ألحلّاج بأن يموت ملعونا (أراد ألحلّاج تحريض ألمؤمنين لإنهاء هذه ألفضيحة لإنسان يتجاسر بألقول أنّه توحد مع ألألوهية ليقتلوه، وهتف في ألمؤمنين في ألجامع ألمنصور:

“إنّ ألله أحلّ لكم دمي: فأقتلوني… لا يوجد واجب في ألكون بالنسبة للمسلمين أكثر من إماتتي”.

إنّ هذا ألتصرف ألغريب من ألحلّاج يذكّر بألملاماتية (ألملاماتية هم ألذين لم يظهر على ظواهرهم مما في بطونهم أثر ألبتة)، والملاماتية هم جماعة من ألحالمين ألذين من أجل عشقهم لله، بحثوا عن الملامة من رفاقهم، هم لم يرتدوا لباس التصوف، وتعلموا إخفاء تجاربهم ألصوفية، وما هو أكثر من ذلك، حرضوا ألمؤمنين، بسلوكهم ألمنحرف وألكافر بشكل واضح (دفعت  إزدراء بعض مجموعات ألملاماتية للمعايير إلى تطبيق ألتهتك)، وهذه ألظاهرة كانت من جهة أخرى معروفة عند بعض ألرهبان ألمسيحيين في الشرق بدءا من ألقرن السادس ألميلادي ولها مثيلاتها في ألهند ألشمالية.

في سنة 301 هجرية أوقف ألحلّاج وأودع ألسجن لمدة تسعة أعوام ثمّ أعدم في سنة 309 هجرية، وقد روى بعض ألشهود أنّهم سمعوا هذه الكلمات ألأخيرة من هذا ألمعذّب:

“إنّ ما يحسب بألنسبة للإنتشائي هو أنّ ألواحد يرجعه للوحدة”.

إنّ أعمال ألحلّاج ألمكتوبة قد حفظ قسم منه فقط، كمقاطع من تفسير ألقرآن، وبعض ألرسائل، وعدد من ألحكم وألقصائد، وكتاب صغير (كتاب ألطواسين) ويعالج ألحلّاج فيه ألوحدة ألألهية وعلم ألنبوة، وألقصائد مشبعة بحنين حاد للإتحاد ألكامل بألله، ونصادف أحيانا عبارات مستعارة من ألعمل ألكيميائي أو ألرجوع للمعنى ألسري للأحرف ألهجائية ألعربية.

ومن كل هذه ألنصوص ومن بعض ألشهادات، ألتي أحصاها ونشرها وحللها بطريقة وافية لويس ماسينون، يستخلص سلامة إيمان ألحلّاج وتمجيده للرسول محمّد.

إنّ طريقة ألحلّاج لا ترمي لتحطيم ألشخصية البشرية، إلّا أنّه بحث عن ألمعاناة بهدف معرفة “ألحب ألمشبوب بألعاطفة” أي ألعشق وبألنتيجة معرفة جوهر ألله وسر ألخليقة.

إنّ عبارة ألحلّاج “أنا ألحقيقة” لا تقتضي ألإلحاد، مطلقا (كما أتهمه بعضهم بذلك)، لأنّ ألحلّاج أشار دوما لتصاعد ألله، وأنّه في تجارب وجدية نادرة فقط، تستطيع روح ألمخلوق أن تكون موحدة مع ألله (تيولوجيا ألحلّاج حللت من قبل ماسينون بتولوجيا صوفية عقائدية).

إنّ مفهوم (ألأتحاد ألمتحوّل) ألمعلن من قبل ألحلّاج جرى تلخيصه بدقة من قبل لاهوتي خصم رغم تقديمه له بنية سيئة، فبحسب قول هذا أللاهوتي:

 “إنّ ألحلّاج قال: إنّ ألذي يروّض جسده بإطاعة ألشعائر يشغل قلبه بأعمال فارغة، ويعاني من ألحرمان من أللذات ويمتلك روحه بألإمتناع عن ألرغبات- سيرتفع بنفسه هكذا حتى محطة (أولئك ألمقربين من ألله).

وتبعا لذلك لا يتوقف عن هبوط درجات ألمسافات، حتى تصبح طبيعته مطّهرة من كل ما هو جسدي، ومن ثمّ تنزل به هذه ألروح من ألله، ألتي منها ولد يسوع، أبن مريم، وعندئذ يصبح:

(ذلك ألذي يطيعه كل شيء، أي مطاع، إنّه لا يريد شيئا سوى ما يضعه أمر الله موضع ألتنفيذ، فكل تصرّف منه منذئذ هو تصرّف ألله، وكل أمر منه هو امر ألله”.

بعد إستشهاد ألحلّاج، لم تكف قداسته عن ألتنامي في كل مكان من ألعالم ألإسلامي، كذلك فإنّ تأثيره على ألصوفيين وعلى بعض ألعلوم ألدينية ألصوفية كان مهما جدا.

مصادر البحث:

تأريخ ألمعتقدات وألأفكار ألدينية…… ميرسيا إلياد- ألمترجم: ألمحامي عبدألهادي عباس

أعترافات آخر متصوفة بغداد…..سعدون محسن ضمد- سلسلة مقالات منشورة في ألحوار ألمتمدن

 

أحدث المقالات