23 ديسمبر، 2024 2:14 م

عنفوان الاسم يدل على ألمعنى ، ويغدو البحث عن المعنى اللغوي والاصطلاحي للكَلِمه بمثابة لغو وترف .هكذا هي البصره طوال التاريخ ، منذ أن بنيت عام 636 ميلادي في عهد الخليفه الراشدي عمر بن الخطاب وتولي عتبه بن غزوان الولايه الاولى فيها . ألمفارقه تكمن في أن الغرض من بِنائها في حينها كان لااكثر من أنها ستصبح معسكراً للجنود الاسلاميين وعوائلهم لتيسيير توجههم فيما بعد إلى مايسمى بالفتوحات الاسلاميه .
بمعنى أن قَدر البصره كان إن تضحى حظيره لمخلفات الجنود ” الفاتحين” . ولكن التاريخ شاء ان تكون وتضحى غير ذلك . أبت البصره ان تكون هكذا مركونه في الهامش . تكونت وتطورت فإستطالت عبر تاريخها في العمق ، في الطول وفي العرض . كانت أم حنون ، ومَحضنه لإنجاب شخصيات من أمثال إبن ألهيثم ، ألفرزدق ، ألجاحظ ، سيبويه ، ألخليل ألفراهيدي ، بشّار بن بُرد ، بدر شاكر ألسياب ومحمود ألبريكان … والقائمه طويله .
لنلقي الضوء قليلاً على بعضٍ من أسماء ولاتها والقائمين بأمرها : عتبه بن غزوان ، ألمغيره بن شعبه ،أبو موسى ألاشعري ، عثمان بن حنيف ، زياد إبن أبي سفيان ، عبيد ألله بن زياد ( هو ذاته قاتل ألإمام ألحسين ) ، مصعب بن ألزبير ، ألحجاج بن يوسف ألثقفي ( هو عينه ألخليفه ألسّفاح ) ، ناجي ألمعلّه ، محمد محجوب ( قتله صدام فيما سُميّ بالمؤامره على ألثوره عام 1979 ) ، سعدي عياش عريم ( هو ذاته ألذي كان يحلو له أن يتمشّى في ألامسيات على شاطئ ألكورنيش متمنطقاً مسدسّه ويتبعه شرطي ألحراسه ذي ألملامح ألسوداء ) …
 ألمفارقه تكمن في أن لاأحد من هؤلاء ينحدر من أهل ألبصره بعينها !!  وكأني بها ، أي ألبصره ، فردوسٌ فاقدٌ  لِضيائه . لماذا ؟ ولِمَ ؟ . ذلك شجون حديث ليس فضائه وجوّه ألآن . حسبي أن أقول أن ألبصره ظُلِمت عبر ألتاريخ ، وكإني بهذا ألتاريخ ، كالغول ، كان بالمرصاد لهذه ألجوهره في أن لايكون لها باع في ألشأن ألسياسي ، وفي ألتحكم بمقدرات ومعيشة سكانها ألبصريين لنتمعن في هذه ألمظلوميه ببضع معايير . بداهةً فإن هذه ألمقاله لاتتسع ولايُراد لها أن تتضمن أرقام إحصائيه عن فترات ألجور ألتي عانت وتعاني منها ألبصره حتى ألآونه ، ولكن لنقف عند مايلي : الخلل كان على الدوام قائماً بين مساهمة البصره ، كمحافظه ومنتج رئسي للنفط وبين حصتها من الموارد في
الموازنه الحكوميه المركزيه . ويبرز هذا الخلل بشكل نافِر بالأخذ في ألإعتبار ، في التحليل الإقتصادي ألكمي ،
ألتناسب ألسكاني لأهل ألبصره مع سكان ألعراق ككل .
البصره على الدوام أضحى متوسط الدخل الفردي فيها في مجمل الدخل القومي هو الادنى بالمقايسه مع ذات الدخل في جُلٍ من المحافظات الاخرى .
 +  البصره على الدوام كانت ولا تزال نسبة البطاله لشبابها ومن هم في سن العمل هي الاعلى على مستوى العراق
 +  البصره على الدوام على مستوى الخدمات البلديه والصرف الصحي والخدمات الصحيه والعلاجيه هي الازرأ في العراق .
 +  البصره على الدوام على مستوى التعليم لأبنائها هي الاسوأ على مستوى العراق من ناحية توفر المدارس ودور حضانة الاطفال .
 +  البصره على الدوام ملجأ آمن للبطاله والتسكع والشرذمه الاجتماعيه لهوامش الريف البصري .       
 +  بيد ان البصره على الدوام كانت ولاتزال البئر النفطي الاكبر للعراق ، من حيث الانتاج ومن حيث الاحتياطي ألمؤكد ( حقل مجنون مِثالاً ) . البصره اليوم تُريد برغبة وبإرادة مواطنيها ان يكون لها شأن تستحقه في العمل الوطني ، تريد ان تضحى إقليماً ضمن العراق الفدرالي الموحد . لِمَ لا ؟ ماالضير في ذلك ؟ الاقليم يعني صيغه متقدمه لنظام إداري وإقتصادي وسياسي ، بحدود صلاحيات دستور الدوله المركزيه ، يتمتع فيه بإمكانات رحبه في إدارة الشؤون الحياتيه اليوميه لسكان الاقليم ، دون ان يعني ذلك الانفصال عن الدوله المركزيه . هي وحده فدراليه ومسؤوليه يكفلها الدستور . الاقليم يعني مسؤوليته المباشره عن التمويل الذاتي لنفقاته ( بالتناسب  مع مساهمته الماليه في الموازنه العامه للدوله ) والإداره وشؤون الامن . هو ليس إنفصالاً أو خرقاً يمس الوحده الترابيه للوطن . الاقليم ، بمعنى آخر ، شكل متقدم للإداره . هذه إيطاليا فيها عشرين اقليم يتمتع خمسة منها بالحكم الذاتي ، وهذه سويسرا الاتحاديه ، وهذه هولندا حيث تتمتع المقاطعات والبلديات برحابه دسستوريه ـ
تشريعيه في التصرف بمورادها الذاتيه ، والقائمه تطول وتستطيل . إذا كانت السياسه ، كعلم وكمفهوم نظري مجرد ، أو كفعل سياسي ، يومي ، حركي يَتناقض والاخلاق والقيم الانسانيه ، كما لدى مكيافيلي ، فإن ذلك أمر يجد له مايبرره ، أحياناً ، في العلاقه مابين الامم والدول ذات السياد الإعتباريه . بيد إننا نتكلم عن السياسه في الإطار الوطني ، في رحابة الوطن الواحد . هنا لابد أن تحتل القيم والاخلاق والقيم الإنسانيه العليا المرتبه الاولى والإعتبار الاعلى والمعيار الاوحد . في حكم ذلك فان الاعتبارات السياسيه التي تبرّر في أن تكتسب ألبصره الحق التشريعي لكيما تضحى إقليماً لها مايبررها وما يزيدها متانةً ومنعةً في مفهوم ومنطق القاعده الدستوريه . ثمةّ إضافه إلى ذلك ماأود أن أخرجه من عتمة الظلام إلى رحابة الضوء . أعني بذلك حقيقة ذلك الظلم الذي شرنقَ البصره ولا يزال  سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً . ألظُلم والمهضوميه إنما تؤسِّس لحقوق إستثنائيه للمظلوم .
البصره لاتطلب ذلك . هي تُريد حقها ، لاأكثر ولكن لاأقل . ولكن ثمة من لايريد ذلك ومن بينهم من أصحاب الحل والعقد . عجباً ، سائلتُ نفسي ، هل هي جهاله في علم السياسه ، أم أُميّه في علم التاريخ ، أم هي لاأكثر من  خِزي مصالح في الفعل السياسي .  سامحوني أُريد أن أعرف من أنتم !  أعني أنتم الذين لاهم لديكم سوى أن تُقزِموا البصره ، وهي لجهالتكم تآبى ، وستآبى ذلك 
عجباً أيُراد أن يظل تاريخ الظلم والرداءه هذا بكل ثقله واوزاره جاثماً على صدر البصره وأبنائها . ولماذا يُسلب من البصره ، جوهرة التاريخ والجغرافيا ، حق التصرف بمورادها الذاتيه ، وحق مضاعفة تعليم اطفالها وردم مستنقعاتها التي تعشش حتى اللحظه بالوباء .
البصره ليست طفل أنابيب ، وهي بالتأكيد ليست في غيبوبة مفاهيم حول مفهوم المواطنه . هي الوطن الام ، وهي العراق بكل أطيافه ، وهي العراق بكل تألُقه وشيمائه  . البصره هي ألتَرادُفيه بين الجمال وغسق ألمحبه والتفاؤل والطيبه و ” البَلَم العَشّاري “. وهي في غاية البعد عن السفسطه ولغو المقال  . هي بنخيلها الباسقات سيدة
  الشجر ، وهي في أُمسياتها ألغُر نغم السحر . هي بحلاوة نهرخوزها سيدة الحلوى ، وهي في مَذاق تمرها البرحي تتجوهّر وتُستَعلى . في إرتماس نهرها ، تتطهر القلوب وفي لهيب حرّها سجو حنين . مفعمةٌ دوماً بالهدوء واللارهبه ، نورها غاسق ، وفاكهتها ألطيبه في تذوق جمال ألخليقه . لاتماهي عندها بين الكرامة والشجاعه، بين الصدق والإخلاص ، بين الوطنيه والفِداء ، بين العُتم والمظلوميه . هي ، البصره ، على إمتداد تأريخها تُقَدِم ولا تأخذ ، تَبذل ولا تَستعطي . هي ، البصره ، كبعير الصحراء يُصفِد دمه ماءً لراعيه عند العطش .
وإذا كانت أوربا قد صنعها التاريخ ، وأمريكا صنعتها ألفلسفه ، كما يُقال ، فإن البصره كَونتها الطيبه والخُلق.  حاشا للبصره أن تطلب مكرمه أو مِنّه من أحد. يكفيها أنها بخيراتها تُعيل ألعراق كله ، وهي في ذلك أُم ألمكارم  ولكنها ، بذات الوقت لايكسوها غرر المباهاة أو ألتباهي ، فهي أُم لكل العراقيين . وهي إذ تقدم أضرعها وخيراتها إنما توكيد صميم على ان لافرق في المواطنه لديها بين إبن تكريت أو سامراء أو أربيل أو ألاعظميه على مواطنيها  في أبو ألخصيب أو نهرخوز أو الزبير . تكفيها أمطار الحب والود والطمأنينه التي تشيعها طوال تاريخها .
  أمطار ، مايزال صدى هطولها الميمون في جيكور له وقع السنى . من لايلثم عِبقَ نخلها ألبرحي فهو متذوق جاهل لأبجدية ألطعام ومن لايعرف حلاوة نهرخوز فهو يتيم جاهلي في لائحة الدول ألمعوجّه .
البصره : ألسِر يكمن هل في نقائها ، أم في طيبتها ، أم في فضاءات جمالها ؟ لاأحد يعرف . لا ، الذي يعرف هو ذلك الفلاح البصري القابع في بساتين أبو ألخصيب أو ألسيبه أو نهرخوز ، تُضلّله أشجار نخيل البرحي والسعمران،والذي تَواً سَيرتَشِف من التُرع الماء المُطهّر من شط العرب مُتوظِئاً ومستعداً لصلاة الظهر . الذي يعرف ذلك هو شاكر محمود ، ذلك الوجه البصري ذي السحنه البيضاء ، الذي كانت كل آثامه الحياتيه مُتبضعه في إنشودة حب الخير والمستقبل السعيد للعراق في وطن حر وشعب سعيد . الذي يعرف ذلك هو محمود البريكان ، ذلك الشاعر البويهيمي طوال حياته ، والذي عن حُسن نيه سوف لن يعرف أبداً من الذي قتله ولماذا ؟ ربما لأنه أوغَل في حُب البصره ! الذي يعرف هو هِندال جادر ” أبو عيدان” ، ذلك الحمّال ، الذي كان كل همه أن يتخفّف من ثقلِ آلام ظهره والتوجه سراعاً في درب النضال . الذي يعرف هو …………  بيد ان الذي لايعرف ، هو الذي أحكم نفسه وذاته في شَرنقة الشوفينيه والعنصريه والعُتّم . الذي لايعرف هو الذي يَسبي العِفاف في سنجار من الأيزيديين ، أبناء العراق الأُصلاء . الذي لايعرف هم بقايا البعث العفلقي من شرذمه وقبح سياسي . البصره ترفض ان تكون في الهامش في وطنها ، هي تريد الحراك الاقتصادي ، الذي من شأنه الإرتقاء بمستوى معيشة مواطنيها إلى مديات الكرامه الإنسانيه . ولا مِنّة من أحد في ذلك .
  أنا واثق ومؤمن حد المطلق في أن تتمكن أالبصره من أن تنهض مجدداً وتحقق ماتصبوا إليه في أن تضحى إقليماً سيادياً في إطار العراق الفدرالي المُوحّد .