إنّ ألصوفية تمثّل ألبعد ألصوفي للإسلام ألأكثر بروزا وهي واحدة من أكثر ألتقاليد أهمية للباطنية ألإسلامية. إنّ ألإشتقاق أللغوي للإسم ألعربي (صوفي) يبدو مشتقا من ألصوف، إشارة لرداء ألصوف ألذي يرتديه ألمتصوفون. وقد أنتشر هذا ألمصطلح بدءا من ألقرن ألثالث ألهجري (ألتاسع ميلادي).
حسب ألتقليد ألإسلامي ، فإنّ ألأسلاف ألروحانيين للصوفية كانوا من صحابة محمّد، وعلى سبيل ألمثال سلمان ألفارسي، ألحلّاق ألفارسي ألذي سكن منزل ألرسول وأصبح نموذج ألتبني ألروحي وألمسارة ألصوفية، ووايس ألكاراني ألذي أثنى ألنبي محمّد على ورعه.
لا يعرف سوى ألقليل عن ألإتجاهات ألتنسكية في ألإسلام (في ألقرن ألثالث للهجرة، كانت أغلبية ألصوفيين متزوجين وبعد قرنين أصبح ألمتزوجون قلّة)، ولكنّها تحققت على ألأرجح تحت حكم أسرة ألأمويين. ففي ألواقع أنّ عددا كبيرا من ألمؤمنين خاب أملهم بعدم ألمبالاة ألدينية للخلفاء ألذين شغلهم ألتوسع ألمستمر لإمبراطوريتهم فقط.
إنّ أول صوفي متنسك هو ألحسن ألبصري، ألمولود في سنة 110 هجرية (728 ميلادية) ألمشهور بتقواه وبحزنه ألعميق، لأنّه كان يفكر دائما بيوم ألدينونة، وهناك حالم آخر وهو إبراهيم بن أدهم ألمشهور بتعريفه لمظاهر ألزهد ألثلاثة:
1-ألتنازل عن ألدنيا.
2-سعادة معرفة ترك ألدنيا.
3-ألتحقيق ألتام لترك أهمية ألعالم.
ألصوفية ألمتنسكة ألأخرى هي رابعة ألعدوية، ألمولودة في سنة 185 هجرية (801 ميلادية) وهي أمة (عبدة) أعتقها سيدها، وأدخلت في ألصوفية ألحب المطلق لله وبدون مقابل، فألحبيب لا يجوز أن يفكّر لا في ألجنة ولا في ألنار.
رابعة ألعدوية هي ألأولى بين ألصوفيات ألتي تكلمت عن غيرة ألله: ” يا أملي، يا راحتي، يا سعادتي، إنّ ألقلب لا يستطيع حب واحد آخر غيرك”. لقد أصبحت ألصلاة بألنسبة لرابعة محادثة حب طويلة مع ألله.
وكذلك فإنّ ألإمام جعفر ألصادق واحد من كبار معلمي ألصوفية ألقديمة، عرّف ألتجربة ألصوفية بعبارات حب إلهي: ” نار إلاهية تفترس ألإنسان تماما” ألأمر ألذي يبرهن على ألتضامن بين ألشيعة وأول مظهر للصوفية.
وفي ألواقع، فأنّ ألبعد ألباطني ألإسلامي، ألمميز للشيعة، كان بدئيا متماهيا في ألسنّة مع ألصوفية. وحسب رأي أبن خلدون: ” إنّ ألصوفيين أعتمدوا ألنظريات ألشيعية”. كذلك فإنّ ألشيعة أعتبروا نظرياتهم كمصدر إلهام للصوفية، ويكفي أن يؤخذ في ألحسبان واقعة أنّه في ألقرون ألأولى للإسلام كان من ألصعب ألتدقيق فيما إذا كان ألكاتب سنيا أو شيعيا، وحصل ألإنقطاع بين ألشيعة وألصوفية عندما أدخل بعض معلمي ألصوفية تفسيرا جديدا للتلقين ألروحي وألحب ألإلاهي.
إنّ ألتجارب ألصوفية وألغنوصيات ألتيوصوفية تسربت بصعوبة إلى ألإسلام ألأصولي، فألمسلم لم يجرؤ على إدراك علاقة صميمية وواقعة حب روحي مع ألله. فقد كان يكفيه ألتسليم لله، وإطاعة ألشريعة، وإتمام تعليمات ألقرآن بواسطة ألسنة.
إنّ ألعلماء ألأقوياء بثقافتهم ألدينية ومهارتهم بألإجتهاد، كانوا يعتبرون وكأنّهم ألرؤساء ألدينيون للجماعة. وعليه فإنّ ألصوفيين كانوا بعناد كبير ضد ألعقلانيين، وبألنسبة لهم فإنّ ألمعرفة ألحقيقية ألدينية قد تمّ ألحصول عليها بتجربة شخصية، موصلة لإتحاد مؤقت مع ألله.
إنّ نتائج ألتجربة ألصوفية في نظر علماء ألدين والتفسيرات ألمقدمة من ألصوفية، كانت تهدد حتى أسس ألفقه ألأصولي.
من جهة أخرى فإنّ طريق ألصوفية يقتضي بألضرورة تلامذة مع لزوم تكريسهم وطول تدريبهم من قبل معلّم. إنّ هذه ألعلاقة ألإستثنائية بين ألمعلّم وتلامذته وصلت سريعا لتمجيد ألشيخ وعبادة ألقديسين، وكما كتب ألهجويري: ” إعلم أنّ مبدأ وأساس ألصوفية، ومعرفة ألله، تعتمد على ألقداسة” ( أنظر كتاب كشف ألمحجوب ترجمة نيكلسون).
إنّ هذا ألتجديد أقلق علماء ألدين، ولم يكن هذا فقط لإنّهم رأوا سلطتهم مهددة أو متجاهلة. وبألنسبة للفقهاء ألأصوليين، فإنّ ألصوفيين كانوا متهمين بألهرطقة. وعليه يمكن ألكشف في ألصوفية ألتأثيرات ألتي يمكن أعتبارها كأنّها (نجسة ومدنسة) من ألأفلاطونية ألمحدثة، وألغنوصية وألمانوية.
وبإتهامهم بألهرطقة، فإنّ بعض ألصوفيين- مثل ألمصري (ذي ألنون) ألمولود سنة 245 هجرية (859 ميلادية) وألنوري ألمولود سنة 295 هجرية (907 ميلادية) قد أتهموا أمام ألخليفة، وإنّ ألمعلمين ألكبار كألحلاج وألسهروردي أنتهيا بإضطهادهما وبقتلهما، ألأمر ألذي أكره ألصوفيين لإيصال تجاربهم ومفاهيمهم لتلامذة موثوقين فقط وضمن نطاق ضيق من ألمريدين.
ومع أنّ ألحركة أستمرت بالتصاعد، لأنّها أستجابت لإرضاء الغرائز ألدينية للشعب، غرائز هي في قسم منها مجمدة بألتعليمات ألمجردة وغير ألشخصية للأصوليين، هؤلاء ألشريحة من ألأمة ألإسلامية وجدوا عزاء لهم في ألتقريب ألديني ألأكثر شخصانية وألهيجاني للصوفيين.
في ألواقع وخارج ألتعليم ألتلقيني ألمساري ألمحتفظ به للتلامذة، فإنّ معلمي ألصوفية شجعوا (ألأنغام ألروحانية) ألعامة. فألأناشيد ألدينية، وألموسيقى ألألاتية (ناي ألقصب،صنوج، دفوف وطبول) والرقص ألمقدّس، والترديد ألمستمر لإسم ألله (ذكر) كانت تؤثر في ألشعب أكثر من ألنخبة الروحية.
إنّ ألذكر يشابه صلاة ألمسيحيين ألشرقيين ألتي تحددت بترداد مستمر لإسم ألله أو يسوع.
إنّ تقنية ألذكر معقدة جدا ومشابهة لطريقة من نموذج يوجي ( أوضاع جسدية مميزة، وممارسة للشهيق ومظاهر صبغية ولونية وسمعية….. ألأمر الذي يجعل من ألمسلّم به وجود ألتأثيرات ألهندية.
خلال مجرى ألزمن، ومع بعض ألإسثناءات، فإنّ ألضغط ألممارس من قبل علماء ألدين على ألصوفيين قد زال نهائيا. وحتى ألأكثر عداوة بين ألذين مارسوا ألأضطهاد ضد ألصوفيين، أنتهوا إلى ألإعتراف بألمساهمة ألإستثنائية للصوفيين في ألإنتشار وفي ألتجديد ألروحي للإسلام.
مصادر البحث:
تأريخ ألمعتقدات وألأفكار ألدينية…… ميرسيا إلياد
ألمترجم
ألمحامي: عبدألهادي عباس