كلّما وحيثما اتّجهُ بأتجاهِ وزارة الخارجية , أجدني اتعرّض لإستفزازاتٍ تأريخيةٍ – سيكولوجية من التأريخ الحديث او القريب الذي يقلّ عن مئةِ عام .! , مؤدّى تلكم الإستفزازات يفرزها شعورٌ بتأنيب الضمير حول احداثٍ لا علاقة لي فيها , وكنت صغيراً حينها , وهي تتعلق بنظام الحكم الملكي السابق في العراق , وهو الحكم الذي أسس الدولة العراقية وقام بتجذيرها بكفاءةٍ مشهودة .
تواجهني بنحوٍ يومي في شارع وزارة الخارجية يافطةٌ معدنيةٌ صغيرة مكتوبٌ عليها ” شارع فاضل الجمالي ” , ولعلّ البعض من مواليد بعد الإحتلال او قبله قليلاً لا يدرون اهمية وخلفيات د. فاضل الجمالي – رئيس وزراء العراق في العهد الملكي , وهو من الشخصيات الدولية وهو مفكّر ومؤلف ومناضل , بالرغم مما تعرّض له من حملات التشويه السياسي في بداية العهد الجمهوري الدموي بذريعةٍ سخيفةٍ لإنتمائه للماسونية .! بينما ” رحمه الله ” قد لعب دورا حيوياً حتى في المساعدة على استقلال بعض دول المغرب العربي .
وفي واقع الوقائع والأحداث , فهنالك تداخل ” سلباً وايجاباً ” بين مسألة إعادة الأعتبار للعائلة المالكة , وبين اليافطة الصغيرة المدوّن عليها < شارع فاضل الجمالي > , فأولاً : ليس هكذا يُخلّد الرجل .! وهو اكبر من ذلك بكثيرٍ وكثيرْ , ثمّ أنه ليس أحد اعضاء او افراد العائلة الملكية التي أخترناها عنواناً ورمزاً ينبغي إعادة ترصيعه وازالة الصدأ السياسي – الجمهوري عنه .!
يدرك كلّ الشعب العراقي تفاصيل مجزرة ” قصر الرحاب ” التي جرى فيها تدشين العهد الجمهوري بأعدام العائلة المالكة ” ومعظمهم من النساء والفتيات اللائي كُنَّ بمعية الملك الشاب فيصل الثاني والذي كانت والدته الملكة عالية تضع القرآن الكريم على رأسه , وجميعهم في حالة تسليمٍ واستسلام < ولم يكن النقيب عبد الستار العبوسي لوحده في اطلاق الرصاص واعدام العائلة , بل شارك فيها ايضا ضباط وجنود فوج الرئيس السابق عبد السلام عارف > , وإذ لا سردَ ولا استرسالٍ في تفاصيل غدت معروفة وشهيرة , لكنما التساؤل الأولي هو لماذا يجري تخليد الفقيد فاضل الجمالي بالحدّ الأدنى من الأدنى كأحد رموز الدبلوماسية الملكية العراقية آنذاك , بينما كلّ حكومات العهد الجمهوري ولغاية الآن تتغافل عمداً وغباءً عن تخليد الأسرة الملكية وبشتى السبل والوسائل وبما لا يقتصر على تسمية شوارع وساحات بأسمائهم , ولا حتى بِنُصُبٍ وتماثيل وميدالياتٍ وطوابعٍ , وما الى ذلك , ولماذا لايجري تقديم وكتابة اعتذارٍ عن تلك الأحداث التأريخية , ولأحفاد العائلة المالكة عمّا جرى مما جرى , وسيما لأجيال الشعب العراقي .
وَ , جمهورياً وبتعاقب الحكومات الجمهورية المتضادة مع الحكم الملكي النزيه , فلماذا لم يجرِ استنكار وتقديم اعتذار عن السلوكيات الهوجاء واحكام الأعدام المفرطة التي قام بها العقيد ” فاضل عباس المهداوي ” رئيس محكمة الشعب بعد الأنقلاب على العهد الملكي وهو الموصوف بصاحب اللسان السليط والذي كان موضع التندّر محلياً وعربياً , وهو ايضاً الأداة المتحركة المكشوفة بين اصابع الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم , وهو ابن خالته ايضاً.
منذ 14 تموز 1958 والى الآن إنبثقت في العراق ثقافة سفك الدماء والأعدامات والسحل , وتضاعفت بشكلٍ مهول وجنوني ومتعطشٍ للدم بقدوم واطلالة احزاب الأسلام السياسي التي افرزها عمدا الأحتلال الأمريكي – البريطاني , فماذا يضير ” ومن دون خسائرٍ ماليةٍ ” في تخليد العائلة المالكة والأعتذار من وعن التأريخ الجمهوري .!