يبدو أن المظلومية في عراقنا الجديد في تصاعد مستمر ، وبدأت تأخذ أشكالا متنوعة دون أن تلقى مطالب المظلومين اليسيرة الآذان الصاغية من المسؤولين الحكوميين والنواب البرلمانيين ، الذين تسلقوا على أكتاف البسطاء والفقراء والمعدمين ، ليتربعوا على كراسي البرلمان ، دون أن يحققوا حلما واحدا من أحلام العصافير التي كان يحلم بها أولئك الفقراء ، فالكل منشغل بترتيب أوضاعه المعاشية التي تناسب مركزه الحكومي أو النيابي ، وكما قال أحدهم :
كلمن عرشه
وكلمن لاهي بجيبه وكرشه
والشعب إمدولب ما عنده
يمر إنهـاره .. وما يتغـدّه
ويعبر ليله .. وما يتعـشّه
ومن ينام فاتح عينه … وتابوته املولح يم رمشه
يحجي … يبجي …
انطيتوه اذان الطرشه …
وسائل الأعلام المختلفة تنقل تظاهرات شبه يومية لعمال فصلوا من عملهم لعدم وجود أنتاج في مصانعهم ذاتية التمويل ، موظفين مستمرين في خدمة البلد بدون رواتب لأشهر عدة ، خريجين أفنوا زهرة شبابهم في الدراسة ليحصلوا على شهادات علقوها في صالات بيوتهم ، دون أن يلتفت اليهم أحدا وينتشلهم من حالة الضياع النفسي والفكري الذي يعيشونه ، أرامل تبلغ بأخلاء الدور التي تشغلها تجاوزا ، دون أن يفكر من أصدر أمر التخلية ، أن هذه العائلة ستفترش أرض الله الواسعة وتلتحف السماء.
لقد ماتت المروءة والشهامة في أنفسنا ، وقتلت الرحمة فينا ، فكم من مظلوم يرفع كفيه وهو يناجي ربه ويدعو على من ظلمه ، وكم من دمعة سالت من عين طفلة يتيمة دون أن تتلمس يدا تمسح على رأسها ، وتهدأ من روعها.
في أيام العهد الملكي ، كان الأقطاع متسلطا على رقاب الفلاحين البسطاء ، كان الأقطاعي يستغل الفلاح أبشع أستغلال ، ربما لا يعطيه حتى أجور عمله ، في تلك الأثناء وصلت الأمور عند أحد الفلاحين الى حد لا يطاق ، فالفقر والجوع والبؤس والمرض أخذت من عائلته المسكينة مأخذها ، فتجرأ هذا الفلاح وذهب الى الأقطاعي الذي يعمل في أرضه ، وطالبه بأجوره ، أمتعض الأقطاعي من جرأة الفلاح وبدأ يماطله أياما ، ثم بدأ كلما طالبه الفلاح بأجوره ، يضربه ويهينه ويحتقره ، والفلاح يقول له أريد أن أطعم عائلتي ، أريد أن أعالج ولدي ، والأقطاعي الجشع لا يأبه لقول الفلاح ولا يرق له قلب أو شفقة أو رحمة ، ولم يعره أي أهتمام.
فما كان من بعض الرجال ألا أن نصحوا هذا الفلاح بالذهاب الى المضيف الذي يتردد عليه هذا الأقطاعي ويقص قصته أمام الجميع …
ذهب هذا المسكين الى المضيف ، حيث يلتقي الأقطاعيون وكبار الشيوخ ووجهاء المدينة ، كان الأقطاعي الجشع جالسا بينهم ، فأرتجفت الكلمات من بين شفتيه ولم يستطع أن يتكلم ألا بعبارة واحدة قالها وجميع أوصاله ترتجف خوفا مما ستؤول اليه الأمور ، قال الفلاح ( ألا يوجد بينكم طاهر أبن نجيبة ؟)
التفت الجالسون أحدهم الى الآخر وبدأ الضحكات والقهقهات تتعالى من أرجاء المضيف سخرية بالفلاح و سؤاله.
ثم صاح الجميع : لا يوجد بيننا أحدا بهذا الأسم .
خرج الفلاح عائدا الى بيته ، بينما ظل من كان في المضيف يفكر بكلمات الفلاح ، حتى تنبه أحدهم وقال للحاضرين :
يا جماعة ، الفلاح لم يسأل عن شخص أسمه طاهر أبن نجيبة ، بل كان يقصد رجلا طاهرا ينصفه من الجور الذي وقع عليه ، لقد شتمنا أنفسنا بأنفسنا حينما قلنا له ، لا يوجد أحد بيننا طاهر أبن نجيبة .
فعلى كل مظلومي العراق ، على كل من يتظاهر ويعتصم وينادي ويطالب ، أدعو الله أن يظهر طاهر أبن نجيبه كي يحقق كل ما تطلبون ، فعلى ما يبدو أن طاهر لازال معتكفا حتى أشعار آخر …