-1-
من الخطأ بمكان ، الركون الى ما يقوله السياسيون عن أنفسهم وعن معارضيهم ، لان ذلك كلَّه مصطبغ بألوان ودوافع لا تعنى بالحقائق والوقائع ..!!
-2-
ومن أبرز الأمثلة على ذلك ما جرى بين (نوري السعيد) (ومزاحم أمين الباجه جي ) مطلع عام 1931والمعروف ان الباجه جي { كان من أشد أعضاء “الحزب الوطني” معارضة للوزارة السعيدية } على حد قول الحسني في تاريخ الوزارات العراقية ج3/107
الاّ ان صفحة جديدة من أواصر العلاقة قد برزت للوجود ..!! فسارع (نوري السعيد) الى استحداث منصب (وزارة الاقتصاد) ليسند (للباجه جي) الحقيبة الوزارية الجديدة .
-3-
ومن المفيد ان ننقل هنا الرسالتين المتبادلتين بين الرجلين :
كتب (نوري السعيد) للباجه جي يقول :
” عزيزي ( مزاحم بك ) “
أكتب اليك مستعرضاً ومؤكداً ما وقع بيننا من الأحاديث والمقترحات طيلة الأسبوعين الماضيين .
انني بالرغم مما أوقعته الظروف القاسية ،
وما وَلَدَّهُ سوء التفاهم ،
لم أشعر نحوك في يوم من الأيام الاّ بذلك الشعور الأخوي الذي وحدّنا .
وجعل قبلتنا سويةً في زمن الدولة العثمانية ، انهاض الوطن وتخليص البلاد العربية من المصائب والويلات .
انني كنتُ ولم أزل من المعجبين بآرائك السياسية ، ومبادئك الوطنية والاجتماعية ،
وكنتُ على الدوام أتمنى ان الظروف قد تساعدنا في زمن من الأزمان على جمع الشمل ، بغية الاستفادة من مواهبك، حتى نتعاون في سبيل تحقيق أماني البلاد وآمالها .
يسرني كثيراً أنْ أوكد لك ما قلتُه سابقاً :
إنّ الظروف الحاضرة قد فسحت مجالاً واسعاً للقيام بما نطمع الى تحقيقه من مبادئ، وتقديمه من خدمات الى بلادك، التي هي في أمس الحاجة الى جهودك .
أظنك تتفق معي في أن اهم ما يجب ان تتفرغ اليه وننصرف بكُلّيتنا الى تحقيقه في الآونة الحاضرة هو انعاش هذه البلاد اقتصاديا ،
والاسراع في اتخاذ التدابير اللازمة لذلك ، بانتهاج السياسة الحازمة التي تفاهمنا عليها ،
وتسهيلا لتحقيق هذه الغلبة لقد أحدثنا وزارة الاقتصاد وجمعنا فيها أهم دوائر الانتاج الحكومية .
اني وجدتُ فيك أحسن مَنْ يعهد اليه بتقليد هذه الوزارة، وأرى نفسي سعيداً لأن صاحب الجلالة المعظم يشاركني بهذا الرأي تماماً ، كم تعلم ،
وقد أبدى لك ولي رغبته الأكيده المطاعة في هذا الشأن في فرص متعددة
فلهذا أدعوك أن تعمل برغبة صاحب الجلالة ، وتُسارع الى خدمة وطنك المفدى بتقليد وزارة الاقتصاد .
وثق وتاكد بانني سأكون على الدوام معضداً لك ، ومنفذاً لاقتراحاتك التي لا أشك أنها ستكون أحسن معبر لآرائك السياسية المعروفة في ميادين الاعمال .
الملخص : نوري السعيد “
وهكذا تبخرت بسرعة الغيوم السوداء الداكنة التي كانت تُطبّقُ آفاق العلاقة بين الرجلين ، وتحوّل (نوري السعيد) بمجرد إحساسه أنّ الباجه جي اصطف معه ، الى متحدث بارع في ذكر مناقبه وسماته وايجابياته .. وسارع أيضا الى استحداث منصب وزاري فصلّه على مَقاس ” الباجه جي ” وأَتَمَّ (الطبخة) بمباركة الملك فيصل الأول ..!!
والسؤال الآن :
اذا كان نوري السعيد واثقاً من صحة ما ذكره في رسالته الى ” الباجه جي، من مزاياه، فلماذا كان يحجب هذه الرؤية يوم كان معارِضاً له ؟
لقد كانت تلك المزايا المدّعاة (مطمورةً) يوم كانت العلاقات بين الرجلين مُتَشَنِجَةً متوترة ، وهذا يعني أنَّ الملحوظ أولاً بالذات ” المصالح الذاتية” لا “المصالح الوطنية” التي أطنب السعيد بذكرها في رسالته ..!!
إنّ الحريص على المصالح الوطنية هو من يبادر الى نكران الذات، وتغليب مصلحة الشعب والوطن على كل المصالح الأخرى ..!!
وهكذا نقف وجها لوجه مع احدى صور ألاعيب الساسة المحترفين .
ولم يسع ” الباجه جي ” وقد وصلته هذه الرسالة في الخامس من كانون الثاني 1931 إلا ان يكتب للسعيد مُجيبا فيقول :
” عزيزي صاحب الفخامة نوري باشا السعيد المحترم
بعد التحية :
تشرفت بكتابكم المؤرخ في 5 كانون الثاني /1931 ، وأحطتُ علماً بما احتوى عليه من التأثيرات التي اشكركم عليها .
اني أقبل بدعوتكم نزولاً عند رغبة صاحب الجلالة الملك المعظم الذي تلطف عليّ بها في فرص متعددة ، مُؤَمِلاً من وراء عضدكم – الذي تعضدوني به – أنْ أجد الظروف مساعدة للقيام بما يتطلبه الوطن من خدمات وانها تمكنني من تحقيق مبادئي السياسية والاجتماعية المعروفة.
واقبلوا مني مزيد الاحترام والتعظيم
المخلص : مزاحم الأمين الباجه جي تاريخ الوزارات العراقية /ج3 107-108
مظلوم هذا الوطن ، الذي يجري ذِكْرُهُ على لسان المحترفين السياسيين ويدّعون حُبَّه والاخلاص له ، ولكنهم عمليا لا ينظرون في المقام الأول الاّ الى – مكاسبهم ومصالحهم الذاتية والفئوية والطائفية …!!
-4-
ومن ألاعيب السياسة رفع الاحكام القضائية عن مختلس معروف، كان (للمسؤول التنفيذي المباشر الاول) السابق ملف خاص به، ذكره علانية وعلى رؤوس الاشهاد، يضيف الى الاختلاس صفة اخرى تستهدف ارواح الناس..!!
ان هذه المفردة وحدها تكفينا للدلالة على عمق النزعة النرجسية عند
” المسؤول التنفيذي المباشر الاول ” السابق واستهانته بكل القيم والموازين وبما للسماء والأرض من قوانين …
ومع هذا فالمسموع أنه يحدّث نفسه بالعودة السريعة الى موقعه السابق ودون ذلك لن يكون ..!!
-5-
وما سمّي بمكتب القائد العام للقوات المسلحة ” اباّن الفترة الممتدة من (2006-2014) – والذي تم إلغاؤه من قبل د. حيدر العبادي رئيس مجلس الوزراء الحالي – لم يكن الاّ لعبة سياسية لاجتذاب كبار رجال المؤسسة العسكرية، العراقية وزجهم في قنوات الولاء الشخصي
(للمسؤول التنفيذي المباشر الاول) وضمان اصواتهم واصوات تابعيهم لمن لا يريد التداول السلمي للسلطة على الاطلاق ..!!
ولا يهّم بعد ذلك أنّ يُقدم المكتب على بيع المواقع والمناصب الحسّاسة،
كما لا يهّم أنْ يتضخم عدد الفضائيين الى الدرجة التي يستنزف فيها الثروة الوطنية بشراهة ..!!
وكانت النتيجة أن يشتري (مهدي الغراوي) – حسب اعترافه- الأسلحة من السوق السوداء ..!!
وان تبسط عصابات (داعش) سيطرتها على ثلث أراضينا ، دون مقاومة تُذكر ..!!