23 ديسمبر، 2024 4:50 م

إنّ تاريخ ألكائنات ألعليا ذات ألبنية ألسماوية ذو أهمية رئيسية بألنسبة لمن يريد فهم ألتاريخ ألديني للبشرية في مجملها.
إنّ ألآلهة ألسامية ذات ألبنية ألسماوية تهدف إلى زوال ألعقيدة، إنّها تتباعد عن ألبشر وتنعزل في ألسماء وتصبح آلهة مفارقة، فهذه ألآلهة بعد أن خلقت ألكون وألحياة وألإنسان تشعر “كما يقال” بنوع من ألتعب كما لو أنّ ألمشروع ألضخم لعملية ألخلق أستنفذ طاقاتها، إنّها تنسحب للسماء تاركة على ألأرض أبنها أو خالقا لإكمال تصنيع ألخليقة.

وشيئا فشيئا يؤخذ مكانها بصور إلهية أخرى… فإله ألعاصفة ما يزال يحافظ على بنية سماوية، ولكنه ليس كائنا خالقا أعلى: إنّه ليس سوى مخصّب للأرض وأحيانا مساعدا للأرض ألأم.

إنّ ألكائن ألأعلى من بنية سماوية لا يحافظ على محلّه ألراجح سوى لدى ألشعوب ألرعوية، وهو يحصل على مركز وحيد في ألديانات ذات ألإتجاه ألتوحيدي (آهورا-مازدا في ألديانة ألزرداشتية) أو في ألديانات ألتوحيدية ( يهوه في ألديانة أليهودية) و ( ألله في ألدين ألإسلامي).

إنّ ظاهرة “بعد ” ألإله ألأعلى سبق لها أن تأكدت على مستويات قديمة من ألثقافة، فلدى ألأستراليين من قبيلة كولين، خلق ألكائن ألأعلى بوندجيل ألعالم وألحيوانات وألأشجار وألإنسان، ولكنه بعد أن وهب أبنه ألسلطة على ألأرض، وأبنته ألسلطة على ألسماء، أنسحب بوندجيل من ألعالم وأقام على ألغيوم “كسيّد”: في يده سيف كبير.

وبولوغا ألكائن ألأعلى للأندامنيين أنعزل بعد أن تم له خلق ألعالم وألإنسان ألأول.

إنّ تباعد ألإله  يرافقه ألغياب ألشبه ألكامل للعبادة كألتضحية وألصلاة وعمل ألخير، وبألكاد تبقى بعض ألأعراف ألدينية ألتي مازالت تعيش ذكرى ألإله بولوغا : وعلى سبيل ألمثال ” ألصمت ألمقدّس” للصيادين ألذين يدخلون ألقرية بعد صيد ناجح.

ويجري ألأمر كذلك لدى أكثرية ألشعوب ألافريقية:

فألإله ألسماوي ألأكبر وألكائن ألأعلى خالق وكلي ألقدرة ولا يلعب دور ذات دلالة له في ألحياة ألدينية للقبيلة، إنّه بعيد جدا أو طيّب جدا لتكون له حاجة للعبادة، وهكذا فإنّ أولورون “مالك ألسماء” عند شعوب أليورباس، بعد أن بدأ خلق ألعالم، أناط عناية إكماله وإدارته بإله أدنى، “أوبتالا” وأنسحب بعدئذ نهائيا عن ألقضايا ألأرضية وألبشرية، وليس له معابد، أو تماثيل ولا كهنة ومع ذلك فيتم ألدعاء أليه وألأستعانة به في أثناء ألكوارث.

إنّ نديامبي ألإله للهريوروس بإنعزاله في ألسماء ترك ألبشرية للآلهة ألأدنى منه.

” لماذا نقدّم إليه ألأضحيات ؟ يصرّح أحد ألمواطنين، ليس لنا ما نخافه منه، لأنّه على عكس أرواح موتانا لا يفعل لنا أي شر”.

وألكائن ألأعلى للتومباكاس أكبر جدا من أن يشغل نفسه بألقضايا ألعادية للبشر.

ويقول ألبانتو: ” إنّ ألإله بعد أن خلق ألإنسان لم يشغل به نفسه مطلقا “. ويؤكد ألنيقريل : ” إنّ ألإله قد أبتعد عنا ” وتلّخص شعوب ألفانج في براري أفريقيا ألأستوائية فلسفتها ألدينية في ألنشيد ألآتي:

ألإله نزام في ألأعلى، وألإنسان في ألأدنى

ألإله هو إله، وألإنسان هو إنسان

كل في محله، كل في منزله.

 

في هذه ألديانات ألبدائية، يبدو ألكائن ألسماوي ألأعلى قد فقد تحيينه ألديني، وأنّه غائب عن ألعبادة، وتظهر لنا ألأسطورة أنّه ينعزل عن ألبشر أكثر فأكثر، إلى أن يصبح إلاها مفارقا، وغالبا ما يعاد تذكّره ويدعى في آخر ألمطاف عندما لا تنفع ألدعوات للأرباب وألربات ألأخرى وألأجداد وألشياطين في دفع إحدىألكوارث.

وكما يعبّر ألأوراوون: لقد حاولنا كل شيء، ولكنك أنت موجود عندنا لإغاثتنا. ويضحون له بديك أبيض هاتفين:

” أيها ألإله: أنت خالقنا! كن رحيما بنا “.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مصادر البحث:

ألمقدّس وألمدّنس…… ميرسيا إلياد

ألمترجم

ألمحامي: عبدألهادي عباس