23 ديسمبر، 2024 3:36 م

ألأسينيون في قمران

ألأسينيون في قمران

أثناء ألحرب، في بداية صيف 68 م ، هاجمت فصيلة عسكرية تابعة لفاسباسيان دير قمران ودمرته، وهذا الدير كان قائما في وسط ألصحراء على ضفاف ألبحر ألميت. ومن ألمحتمل، أنّ ألمدافعين عنه قد ذبحوا، ولكنهم وهم على شفير ألكارثة كان لديهم ألوقت لإخفاء عدد معتبر من ألكتابات في آنية كبيرة من ألفخار.

وقد جدد أكتشاف هذه ألجرار في عام 1947 و 1951 معرفتنا بحركات تنبؤية يهودية وبأصول مسيحية. وفي ألواقع، أنّ ألباحثين قد شابهوا في ألحماسة ألرهبانية للبحر ألميت ألمذهب ألغامض للأسينيين ألمعروف حتى ذلك ألحين فقط بألمعلومات ألشحيحة ألتي جاء بها فلافيوس جوزيف وفيلون وبلين لي جون.

إنّ ألتناقض بين مجموعتي ألوثائق – محفوظات قمران – وشهادة ألمؤلفين ألتقليديين تفسر من جهة بألإعلام غير ألكافي للمؤلفين ألتقليديين، ومن جهة أخرى تفسر ألتعقيد لهذا ألمذهب ألرؤوي، إنّ جماعة قمران لا تمثل ألأسينية في مجملها، ويظهر مؤكدا أنّه كان يوجد بؤر أدنويات أسينية في مقاطعات أخرى من فلسطين.

من بين ألمخطوطات ألتي حلت ألغازها وكتبت حتى ألآن يوجد، إلى جانب شروح بعض أسفار العهد ألقديم رسائل أصلية واكثرها اهمية هي “لفيفة حرب أبناء ألنور ضد أبناء ألظلمات”. و”رسالة ألأنتظام” و “مزامير ألشكر” و “ألتقرير حول حبقوق”.

 

بالأستعانة بهذه الوثائق ألجديدة، يمكن إعادة تكوين تاريخ ألمذهب في خطوطه ألعريضة. فقد كان ألحكماء ألهاسيديم ألمتصفين بألحمية ألدينية الذين كان لهم دور في حرب ألمكابيين هم أسلاف هذه الجماعة.

إنّ مؤسس جماعة قمران ألمسمى من قبل تلامذته “معلم ألعدالة” كان كاهنا صدوقيا، منتميا إذن للطبقة ألكهنوتية ألشرعية وأصوليا متطرفا. وعندما تم إعلان سمعان (134- 142 ق.م) “أميرا وكبيرا للكهنة للابد” وتحولت مهمة الكهانة الكبرى بما لا رجعة فيه من ألصدوقيين إلى ألهسمونيين، ترك “معلم ألعدالة” أورشليم مع جماعة من المؤمنين وألتجأ إلى صحراء يهودا، ومن ألمحتمل، أنّ ” الكاهن ألشرير” ألملعون في النصوص القمرانية سيكون سمعان، فقد كان مضطهدا “لمعلم العدالة”  في منفاه وتوجه لمهاجمة قمران، ثم اغتيل من قبل حاكم جرس yericho  ( مكابيين 16:11).

إنّ ظروف موت “معلم ألعدالة” غير معلومة، وقد قدسه تلامذته والمؤمنون به كرسول للرب. وكموسى تماما جعل الحلف القديم ممكنا، وقد جدده “معلم العدالة”، وبتاسيسه للجماعة الأخروية لقمران تقدم ألعهد المسيحاني.                

ومنذ إشهار ألنصوص ألأولى، لاحظ ألإخصائيون مشابهات ذات دلالة بين ألمفاهيم وألممارسات ألأسينية وألمفاهيم وألممارسات المسيحية البدائية.

وبفضل هذه ألوثائق ألجديدة يعرف ألآن ألوسط ألتاريخي وألروحي لمذهب رؤوي يهودي، فألموازيات ألأسينية توضح بعض ألمظاهر لنبؤة يسوع ولعدد من العبارات ألشائع إستعمالها من قبل مؤلفي ألعهد الجديد، ولكنه يوجد ايضا فوارق ليست قليلة ألأهمية.

إنّ جماعة قمران كانت رهبانية متشددة، وإنّ ألمسيحيين ألأوائل عاشوا في ألعالم، وشكلوا جماعة إرسالية، وقد كان المذهبان رؤويان ومسيحانيان كذلك فألأسينيون كالمسيحيين تماما، أعتبروا أنفسهم كشعب العهد الجديد ومسيحيين، ولكنهم أنتظروا نبيا أخرويا (ألذي كان في العهد الجديد قد سبق مجيئه في شخص يوحنا ألمعمدان):

ألمسيح ألكاهن ألذي يقدسهم وألمسيح ألملكي ألذي سيقود إسرائيل في ألحرب ضد المشركين، حرب قرر ألإله نفسه ألنصر فيها.

إنّ “لفيفة حرب أبناء ألنور ضد ابناء ألظلمات” تشكل في الواقع، مخطط معركة لهذا ألإنقلاب ألأخروي.

إنّ تعبئة لمدة ست سنوات سيتبعها تسع وعشرون سنة من ألحرب. وإن جيش أبناء ألنور سيكون مشكلا من ثمانية وعشرين ألف مقاتل مشاة وستين الف فارس، معززين بعدد ضخم من الملائكة. وكان ألمسيحيون ايضا يأملون بمجيء ثان ظافر للمسيح، كقاض، وفادي للعالم، ولكنهم بإتباع تعليمات المسيح، لم يشاركوا بايديولوجيا الحرب ألمقدسة.

بألنسبة للأسينيين كما هو بالنسبة للمسيحيين، سيظهر ألمسيح في نهاية ألأزمنة وسيحصل على عرش أبدي، وفي المذهبين ألمسيحانيين تتواجد ألأركان ألكهنوتية ألملكية وألنبؤية متحدة. ومع ذلك، فإنّ مفهوم مسيح سابق ألوجود، في أدب قمران (آدم ألثاني، أبن ألإنسان) لم يتأكد وأكثر من هذا أنّ المسيح لم يصبح بعد ألفادي ألسماوي، وألصورتان ألمسيحيتان لم تتوحدا كما في الدراسة المسيحية للكنيسة البدائية.

إنّ معلم العدالة بصفته شخصية أخروية قد افتتح ألعصر ألجديد، لقد وصفه تلامذته برتبة مسيحانية:

رتبة معلم يكشف المعنى الحقيقي ألباطني للكتابات المقدسة، وألذي أضافة إلى ذلك موهوب بقدرات نبؤية. ويفهم من بعض ألنصوص، أنّ ألمعلم سيقوم بنهاية ألأيام، ولكن البروفيسور بر. كروس ألخبير في هذا ألشأن يقدر “إذا كان ألأسينيون أنتظروا عودة معلمهم كمسيح كهنوتي، فإنهم عّبروا عن أملهم بطريقة غير مباشرة إلى حد كبير، ألأمر الذي يتناقض مع التأكيد ألذي طور معه ألعهد الجديد هذه الفكرة.

إنّ ألتنظيم والمنظومات ألشعائرية للمذهبين ألرؤيين تبرز جميعها مشابهات مدهشة.

في قمران كان العماد المساري ألذي يضم ألتلميذ الجديد في ألجماعة، متبوعا بتطهيرات شعائرية سنوية، وتماما مثل “كسر ألخبز”  بالنسبة للمسيحيين، فإنّ وجهتهم كانت مفهومة من قبل ألأسينيين كمقدمة لمادبة مسيحانية،

كان اعضاء جماعة قمران يمتنعون عن ألزواج لأنّهم كانوا يعتبرون أنفسهم جميعا جنودا في الحرب المقدسة، ولم يكن ذلك يتعلق بتنسك حقيقي، وإنّما بتنسك مؤقت مفروض لقرب ألآخرة.

بعد خراب قمران وتشتت ألاسينيين اعاد بعض الناجين، على ألأرجح، جميع ألبؤر المسيحية في فلسطين، وعلى كل حال، فإنّ ألتقاليد ألرؤوية وألباطنية أعتمدت في مسيحية القرنين الاولين، وشجعت بعض الأتجاهات ألغنوصية (العرفانية).

حسب نظرية ألأسينيين، إنّ ألعالم هو حقل لمعركة بين روحين خلقهما ألرب منذ ألبدء:

روح ألحقيقة ( ألمسماة أيضا بأمير ألنور وملاك الحقيقة) وروح ألشر أو ألفساد، وهذا ألأخير ليس شيئا سوى بيليال ” أمير ألظلمات” أو الشيطان. وتجري الحرب بين هذين ألروحين وجيوشهما ألروحية وكذلك بين ألبشر وفي قلب كل “أبن للنور” ( ألنظام ألجديد 4: 23-26 ) وقد قرّب ألسيناريو ألأخروي ألأسيني من بعض ألنصوص أليوحنية.

ويذكر موجز ألنظام (3:17 -23 ) أنّ أبناء ألعدالة رغم كونهم تحت قيادة أمير ألنور، يقعون أحيانا في ألخطأ، مدفوعين بملاك ألظلمات، وعلى مايبدو، فإنّ أول رسالة ليوحنا تتكلم عن “أبناء ألله” و “أبناء ألشيطان” وتحرض ألمؤمنين أن لا يضلوا بألشيطان (31:7:10) ولكن في حين أنّ ألأسينيين هم في أنتظار ألحرب ألأخروية، ففي ألأدب أليوحني، رغم واقعة ألصراع، فإنّ ألأزمة تم تجاوزها، لأنّ يسوع ألمسيح أنتصر على ألشر.

إنّ نصوص قمران تسمح لنا بفهم مصدر ألفارقليط: فحسب علم ألهيئة هو متضامن مع شخصية من ألبلاط ألسماوي ليهوه بخاصة ألملاك أو ألمبعوث ألألهي. غير أنّ ألتأثيرات ألإيرانية، وفي ألمقام ألأول منها ألثنائية ألدينية وألملائكية، حولت ألملاكين من بلاط يهوه في تجسيد ألمبدأين المتعارضين: خير/ شر، حقيقة/ كذب، نور/ ظلمة.

إنّ ألأسينيين، كذلك مؤلف ألمجموعة أليوحنية، تقاسما هذا اللاهوت وهذه ألأخروية ألفلسفيتين ألتوفيقيتين ألمتأثرتين بقوة بألثنائية ألإيرانية.

بألرغم من ألمشابهات ألعديدة فإنّ ألأسينية وألمسيحية تمدان جذورهما في ألنبؤة للعهد ألقديم.

لقد كان ألأسينيون يسندون ويدعمون ألأنفصالية ألأكليروسية، وكان ألمسيحيون يجهدون على ألعكس لنيل كل الطبقات ألأجتماعية، وكان ألأسينيون يستثنون من مأدبتهم ألمسيحانية كل أولئك ألذين كانوا غير نظيفين والمشوهين طبيعيا أو روحيا.

أما بالنسبة للمسيحيين فإنّ واحدة من الملكوت كانت بحق ألشفاء للمعاقين ( العميان ألذين يرون، والخرسان ألذين يتكلمون ….إلى آخره..) وكذلك قيامة ألأموات، واخيرا فإنّ قيامة يسوع وهبة ألروح ألقدس والحرية ألروحية ألتي تتابعت لإنتظام ألشريعة، تشكل ألحدث المركزي الذي يميز هاتين ألجماعتين ألمسيحانيتين.

مصادر البحث:

تاريخ ألمعتقدات والأفكار ألدينية…… ميرسيا إلياد