23 ديسمبر، 2024 8:30 ص

أكراد العراق حقوق بلا واجبات

أكراد العراق حقوق بلا واجبات

أنتخب البرلمان العراقي  السياسي الكردي المخضرم السيد فؤاد معصوم رئيسا للجمهورية ولعل أهم ماشد انتباهي في الموضوع برمته أمرين أولهما ان القسم الدستوري الذي ردده السيد معصوم أمام رئيس مجلس القضاء الأعلى السيد مدحت المحمود خلا تماما من الأشارة الى واجبات الرئيس في الحفاظ على وحدة التراب العراقي !!! وهو أمر لانجد له مثيل في  العالم أجمع أما ثانيهما الذي لم نجد له أجابة منطقية لهذه اللحظة من أي مسئول كردي هي تفسير سعي الأكراد المحموم للحصول على منصب رئيس الجمهورية وتهديد حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بأنسحاب الكرد من العملية السياسية برمتها اذا ذهب المنصب لمرشح غير كردي في الوقت الذي يصر فيه السيد البرزاني على المضي في خيارالأستفتاء وتقرير المصير !!!
ففي حوار لي مع صديق كردي في أحدى مواقع التواصل الاجتماعي طالبته بتفسير هذا التناقض فأجابني بأن علي مراجعة الدستور العراقي والتخلي عن أفكاري الشوفينية التي تعارض تولي كردي حكم العراق !!! فأجبته بأن الدستور لاينص على المحاصصة الطائفية وأنه يخلومن حق تقرير المصير وان من حقي كمواطن أن أعرف ما اذا كان رئيسي ملتزم بالحفاظ على وحدة وطني أم لا ؟ وان سؤالي لاعلاقة له بالشوفينية ولا القومية وغيرها من المسميات التي تستخدم لخداع البسطاء من الناس، فألتزم صديقي الصمت . فأدركت حينها بأن دعوة السيد البارزاني للأنفصال عن العراق ماهي الأ وسيلة ضغظ على الحكومة الاتحادية لتحقيق المزيد من المكاسب السياسية وبالونة أختبار لمعرفة رد فعل القوى الأقليمية والدولية والتي جاءت مخيبة لأمال حكومة أربيل بأستثناء اسرائيل دون اغفال حقيقة وجود سعي كردي طموح لأعلان هذه الدولة بحلول العام  2016  عبر استغلال منصب رئيس الجمهورية للتواصل مع العالم الخارجي والترويج لفكرة استقلال كردستان خصوصا مع أكتمال سيطرة الكرد على المناطق المتنازع عليها وتأمينهم للعمود الأقتصادي للدولة المنتظرة والمتمثل في نفط كركوك ، أنسجاما مع الرأي القائل بأن الدولة موجودة أصلا ولاينقصها سوى الأعلان الرسمي .
ولهذه الفرضية مؤشرات فقد كانت القوى السياسية الكردية أحدى أهم الأطراف التي صاغت المشهد السياسي العراقي بعد الاحتلال مباشرة وحصل الكرد بموجب العملية السياسية على مجموعة من الأمتيازات والمناصب في مختلف مؤسسات الدولة وصولا الى رئاسة الجمهورية وكان هذا الأمر تتويجا لنضالهم الطويل الممتد عبر عقود من الزمن وهو أيضا ماجعلهم يفوقون نظرائهم في تركيا وايران وسوريا بسنين ضوئية ولكن هذا الأمر لم يكن كافيا من وجهة نظر السياسيين الكرد الذي مالبثت مطالبهم تزداد وتتفرع مع مرور الزمن مستغلين ضعف المركز وهي ماتغذي الأعتقاد السائد بأنها ليست مجرد مطاليب لأقليم فيدرالي وانما أستكمال لمقومات بناء الدولة بحيث بات الأقليم فعلا دولة داخل الدولة وليس أقليم فيدرالي ضمن الدولة الاتحادية ولعل مرد هذا التمدد والتمادي الكردي أحيانا يعود لأسباب عدة :
1- عقدة الذنب الموجودة لدى العرب بسبب اضطهاد الكرد وماأرتكب ضدهم من حماقات طوال العهود السابقة والتي أدت بالقوى السياسية العراقية العربية الى تقديم التنازلات السياسية الكبيرة في سبيل ارضاء الأقلية الكردية وهو ما أستفاد منه الاكراد الذين عززوا حضورهم على الساحة وأثبتوا أنهم رقم صعب في المعادلة العراقية وعملوا بأحكام على انضاج خطة دولتهم المستقبلية.
2- انقسام  الأغلبية العربية في العراق على أساس طائفي وتنكرهم لقوميتهم حيث بات مجرد الحديث عن عروبة العراق يلقي بصاحبه الى التهلكة والأتهام بالبعثية والشوفينية.
3- عدم وجود مشروع وطني عراقي  يمكن دعوة الكرد اليه للتحاور على أساس وطني لا قومي.

وبالتمعن في هذه النقاط نجد أنه ليس للأغلبية العربية في العراق أية علاقة بما أرتكبته الأنظمة الحاكمة في بغداد ضد الشعب الكردي على مر العقود فالظلم والأضطهاد والاقصاء والقمع  طال كل صوت عراقي معارض بغض النظر عن هويته ولم يكن الكرد وحدهم في هذا النضال مع ضرورة التنبيه بأن المعارضة الكردية كانت في حالة خلاف سياسي وصراع مسلح مع كل حكام بغداد في العهدين الملكي والجمهوري وليس مع نظام حزب البعث فقط شأنها شأن أغلب قوى المعارضة العراقية وذلك للطابع الأنفصالي للثورة الكردية . كما ساهم الأثر السلبي لهيمنة تيار الاسلام السياسي على الساحتين السنية والشيعية في ضعف الموقف العربي فقد تصدى هذا التيار للفكر القومي العربي وأعتبره من أثار النظام السابق واستعاظ عنه بالفكر الطائفي الذي قسم الدولة والمجتمع ووأد فكرة وجود مشروع وطني جامع وهو ماصب في صالح (عقدة الخوف الكردية) والتي جاءت لاحساسهم الدائم بالأضطهاد نتيجة عقود من المعاناة لا لشي الأ لكونهم أكراد وهو مادفعهم الى التقوقع و التمسك بخصائصهم التاريخية والثقافية واللغوية ورفض أي محاولة للأندماج مع الهوية العراقية والعمل الجاد لتحقيق حلم الدولة المستقلة بعيدا عن حضن الوطن العراقي الذين كانوا رافضين الأنضمام اليه تاريخيا

(تذكرني هذه العقدة بعقدة الخوف اليهودية التي جاءت نتيجة سنوات المعاناة من الحكم النازي في أوربا والتي دفعت اليهود لتشبث بيهوديتهم والايمان بالصهيونية والأصرار على بناء دولة خاصة بهم لضمان عدم تكرار المأسي التي عاشوها )
ومن هنا يتضح  السلوك السياسي الكردي الذي يقوم على محورين أولهما هو البقاء ضمن العراق الموحد والأستفادة قدر المستطلع من العملية السياسية لتوفير الغطاء الشرعي وثانيهما أستمرار العمل الجاد لأستكمال مقومات الدولة سياسيا وأقتصاديا وعسكريا والتواصل الفعال مع المجتمع الدولي بهذا الخصوص.
ان أكراد العراق مطالبون اليوم بالألتزام بالدستور الذين شاركوا في كتابته واقراره وهو دستور لايجيز لهم ولا لغيرهم حق تقرير المصير ويوجب عليهم التزامات وواجبات لم نرها منهم ولم نعتد على سماعها فالقادة الكرد يؤمنون بحقوق كاملة للشعب الكردي بلا واجبات عليهم تجاه الوطن العراقي وهو مايخالف العقل و المنطق ، كما أن عرب العراق مطالبون هم أيضا بتنحية الخلافات المذهبية وتوحيد كلمتهم واعادة بناء الدولة العراقية على أسس وطنية سليمة والتحاور مع الكردي كعراقي وليس ككردي (حتى وان رفض) للوصول الى صيغة تعايش مشترك تضمن العيش الكريم لكافة أبناء الشعب العراقي بدون تمييز فالطريق الى الدولة الكردية المستقلة لايزال طويلا وصعبا وأمامه الكثير من العقبات المحلية والأقليمية والدولية لكن استمرار أزمة العراق العربي السياسية والأقتصادية والأمنية هي من ستعجل بظهور هذه الدولة و بالتالي أعلان وفاة العراق الواحد وحينها فلن يكون أحد بأستطاعته لوم الأكراد الذين لايمكنهم رهن مصيرهم بمستقبل مجهول للعراق كما قال السيد البارزاني .