18 ديسمبر، 2024 7:10 م

أقوى سلاح لمعالجة جميع المشاكل في العراق

أقوى سلاح لمعالجة جميع المشاكل في العراق

الى وقت قريب ، وأنا أراقب الوضع العام المزري في العراق منذ عام ٢٠٠٣ ولحد الآن ، كانت قناعاتي تتمحور حول إرجاع كافة المشاكل السياسية والإقتصادية والإجتماعية التي تعصف بالعراق وتدهور أوضاعه بإستمرار الى الطبقة الحاكمة وكافة المسؤولين عن الشأن العراقي والمؤثرين في سياساته ، بشكل مباشر أو غير مباشر ، بإختلاف طوائفهم ومذاهبهم وشخوصهم ورموزهم المعممة وغير المعممة . إلا أنه ، وبعد مرور خمسة عشر سنة وأربعة تجارب إنتخابية ، تبّين بوضوح بأن تردي الأوضاع في العراق عموماً لم تكن بسبب الطبقة الحاكمة أو المسؤولين عن الشأن العراقي ومن الخطأ نعتهم بالفاسدين والسراق أو الجهلة وعديمي الإدراك أو المرتبطين بأجندات خارجية وغيرها من النعوت والأوصاف السلبية . إن معظم المسؤولين والسياسيين وأصحاب القرار في جميع الأجهزة التشريعية والتنفيذية والقضائية هم أشخاص على درجة كبيرة من الوعي والفهم والإدراك ، وهم في نفس الوقت على درجة كبيرة من الذكاء في كيفية إدارة شؤون البلاد وتوزيع موارده الكبيرة والمتنوعة وفق الأهداف والغايات التي تبنوها. وأول شيئ يبرر ذكاء ودهاء هؤولاء هو وصولهم ، بأصوات الناخبين ، الى مواقع إتخاذ القرار وإستمرارهم بالسلطة بالرغم من تفاقم المشاكل الأقتصادية والإجتماعية والأمنية ومعاناة الشعب وإستمرار تردي الأوضاع عموماً دون معالجة أو حل . وكذلك ما يبرر ذكاء هؤولاء أيضاً هو في الكيفية التي إستطاعوا من خلالها إستثمار جميع موارد الدولة لتحقيق إمبراطوريات مالية تخدم مصالحهم الذاتية بشكل علني وبإعتراف الكثيرين منهم بالرغم من وجود مؤسسات رقابية وقضائية وغيرها . وهذا بدوره يؤشر مدى صراحة المسؤولين أمام الشعب والناخبين ، وهو مبدأ مهم في علم السياسة وإدارة الدولة ، فكثيرين أعلنوا صراحة إستفادتهم ( ولا أقول سرقتهم ) من موارد الدولة والمال العام لمصالحهم الذاتية والبعض إتهم آخرون ( بشكل مباشر أو غير مباشر ) بأنهم نالوا ( ولا أقول نهبوا ) حصصهم من موارد الدولة وخيراتها . الى جانب ذلك فإن جميع المسؤولين وأصحاب القرار يتوفر فيهم عنصر ألكفاءة بحيث تمكنوا بسهولة إدارة المجتمع وإخضاعه وتسييره وفق النهج الذي رسموه بحيث إستطاعوا تغييب وتجهيل معظم شرائح المجتمع ، والذي هو بالأساس يخالف الطبيعة البشرية بتكونه ، وذلك لإستمرار تواجدهم في السلطة . إذاً من يحقق كل ذلك ضمن هذه الظروف لا يمكن أن يكون جاهلاً أو غبياً أو عديم الكفاءة أو الفهم أو الإدراك مهما كان معمماً أو بدونها ، بل علينا أن ننبهر فعلاً من درجة الذكاء لمثل هؤولاء ، ومن غير الإنصاف والأخلاق نعت الأذكياء بأوصاف الجهل وعدم الوعي وغيرها من الأوصاف السلبية .
إذاً من هو المسؤول الفعلي عن جميع المشاكل التي تعصف بالعراق ، ومن هو المسؤول الحقيقي عن تردي الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية والأمنية في البلاد ، وعلى من تقع مسؤولية تردي الخدمات الصحية والتعليمية والصرف الصحي ونقص الكهرباء وتلوث مياه الشرب ومشاكل النقل والإتصالات وغيرها من المشاكل المعقدة الكثيرة . الحقيقة إن المسؤولية عن جميع المشاكل ، بدون إستثناء ، لا يمكن إرجاعها الى المسؤولين عن الشأن العراقي وأصحاب القرار فيه ، وإنما المسؤولية أولاً وأخيراً تقع على عاتق الشعب من الناخبين . ويتحمل الشعب العراقي من الناخبين فقط مسؤولية تردي الأوضاع في البلد ، فهم وحدهم من أوصل هؤولاء السياسيين والمسؤولين وأصحاب القرار الى دفة الحكم ، وهم ، أي الناخبين ، بكامل وعيهم وحريتهم وإرادتهم من فتح الأبواب لهؤولاء لتسنم إدارة شؤون البلاد والتحكم بمقدراته ومستقبل شعبه . إذاً من يتحمل المسؤولية هم الناخبون العراقيون الذين أعطوا أصواتهم لهؤولاء الحكام بكل رحابة صدر . طبعاً الحصيلة هي بالأساس جاءت بسبب جهل وغباء ووضاعة هؤولاء الناخبين من الشعب العراقي وهم الغالبية من المجتمع . الجهل جاء بسبب تغييب عقلية وشخصية الفرد العراقي وصقل أفكاره وتخديره بالأمور الغيبية والممارسات المتخلفة لإضفاء الرضى والإرتياح النفسي الوهمي بالرغم من آلامه ومعاناته ، والغباء جاء نتيجة إنعدام الثقافة البشرية والإنسانية لدى معظم أفراد المجتمع بحيث أستمر العراقي بإعطاء صوته لنفس الحكام وهو يخرج من مراكز الإنتخابات بإبتسامة بلهاء . أما الوضاعة فهي السمة الغالبة على الشخصية العراقية لمعظم الناخبين ، فلا يمكن تجاهل الأمثلة العديدة التي تثبت هذه الصفة . فلا أعتقد أحداً ينسى قيام قائد عسكري برتبة كبيرة بتقبيل يد شخص يرأس كتلة سياسية ويقود مليشيا مسلحة حتى دون التأكد من مدى نظافة يده . ولا يمكن تناسي مدى الخنوع للفرد العراقي عند لقاءهم بأحد الرموز أو الشخوص وما يرافقها من تقبيل الأيادي والأكتاف مع التبجيل بالهتافات والقصائد بدرجة جعل ذلك الرمز بمقام الأنبياء أو عظماء العالم على أقل تقدير . وهل يمكن إبعاد المشهد الذي صوّر جموع من العراقيين وهم يتسابقون للحصول على لعاب ( أي تفلة بالعامية ) السيد للتبرك بها . ونكتفي بهذه الأمثلة لأنها كثيرة مؤلمة ومحيٌرة للعقل البشري . خلاصة القول ان الشعب العراقي هو المسؤول الأول والأخير عن كل ما يحدث من تردي الأوضاع والفساد عموماً في البلاد ، ومن السخافة والغباء وضع اللّوم على الطبقة السياسية الحاكمة والأشخاص والرموز المؤثرة في الشأن العراقي . فإستغلال الموقع الوظيفي ونهب موارد الدولة والإستحواذ عليها تعتبر ممارسات طبيعية لا يمكن إنتقادها في ظل مجتمع كالمجتمع العراقي وفي بيئة كبيئة العراق لأن المصلحة الذاتية قبل المصلحة العامة هي الأساس في أدارة نظام الحكم في العراق وبمباركة ورضى الشعب العراقي . فلا يحق لكم أيها العراقيون أن تتذمروا من الأوضاع المتردية التي تعمقت بإرادتكم أنتم ورضاكم في حين أنكم تملكون أقوى سلاح للتغيير في العالم ما دمتم مؤمنين فعلاً بالديموقراطية الحقيقية كأسلوب وكنظام للحكم .