18 ديسمبر، 2024 8:14 م

أقنعة متعددة ومظاهر مخادعة ثقافة منتشرة في المجتمع

أقنعة متعددة ومظاهر مخادعة ثقافة منتشرة في المجتمع

جاء رجل لمجلس فاتحة يؤدي واجب العزاء بأهل الفقيد ,بسيط في مظهره لكنه ممتلئ بالمعرفة والحكمة يحمل في ذهنه تجارب كبيرة وعظيمة طحنته الحياة طحناً حتى بات مقصداً لكل من يريد أن يحل أموره بتروي وبدون مشاكل ،يبدو أنها مشكلة ترافق هذا الإنسان هي في تواضعه وملابسه البسيطة التي لا تدل على ما يتربع عليه فكره الثر من مآثر ،فعند دخوله للمجلس لم يلقى ترحيباً والجالسين في العزاء تبادلوا معه السلام على مضض ،ثم قام وعاد أدراجه من حيث أتى ،وفي اليوم التالي قرر أن يقوم بدور مختلف عما كان ,فكان المجيء بسيارة فارهة تاهو (موديل ٢٠١٨ ) مصفحة وأستأجر له حماية شخصية عدد (٤ ) رجال من كمال الأجسام مفتولي العضلات مرتدياً أفخم الملابس ومن ماركات عالمية ،وما أن وصل الى المجلس وإذا بالجميع يقفون صفاً واحدا لاستقباله والترحيب به ,وهنالك مهوال (مهوسجي) يقول أبيات من الشعر تمجده وترفعه للسماء ،وتكالبوا كبار القوم عليه ليجلسوه في صدر المجلس متباهين بقدومه وتشريفه لهم ,والموجودين يتوافدون عليه زرافاً ليحصلوا على صورة أو سيلفي معه كل هذا بوادي وعدم معرفتهم بشخصه بواديٍ آخر،ثم جاء وقت الغداء ووضعوا أمامه صحون تحتوي على ألذ الأطعمة وما تشتهيه الأنفس ، وبدل أن يتناول الطعام في فمه حمله لملابسه عسى أن يجد لها فماً لتأكل وهذه هي الحكمة ،بأن ثقافة الحكم على المظاهر بدأت تنتشر بين أوساط المجتمع ,دون التمحيص عن تاريخ الإنسان وما يقدمه لمجتمعه ,أن تفاخر القوم بأي شخص يجب أن يكون على أسس ومعايير منها علمه ومعرفته ونزاهته وصدقه واستقامته ,فكم من الذين يدعون الدين والفضيلة رياءً وزوراً,ويمارسون أبشع أنواع الرذائل متسترين بهذا اللباس المقدس باعتباره أقصر طريق للوصول للمبتغى الدنيوي الزائل,حتى أضحت ظاهرة منتشرة بين أوساط المجتمع ,ما قيمة الدين دون أن ينعكس على السلوك والمنهج ويطابق الخطاب الذاتي مع الفعل على أرض الواقع ؟ ولعل الخوارج كانوا أكثر الملل تصلي وترتل القرآن في الليل حتى صلاة الفجر,لكنهم كانوا أكثرهم شراً وفتكاً وأنتهاكاً لحرمات الناس ومقدساتهم ,حتى أن الإمام علي (ع) أرسل أبن عمه عبد الله ابن عباس اليهم وقال لهم : خاطبهم بالسنة لأنهم يفسرون القرآن على أهوائهم وأمزجتهم ,ما لفائدة والجدوى وأنت تسمع حكم الموعظة من إنسان يخفي داخل مكنونه ذئباً يتخفى بمظهر التقوى ؟ بمجرد أن تأتي فرصة سانحة يظهر أنيابه مقطعاً فريسته دون رحمة وإن تعالت أصوات الاستغاثة منها ,ما لحكمة من الحديث عن الزهد ؟ لتجد من يعلو صوته بهذه الصفة الطاهرة يستبيح لنفسه كل الحرمات ثم يكون عبداً لأي مطمع ,في حين يقول الإمام علي (ع) عن الزهد 🙁 ليس الزهد أن لا تملك شيئا , بل الزهد إلا يملك شيء ) لقد عرفت الشعوب والأمم الأسيوية الإسلام واعتنقته بسبب الصدق والأمانة في المعاملة التي حملوها معهم التجار المسلمين الأوائل إليهم ولم ينظروا لثيابهم وما يلبسونه من حلي ومجوهرات ,أنما كانت نظافة سرائرهم ومسامحتهم والرأفة التي أبدوها مع الفقراء ومساعدتهم للمساكين من هذه الشعوب المستضعفة ,أذكر جيداً قولاً للمهاتما غاندي عبر عن مدى احترامه للسماحة التي جاء بها الإسلام والرسول الأعظم (ص واله) :(أردت أن أعرف صفات الرجل الذي يملك بدون نزاع قلوب ملايين البشر.. لقد أصبحت مقتنعا كل الاقتناع أن السيف لم يكن الوسيلة التي من خلالها اكتسب الإسلام مكانته، بل كان ذلك من خلال بساطة الرسول مع دقته وصدقه في الوعود، وتفانيه وإخلاصه لأصدقائه وأتباعه، وشجاعته مع ثقته المطلقة في ربه وفي رسالته ,هذه الصفات هي التي مهدت الطريق، وتخطت المصاعب وليس السيف. بعد انتهائي من قراءة الجزء الثاني من حياة الرسول وجدت نفسي أسفا لعدم وجود المزيد للتعرف أكثر على حياته العظيمة) ثم جلست متحيراً من أمري راجين إجابة وافية وشافية لهذا التحول في المظاهر المخادعة والمتلونة في السلوك والانتهازية والوصولية وتبادل الأدوار في الأقنعة وكأن الموضوع سهلاً يسير ليس فيه أي نوع من الإساءة للذات التي تكرمت وترفعت عن سائر المخلوقات ,فكانت إجابة سيد البلغاء لهذا المرض الاجتماعي عندما قسم المجتمع لثلاث أقسام بقوله لكميل : الناس ثلاثة : عالمٌ رباني،ومتعلمٌ على سبيل نجاة ،وهمجٌ رعاع أتباع كل ناعق ، يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجأوا إلى ركن وثيق.