23 ديسمبر، 2024 5:59 م

أقلام تعبُد الأصنام

أقلام تعبُد الأصنام

 ” القلم والبُندقية فوهة واحدة”
لازلت أتذكر تلك المقولة الحربية في سني الخوف من النظام المُباد؛ حيث كان أصحاب الأقلام المُزيفة يُعلقونها وشاحاً على أعناقِهم في حلِهم وتِرحالِهم، وعنواناتِهم الصحفية ملونة بألوان بعثية، ومقتبسة من أقوال صدام( حفظه الله ورعاه!) فلا يمكن التمييز بين الغث والسمين مِن بينهم، فأحبار أقلامهم ساطعة بلونها الزيتوني الموحد، وتُمسكُ بها يد خائفة مطيعة، وما عليها سوى التنفيذ لما تقولهُ الأصنام دون تردد، فتردد القلم عن ما يرغب به الإله لايختلف عن بُندقية هُزمت من الحرب، ورجعت مذعورة خائفة.
بعد أن كُسرت هذه الأقلام، وزال لونها الصدامي، ونشوب عهدٍ جديد من ( اليمُعراكية)  التي جاء بها الفرقاء السياسيين، والراسخون بعلم السياسة! تحولت اليد المُرتعشةُ من الخوف التي كانت تقود الأقلام الزيتونية في تأديتها فريضة التعبُد لِصنمها الى يدٍ سليطة ومسيسة بثمن بين أصابعها قلمٌ متُملق يُسطر الزيف؛ يد ترسم حواضنها بثوب البراءة، وتُبطن الفشل أو( الفشلات) على قول أحد الكُتاب؛ ولا تكتفي بذلك فحسب؛ بل تُروج لما يُثلج صدور أسيادها، فتارةً تُمجد أربابها، وتجعلهم مثالاً للعفةِ والنزاهة، وتارةً أخرى تبِثُ السُم بِتسقيط من يتعارض مع سياسة الأرباب؛ لاعجب في ذلك! فلو كان الإعلام نزيهاً من رجس الشياطين لما خُلد يزيد في نفوس الخوارج، ولو كان أميناً من يد الخونة لما أصبح صدام القائد الضرورة عند عملاء العرب، ولو كان شريفاً من يد السُفهاء لما اعتلى الفاسدون دفةِ الحُكم؛ لاغريب في إعلامٍ ينساق بعصيِ إلِهته، فكل شي يُباع ويُباح في بلدٍ يتذوق كل يوم باقةً من الحزن، وكوبٍ من الهم؛ فتُعرض فيه ذِمم للبيع، وكرامة للبيع، وبقايا إنسان للبيع؛ الأمس كان الإعلام جائعاً يسُد رمقهُ برغيف الخبر الأسمر، ويُزق بِفمه الشاي المُحلى بالتمر بدل السكر ليُغرد مع سرب البعث المقبور دون تردد؛ واليوم يتذوق الشهد، وينغمِس في الثراء والنعيم بين أحضان دافئة تقودهُ لما تريد بما يخدم مصالحها النفعية الضيقة، فتحول ذلك الخوف من الجبابرة الى مزايدة وشراء للذِمم، وأصبحت الوطنية مفهوماً مغلوط يُتاجر به، ويجعلوه غشاء يحجب خيانتهم لبلدهم، ويخفوا الحقيقة في ليلٍ حالك لكي لايراها الناس.
لقد طاولَ الأخيرةُ السأم والضرر من العبارات الملونة، وهي تغوص في حوض الإقوال دون الأفعال؛ فليس كلما يُقرأ من جذبٍ وشد وتسقيط يؤخذ به؛ طفح الكيل لدى الناس، ودقَ الجرس في إذهانِهم، فالشعب الذي لا تخدمهُ حواضن الإقلام المدفوعة الثمن لاتستحق أن تُمثله.