جاء في الأثر: “عَجِبتُ لِمَنْ خَسِرَ دُنياهُ لُدنيا غَيره”، وبالفعل نحنُ نستغرب هذا الفعل، فهو عجيب، ولكن للأسف ثمةَ أُناس مستغفلون بإسم(الدين والوطن والواجب و….إلخ)، فيخدمون أشخاص لا علاقة لهم بهذه الأشياء، سوى أنهم جعلوها شعاراً لهم، وهم بذلك يكونون مصداقاً للمقولة أعلاه.
الكتابةُ فن ومسؤولية في نفس الوقت، وهي ذمة في عنق مَنْ تكفلها، ولذا فهو يحمل وزرها، ووزر مَنْ عمل بها، سواء في ذلك ناقل الأخبار أو مُطلق الأفكار، فناقل الأخبار لا بُدَّ لهُ من أن يكون موضوعياً دقيقاً، لا تأخذه الأهواء والإنتماءات، ومُطلق الأفكار لا بُدَّ لهُ من دليل علمي دقيق، وإلا فهو عابثٌ لاعب، يشتري لهو الحديثِ ليضل الناس ويستغفلهم.
ثمةَ مَنْ باعَ ذمتهُ وقلمهُ وقبض ثمن ذلك، وهذا الأمرُ وإن كان مُستهجناً، لكن لا غرابة فيه، فقد حدث وفق تبادل المصلحة، الذي تقرهُ بعض الفلسفات، القائمة على المصلحة الشخصية الذاتية الآنية، ولكنَّ المُستغرب ذلك القلم المُستغفل، الذي نَذر قلمهُ وفكرهُ لخدمةِ شعاراتٍ فارغة، وأُناسٍ إنتهازيين ووصوليين، وهو لا يكل ولا يملُ في الدفاع عنهم، ولو كلفهُ ذلك حياته!
تُرى كيف إستطاعوا أن يستغفلوه؟
لماذا آمن بهم؟ فاتبعهم كخروفٍ لا يعلم أن طريقهُ إلى الجزار؟
عزيزي القارئ، المصيبة إني أتكلم وأتسائل ليس حول شخصٍ عادي، بل أنا أتكلمُ عن كاتب! إنسان قرأ كثيراً، تجول في سياحة الكتبِ سنيناً، طوى من عمرهِ أعواماً يُطاردُ ضالتهُ، أفتكون ضالتهُ نصرُ الظالمين وخذل المظلومين؟! أفتكون ضالتهُ إتباع الساقطين القوادين من السفهاء والمجانين؟! فيكون بوقاً لهم، يُكشر أنيابهُ على الفقراء والمساكين، ويسلط قلمهُ ولسانهِ لنصرة الفاسقين؟!
أيّ ضالةٍ كان ينشدها هذا الكاتب المستغفل؟!
خسر بعض الكتاب أنفسهم بسبب كتاباتهم، وسجنوا وعذبوا وطوردوا، يخبرني الأستاذ(مؤيد عبد الزهرة) أنهُ طُرد من الأردن بأمر الملك الراحل(حسين بن طلال)، ومُنعَ من دخولها إلى يومنا هذا، بسبب مقالٍ كتبه، وكثير هي قصص الكتاب، لكن فرحتهم دائما وابداً يرونها في فرحة مظلومٍ إسترد حقه، وفي عين ضال أهدوه إلى دربه…
بقي شئ…
إن كُنت مضطراً لأن تخدمَ أحداً، فاخدم نفسك، فهي أولى بكَ من غيرك… فافهم