23 نوفمبر، 2024 12:59 ص
Search
Close this search box.

أقصوصة: المُــتســـول العـِـربيـــد

أقصوصة: المُــتســـول العـِـربيـــد

بلحْـية مُبهدلة ؛  مُـتـهًـدلة ؛ مُـشوهة ؛ مُتسخة ؛ كطاقيته السوداء وجلبابه  الصوفي؛ المرتق الممزق،؛ الذي  يرتديه ومدينتي  في عـز الحرارة المفرطة ؛  فيوميا  يرثكن في مكان استراتيجي بين سوق القرب العامر و متاجر ومحلات بيع قطع غيار السيارات وغيرها , والقريب من أحد الأبناك بإحدى الشوارع  القريبة من سكننا . يتسول صامتا بدون ضجيج ولا استعطاف ؛ كأنه أخرس أو أصم؛ تكفي أن هيئته توحي بالاستعطاء والشفقة ,ولاسيما أنه يوميا يتسول في ذاك المكان,, لكن لم أكن أعْـرف أنه سكير ! عربيد ! من الدرجة الأولى . إلا في إحدى الليالي؛ التي صادفته يتمايل وروائح الخمرة الرخيصة تفوح من فمه ؛ فـَمٌ تتلعثم مخارج حروفه وهو يَسُـبُّ ويلعن غدر أيامه وحظه العاثر. ونحن نتسابق مع اللحظات الأخيرة لاقتناء بعض الحاجيات قبل إغلاق الدكاكين والحوانيت في زمن الحجر الصحي؛ الذي بَـلـْبَـل عـُقول الناس !  وحـيّر أذهان العباد ! بعْـد استمراره وفرض شروط جزائية، جزرية؛ جنائية؛ خارج حرية الأفراد !

صبيحة الغـَد والناس كالمعتاد تمر من مكان تسوله ؛ كلها مُكمَّمة  ومُقـنـَّعة الوجه ؛ ومتباعدة الخطوات ؛ والخوف يلاحق أطرافها . من شبح الوباء… من أثر الفيروس   حَـسب قولهم  !  ربما ذاك الفيروس سيكون ملتصقا في أحد المـارَّة ؟ أو أصاب شيخا أو متقاعدا فـقـَد المناعة في إحدى الليالي؟ أو ربما يلاحقنا – كوفيد19- منتظرا فرصة الانقضاض علينا ؛ هكذا يفكرون !وهكذا يغـْرسون هَـول الوباء فينا ؟

ورغم ذلك ، صادفنا جوقة ناس ! انعـدم فيها الخوف  ! ولعْـبة التباعد !فاقتربنا منها كنوع من الفضول ،أو هو الفضول بعينـه ، لأننا بدأنا نحملق كما يحملق الجميع لفهم ما يجري هذا الصباح ؛ وفي شارع يكاد هادئا  كما تعَـودنا عليه يومـيا، لكن بعض المارة يهرولون بعيدا ربما خوفا من شبح ” كورونا” وبعض منهم يستنكر هذه الفوضى والصراخ ؛ ثـم ينسحب, لكن الصراخ يزداد ارتفاعا من سيدة  ذات الثلاثين ربيعا؛ وبأسمال بالية تكاد متسخة ، وحذاء جلدي بالي جدا يعلوه غبار السنين وأتربة الزمن الغابر، وفي يدها رضيع . رضيع تتسَوّل به ؟ أي نعم !! هي متسولة  ظهرت مختلفة

ضمن مشهد السًّعْـيان الذين ازدادوا ، أشكالا وأعمارا مختلفة  ! وفي هذا الشارع تفاقموا أشخاصا وبنيات جسمية متـنوعـة ! حتى في الشارع المجاور له والقريب للمسجد. بعد تفاقم وتشعُّـب وتغلغل هاته الجائحة الوبائية التي غـَيَّـرت ملامح الشوارع والحياة العامة. وغيرت حتى الخصام بين الأفراد والأسر وبين الناس  لبعضهم وبين المتسِّولين والمحتاجين ؛ لأن حالهم دائما المقاتلة والخصومات على أشدها ؟  فذاك المتسول العربيد طردها بعنف من مكانه المعتاد؛ متهما إياها باحتلال مِـلكه الخاص ؛ فبيَديْـها تصدَّت لأوامره وتهجمه عَـليها ، بعدما طرحت الرضيع أرضا رافضة الابتعاد عن دكانه أو مقر عمله . كأن أماكن التسول أصبحت ملكية خاصة ؛ للأقوى أو من له نفوذ. فازدادت حدة الصراع والقذف والتجاذب والسَّب والشتائم بينهما ؛ وبين جمهرة الناس انقضت عل المتسول / العربيد امرأة خمسينية معكوفة الظهر؛ نراها يوميا في طابور المتسولين ؛ أجمل ما فيها ذاك الاستعطاف ! بصوت مكلوم ومقهور ! الذي ترسله للمارة؛ لكنه انتهى أمام الاصطدام ؛  وغابت الكلمات ونبرة الحزن المصطنع ! بعدما أسقطته أرضا ، وبدأت ترفسه وتركله برجليها المتسختين .  فحاول أحد المارة أن يفض النزاع ؛ فإذا بقنينة خمر بلاستيكية ؛ تتدحرج من قفة المتسول / العربيد ؛ فحاول الإمساك بها لكن الركل والرفس منعه من اللحاق بها . انبهر البعض من القنينة ولسان أحدهم ربما يـردد:: متسول وسكير ياللعَـجَبُ … في الـعَجــبِ !! مما تدخل أحـدهم يأمرالمُتدخل بالابتعاد والتزام بالتباعد ؛ ف” كورونا” تتجول في الزحام ! فلم يطق كلامه الآمر؛ فاتجه إليه :

– هل أنت وزارة الصحة ؛ وماذا تفعل أنـتَ  في هذا الازدحام ؟

– لا تنزعج ... لقد نصحتـك فقط ؛ هكذا نطق ذاك الفضولي ؛ الذي دفعه بقوة صديق العـربيد/ المتسول الذي يتقاسم معه المكان ؛ متجها نحو تلك السيدة ليبعدها عن عنق زميله ؛ لكنه دفعها بـقوة غير متوقعة ؛ على إثرها فقدت توازنها فخرت أرضا ؛ فبدأت أم الرضيع تصرخ بشكل مختلف وهي تنتف شعرها وتتلفظ ألفاظا خـشنة:

– إنك ابن العاهرة …. أيها السكير  الفاسق …لقد قتل خالتي … قتل خالتي… حاول أن يغتصبني.. ابن المارق…….السكير العـربيد ... ابن البراريك وسكان الكـهوف…ياخريج السجون…ابن كلب أنتَ ….

فكلما رددت هاته الألفاظ والبشر يزداد تجمهرا؛ حتى بعض موظفي البنك وعاملات مصلحة القروض العامة  وجملة من باعة الخضر والفـواكه تركوا البيع ذلك خير لهم ليستمتعوا بمشاحنة وقتال المتسولين ؛ الذي ازداد تعقيدا ؛ حينما تسلل أحد المسنين بهراوة ! تبين أنه متسول في الشارع المجاور ؛وزوج خالة السيدة أم الرضيع التي حرضت المسن للهجوم بهراوته الغليظة ؛ فوجه ضربتها للمتسول العربيد ؛ ثم لصديقة الذي سقط بسرعة برق يتضرع في دمائه الفوارة من رأسه الأبيض…فبدأت الجموع تتفرق وتهرب من ساحة الوغى التي حمى وطيسها بين المتسولين ؛ التي كشفت أنهم شبكة متفرقة هنا وهناك. وبين الضرب والمشاحنة  والسباب والعراك والكر والفر بينهم؛ حضرت سيارة الأمن وسيارة القوات المساعدة ؛ فتحول الشارع إلى مشهَــد أخــر….

 

أحدث المقالات

أحدث المقالات