23 ديسمبر، 2024 10:36 ص

أقسم يا هذا …. 

أقسم يا هذا …. 

أقسم يا هذا…؟ لا يمكن لي أن أكذب عليك، لكن هذا بالضبط الذي حصل، ألا تراني أرتجف مهتزا كسعفة عصفت بها الريح، فجعلتني أتلاطم دون وعي، ذاك هو حالي، بعد أن هربت فزعا، وقد تركت معولي وما احتطبت، وليت فارا مُرعَبا، كأن لفيف من الجن عزمت على سلب أنفاسي، بتصفية شرايين جسدي من دمه، كان ذاك حينما مللت من حالي وحياتي، التي ركبت أيامها كعجلة عرجاء، أعوام فقدت رقاصها، بسبب النتوءات، لم تتوقف أبدا في محاطات تَحَول أو تغير، إلا أنها بقِيت تدور وتدور، كأنما يجرها ثور أعمى، ما انفكت تسقيني قوت يومي الذي مللت استساغة طعمه حتى بعد أن بات علقما، كنت ذاك اليوم قد قررت ألا أخرج في الصباح، كَسلاً ومللاً، قلت لنفسي لم التعب أو العناء هي لقمة، مثلها مثل كل يوم، لم تزد أو تنقص، طويت نفسي برفقة جسدي تحت دثاري الأزلي استلقيت على حصيرتي، أو هكذا كنت أسميها، أما وسادتي، فكانت النعل الذي كهل عمره بين قدمي ورأسي، فما عاد يميز بينهما، كثيرا ما تضيق نفسه، فيشكو عبر هلوسة إلى خلايا دماغي، التي هربت من أحلام يقظة دون نتيجة، تلك التي طالما أُُشبعت لطما بنعل من صلابة رأس، حالها مثل حال معولي، الذي تحطم رأسه، من كثرة قطع لجذوع أشجار عجوز يابسة، ففقد صلابته، التي كانت تحمل عنوان جسارته، بات يخاف الخروج معي، وغالبا ما ألفاه ثقيلا يجر نفسه متمارض، يُقَبل يدي التي تحمله عنوة، طالبا الشفاعة والرحمة لكبر شيخوخته، فمثله قد وري زوايا بيوت، أو وقف حاجبا خلف أبواب…
كثيرا ما أتساءل ونفسي عن هذا المعول!؟ فأقول: حقا قد كبر وخَرَف، إلا أني خَرِفت معه، وإلا في أي زاوية أضعه؟ أو خلف أي باب؟ فهذا الكوخ الذي اسكنه لا باب فيه، ولا زاوية، مجرد حاوية أُُعلِبَ نفسي بداخله، بعد عناء جسد من سير، هكذا كان نعلي ومعولي، يندبان حظهما على مشاركتهما حياتي، أما الحصير، فقد حصر أوجاعه، آلامه، فعكسها على ظهري، حتى تحزز، بات يحمل أثار عُقَد، لخيوط كان قد ربط أعواده بها، تلك التي ما أن تفرقت حتى هلكت، بعدها تركت عُقَدَها تنتقم، من جسد لم يرحمها يوما، حين حبس أنفاسها، بوضعية أرهقتها تصاريف أزمان مختلفة، بات كسولا، لا يروم يوما أن يصلح من شأن نفسه، الى أن فارقت الحياة مسامات جسد من ضيق تنفس، كانت مجرد عظم تحت عظام، أما الدثار! فقد أندثر باسمه، صار واقية بلا دعامة، لا يمكنه أن يقي صاحبه، من برد أو رياح سموم، هكذا قضيت نهاري، بين أهل وعشير، حتى شارفت الشمس على الغروب، لم تبقي سوى عين حمراء، مثقلة بالملل تنشد الرحيل إلى عالم آخر، تاركة لسواد الليل، نصف ضياء، أمَنَته عند ما يسمى بالقمر، ذاك الذي سار برفقة نجوم متمردة، شاءت أن تسير متفرقة تستعرض قوة لَمَعانِها هنا وهناك، كل ذلك قَصَهُ على من توقف عنده، حين رآه لاهثا فزعا، بعدها عاد لسرد حال منادمة وهو ممدد على الحصير، وبعد أن قرصت ساقه آفة كانت تتغذى من حصير، لكنها بعد أن أدركت بأن الحصير، قد جف ويبس، عمدت إلى ساقه، لتشبع بطنا خاوية، قفز من مكانه، صافقا تلك الآفة، التي فرت هاربة بين شعر رجله، أضاعها، فنال وجع لطمة قوية، حك المكان بأظافر جَسورة، أزاحت ألم قرص، تلاطمت مصارين بطنه، طلبا لركوب لقمة، تدرك أنها سمجة، إلا أنها قادرة على حملها نحو ميناء صبر، كثيرا ما عانت من تلوي، في حروب مجاعة، وغيرها البطون قد انتفخت كروشها، من فيض ما حملت أيدٍ غرفت خيرات الآخرين، حتى اتخمت، فَراقَ لها طِيب المقام على رقاب شهقت لله من عوز وظلم، خرجتُ يا هذا… حاملا سراجي ومعولي، محتذيا نعلي، قلت لنفسي ومصا ريني، الآن حان وقت العمل، لم أعي ساعتها سؤال نفسي لي، إذا ما احتطبت لمن تبيع وقد حل المساء؟ لكن الجوع دفع بي نحو ذلك المكان البعيد الذي سيقت إليه أرجلي دون شعور، كأنها تعلم وجهتي ومطلبي، وصلت إلى تلكم الشجرة، بعد أن  سلطني القدر عليها، فقطعت أوصالها دون شفقة، وما أن رأتني افعل ذلك، حتى اهتزت وغابت عن الوعي، لم أدرك أنها حية، إلا عبر أنات سمعتها جيدا، نعم سمعتها!!! لقد حملها الريح إلى أُذني، لكني لم أكترث، فجوعي ألغى عقلي، بدد ما سمعت، أوقدت السراج، وضعته بالقرب من المكان، شعرت بلومه هو الآخر، ينسل إلى أعماق نفسي، أعلم أنه وهن، فقد بهت ضياءه، لامَني على عدم مداراة وحسن معاملة، همس لي … يا لك من ناكر للجميل، أبعد طول خدمتي لك، وَسْحق فتيل حياتي، لم تعمد قط على شكري، أو حتى ملاطفتي عبر حديث نفس، الليل طويل بِسَمَرهِ، ألم أُُأنس وحدتك الموحشة؟؟ ألم أقيك كوابيس ظلام؟ ألم تحيا نوري دفئا؟ وإلا بالله عليك… ما الذي فعلته لي؟ غير أنك تسقيني خمرا معتقا، تسميه وقودا حتى أتلف مجاري تنفسي، ملحقا الضرر بعيني، فلم أستطع الرؤيا أو التمييز بعدها، لقد أزهقت حياة فتيل عمري، دخانا أسودا، حزنا على أيام صبا في نشوة نور، وها أنت الساعة حملتني رغم إرادتي لتسحق بقايا أمل في ضياء أتنفسه، لآخر مرة لن أتركك بعد الآن تُسكرني، سترى ماذا أفعل!؟ هززت رأسي بعد وجوم فقلت: يا الله أتراني جننت!! أم جعلني الجوع أسمع أشيائي تركلني ملامة وذم، قلت لنفسي بصوت مسموع… لا يهم فالمسألة لا تتعدى مغص جوع وضجر، أمسكت بالمعول، أحسست ولأول مرة بضعف عموده الفقري، مررت أصابعي على ظهره، كأني أعد فقراته التي حطمتها دون شعور، ساعات فرك وضرب على جذوع صلبة، يا ربي ما الذي دهاني؟!!! ما لهذا المعول ينزلق من بين أصابعي! فجأة صرخت آخ خ.. لقد ضربني برأسه الحديدي، ثم هرب مني، ساقطا على أصابع قدمي، فجعلني أقفز في مكاني صارخا من شدة وجع، وصدق يا هذا… كأني أسمع ضحكات أتت من سراج، ومعول، وشجرة، ما عدا حبات رمل تصرخ بي.. إليك عني يا مجنون، لقد قتلتنا بمجونك هذا، لم أكن أصدق ما أسمعه!!! بالتأكيد قد مسني الجن، هذا ما قلته لنفسي، فرميت بها إلى بطن تلك الشجرة، دون شعور، والتي ما أن أحست بجسدي بداخلها، حتى طوت جذعها، وما تبقى من أغصانه المبتورة، شِباك لتقيدني، تلك التي نلت منها بمعولي ساعة قوة وسطوة، حركت الرياح أغصان أخرى، لتلفح وجهي خدشا بأصابع خشبية، ضاق صدري هلعا، طفقت أنشد رحمة الله بتسبيحه، والتعوذ، بأن يزيح عني كابوس اليقظة هذا، وهلة… وإذا بصوت صفير، يقرع طبل نفسي صائحا، ما رأيك الآن؟؟؟ هل أحسست بشعوري؟ أتذكر… حينما أخذت تعمل على تقطيع أوصالي ومن ثم بيعها لسد فاقتك؟ لم تسأل نفسك عن تأريخي، ولا عن سبب وجودي، هكذا انتم بنو البشر، ما أن توضع الأداة بأيديكم، حتى تحصدوا ما تقع عليه ، عمد لساني إلى سحب كلمات غائرة في جوف عقلي، لينطق قائلا: الذنب ليس ذنبي، فما أنا إلا ضحية مثلك، خُلقت وورثت الفقر عنوة، لمجرد أني أعيش على الهامش، كما ليس لي ظهر أو سند، هذا ما علمته عن الأسلاف، حتى في عالم الحيوان والنبات، سمعت أن القوي يأكل الضعيف، وما قوتي إلا ضعف، طغى على ضعفك للاستمرار في حياة أرضها قبور أموات، سماءها سوداء حزينة على قاطنيها، تلك الأرض كرهت أن يسكنها أجساد علت أصواتها مطالبة بالحقوق، والعيش كباقي البشر بإنسانية حقيقية، كما مَلِكها وعاشها من لم يعبدوا الله، كانت لكلماته بعض أثر في نفوس من تنصتوا لمحاورة، فقال السراج: عل كلامك فيه بعض الحقيقة، لكن عليك أن تفهم، لاشيء يأتي بالخنوع والتشرذم، أو الإنعزال، فعليكم أن  تصرخوا، تعملوا على المطالبة بالعدل، وإن كان هناك تضحيات، فهي النذر الحقيقي لقوام تغيير الواقع، لكني أراك ومن خلال معاشرتي لك، انك نكرة، لا تقوى على الصراخ، إلا في جوف ليل فارغ، أو أحلام يقظة
عَلّقَت الرمال: لاشك هو ما تقول.. وإلا ما الذي يجعله يتقاعس عن المطالبة باستحقاقاته كإنسان؟ قُُدِرَ له أن يهمش، فيختار العيش كقاذورات لا قيمة لها، أجدنا نحن أجدر وأقوى على الصمود من بني البشر، الذين أضاعوا خيراتهم بسبب حب الذات، والتملك الدموي، قالت الشجرة لجذعها.. أتركه، لقد لبس من هالة الرعب رداءً لا يمكن لبدنه أن يخلعه، يكفيه ذلك … أظنه فهم، أن الحياة تحتاج إلى العمل المتواصل مع الآخرين، فعليه أن يسعى لنيل مراده، يؤمن أن الحياة ستسير به، أو بغيره، فلا يوجد من خلقه الله على الأرض، دون أن يكون حامل رسالة، فكلٌ له هدف، وما عليه إلا أن يتخطى عامل الرعب، يُشعر نفسه أنه يمكن أن يهدم جبلا بمعوله الثلم، إن عَزِمَ على ذلك، طرحته الأغصان بعيدا قائلة: هيا اذهب… فمتى ما أحسست أنك إنسان جدير بالحياة، هات معولك وأحتطب، وإلا عد إلى ركنك المظلم في داخل نفسك، أو أقضي عليها، ويا هذا..؟؟ ما أن طرحوني أرضا، حتى أمسكت جلبابي في فمي، وجريت دون توقف، إلى أن وصلت عندك، أرجوك يا هذا… هل سمعت بمثل قصتي؟ هل تصدق ما قلته لك؟؟ أم تلفاني مجنونا، عبثت به يد الجن حتى لحست عقله، تبسم ألهذا فقال له: لا لست مجنونا، لكنك كنت بحاجة إلى صفعة قوية، لتعي أنك إنسان قادر على التغيير، فبصوتك وقوتك، يمكنك أن تنال ما تريد، وبشرعية، أما ضريبة ذلك هو أن تهزم خوفك، وتنسى فقرك، لتسير مع الركب الجماعي، لتكونوا جدارا صلبا أمام الطغاة.