بعد الخطة الخمسينية التي خطط لها العراق بعد تأميم النفط ، تم فتح ابواب الهجرة على مصراعيها للمصريين بالهجرة الى العراق وخصوصا بعد أن ذهب معظم الشباب العراقي والايدي العاملة ملتحقين الى جبهات الحرب في الحرب الضروس التي امتدت لثمانيَّ اعوام بين العراق وايران.
ملئ الاخوان المصريون العراق من اقصاه الى أقصاه ، ويوم وطأة قريتنا اقدام أول مصري يصل الى هذه المناطق وكان يشتغل عند احد القصابين في الناصرية الذي جاء وبتدخل مني لشراء جاموسة شغاتي الى انكسرت ساقها فكان عليه أن يبيعها مرغما.
استلم شغاتي المبلغ وحتى لا تتعرض الجاموسة لعارض في الطريق حيث يصعب نقلها وهي حية في المشحوف ، قرر القصاب أن يذبحها في باحة ترابية امام المدرسة فقادها عامله وجعلها تبرك وأراد ذبحها من دون أن يضع رأسها بأتجاه القبلة فصاح عليه القصاب ابتعد عنها هذه ليست القبلة لا تقرب سكينك من رقبتها.
سكن الفضول شغاتي : وسأله ، عمي من وين أنت. كيف لاتعرف القبلة.؟
قال المعلم : اعرفها لكن انا مصري قبطي.
انتبه القصاب بذهول وقال : ولماذا لم تقل لي أنكَ قبطي.؟!
تعجبت وسألت القصاب :وهل تعرف من هم الاقباط .؟
قال : كلا . ربما هم اقارب لليهود.
ضحكت وقلت للعامل المصري : أشرح له .
قال :نحن مسيحو مصر يسموننا الاقباط .
قال القصاب وضاحك وبسذاجة : يعني تلبسون قبابيط .؟
ضحك المصري وجامل معلمه : لا يا معلم نرتدي ما كان يرتديه يسوع ، عباءة سوداء.
قال شغاتي :اهل بك فأنتم ابناء مريم وعيسى ومذكورين في اية آل عمران .
قال المصري : نعم نحن اخوان وابناء عم لكم.
قلت :نعم اخوان ولا يفرقنا عنق جاموسة.
فتحي عامل محل القصابة كان أول قبطي يرتجل هذه الارض وقبله جاء الى الناصرية في الستينات والسبعينات مدرسين اقباط .
ولكن فتحي افتتح الخطوة لأبناء ملته عندما اكتشفنا أن اكثر من مصري يسكن قضاء الجبايش واغلبهم يعلمون بصفة نادل في نادي الموظفين وكانوا ستة ، ثلاث منهم من الاقباط عاشوا في المكان وتألفوا معه ولم يسألهم احد عن طقوسهم وأين يمارسوها ، ولكن في ليلة الميلاد المجيد نصحت رئيس العمال في النادي وكان اسمه بطرس ان يذهب الى العمارة ففيها كنيسه وبإمكانه حضور قداس الميلاد المجيد.
تعجب بطرس من اقتراحي ، فطوال عملهم لم يسألهم أحد عن دياناتهم ومذهبهم وربما عرفنا بطرس بأنه قبطيا بسبب اسمه ، وحين اقترحت عليه هذا تمنى علي ان لا أشيع سفره لأنه يحترم المكان وخصوصيته.
قلت : لاعليك الناس هنا تعرف انكم نصارى ولكن لايعرفون أن تسميتكم اقباط وهذا لا يشكل لديهم شيئا فقديما وحاضرا الديانات كان موطنها جنوبا وإلا كيف تكون هناك كنيسة في مدينة في اقصى الجنوب وهي محاطة بالأهوار ، وحتى ان نبي اليهود العزير مدفون قرب ضفاف نهر دجلة وغير بعيد عن مدينة العمارة .
أطمئن بطرس ، وقال :اشكرك غدا اصطحب اخواني من العاملين الاقباط في الجبايش ونسافر الى العمارة.
قلت : مبروك لكم عيد الميلاد المجيد ، فانتم حين تسافرون الى مدينة لا تعرفونها لمجرد انها تحتوي على كنيسه فهذا يعني انكم اقباط 24 قيراط….!