1
في ظهيرة بغدادية نيسانية قرّر السيد تعبان العراقي التجولَ في شوارع مدينته علّه ينفّسُ عن صدرهِ ألماً أحسّهُ لأول مرة. أندهشَ لرؤية كل هذا العدد من لافتات مرشحاتٍ ومرشحين لأنتخابات ما… اللافتاتُ ملونةٌ كقوسِ قزح، وعليها البنات والبنين والسيدات والسادة، والكلُّ يعدُ السيدَ تعبان العراقي بالدجاجِ الطيبِ والخبزِ الحار ومعجونِ الطماطم والطحين وتحقيق أمانيه الأخرى في حالة الفوز. في ذاك اليوم ظلَّ السيد تعبان يدعو ربَّهُ لأن يجعلَ كلَّ أيام بغداد أنتخابية على مدارِ العام حتى يظلَّ يأكل الدجاج ويثير العجاج..!
2
تذكرّت أم عبد الله وهي تحكي لحفيدها الصبي كيف أن نوّاب بغداد القدامى كانوا يتمتعون بروح الدعابة.. تشاهد هي الآن على شاشة التلفزيون أمامها منظر المرشحين والمرشحات لإنتخابات هذا العام، وتردّد بصوت عالٍ يسمعه حفيدها ” وبمجلس النواب أخطب بقلبي..” و ” أبو حسين يابه .. تكه وكباب يطعّمه للشعب لو نابه” .. يضحك صبي العائلة وهو يفتحُ كتابَ الرياضيات المعاصرة أمامه مهيئا نفسه لأمتحان الغد.
3
على صوت الموسيقى الشعبية أرتدى أبو سلام العراقي أحلى بذلاته التي أشتراها مؤخراً..وراح يتحضّر للذهاب الى مركز إنتخابي قريب.. حدثّته نفسه بأن مَنْ سينتخبه لن يكونَ أحسن منه…ترك الورقة بيضاء، ثم بعد هنيهة كتب أسمه هو ( أبو سلام العراقي). طوى الورقة بين يديه، ودفعها بتحدٍ الى صندوق التصويت.
4
قبل أن يصلَ ألى السوق العربي البغدادي، توقفت سيارته في إزدحام شارع الرشيد، وقعت عيناه على ملصقات إنتخابية ملأت الشوارع بشكل مزعج. رددّ مع نفسه: تناقضات وتفاهات. بعد أقل من عشر دقائق أرتجّت سيارته بعد أن أصطدمت بها سيارة شاب مراهق، ظلَّ يحدق بسفاهةٍ على ملصقٍ انتخابي ملوّن توسطته صورة أمرأة حالمة.
5
جلس أبو هادي البارحة مفكرا مع نفسه، مشغولا..وأستمارة الإنتخابات أمامه. تذكّرَ تحذيرات وفتاوى السادة والشيوخ، فأخذ قلبه ينبضُ كأنه ماكنة قطار تستعد للسفر..ثم تذكّرَ إنقطاع الكهرباء المزمن وسيارته التي خسرها بسبب حفر الشوارعِ وقاذوراتها.. ثم إن الدموعَ ترقرقت في عيني “أبو هادي” وهو يتذكّرُ كيف أن مستشفى المدينة لم يستطع علاج إبنه الصبي.. ثم تذكّرَ جاره الذي فقد أبنته الشابة في إنفجارٍ جبان قبل أسبوعين قرب سوق المدينة.. تذكّرَ كلَّ ذلك في ساعة زمنٍ صعب، فأخذَ نفسه الى الشارعِ سائلا كلَّ النَّاسِ لأن يسيروا معه محتجين، رافعين أستمارات الإنتخابات عاليا نحو السماء التي لن تنساهم أبداً…
6
أرتاح العم أبو ياسر وهو ينهي كتابةَ الصفحات الأخيرة من كتابهِ ” الديمقراطية في العراق”. كان يكره حُكم الحزب الواحد ويحبُ أن يشاركَ في إنتخابات مجلس النوّاب. في عام ٢٠٠٥ أصرَّ العمُ وهو في غربته على الذهابِ لمقرٍّ إنتخابي فُتِحَ للعراقيين في لندن. لامسَ قلبَهُ شعورٌ غريبٌ وهو يغمسُ أبهامه في الحبر البنفسجي. راحَ يتطلّعُ الى وجوه لم يكن قد شاهدها قبلا. العراقُ منذ ذاك الزمن ظلَّ يتشظى، والعم أبو ياسر بقي في غربته منكّبا على تأليف كتابهِ الجديد ” ضياعُ وطن”.
7
خالتي أم مصطفى إمرأة في السبعين من العمر..أتصلت بي قبل يومين لتشرح لي عن مشكلتها مع مرض السّكر وكيف أن المستشفى القريب على دارها في اليرموك لا يوفر لها حقن الأنسولين.. قبل أن تنهي أتصالها سألتني فيما اذا كُنْتُ قد سمعت عن الإنتخابات.. قلت لها نعم.. قالت وَمَنْ سيفوز برأيك؟ وهل تعرف أن قريبك السيد أحمد قد رشّح نفسه البارحة؟..راحت تسألني بطلاقة وأنا أنصتُ أليها دون أن أحار جوابا، في حين رحتُ أرتب لها شحنة أنسولين تداريها من هموم مرض مزمن..!
8
صديق ١: الذي سيشارك في الإنتخابات إما واهم أو منتفع…
صديق٢: أنا واهمٌ آذاً، ولكن أريد أن أثبت وجودي..
صديق٣: لن تفوز بلعبة اليانصيب دون شراء بطاقتك..
صديق٤: أشترينا كلنا بطائق يانصيب في الماضي ولم نفز!..
مسؤول عراقي بأمتياز: الانتخابات لن تؤجل ولابد لكم من أن تصوّتوا لي..!
صديق قديم: لا تتعبوا أنفسكم، فعطاشى العراق لن يغرّهمُ السرابُ…
9
المركز الإنتخابي بعيد….
قائمة التسّوق طويلة
لم ينم البارحة إلاّ ساعة واحدة
مرض القرحة عاوده ثانيةً
مزّقَ أستمارة الأنتخابات وراح في غيبوبة..!