23 ديسمبر، 2024 2:09 م

لم أتوقّع يوما أنني سأكفر بـ (الفكر الإسلامي ) مثلما فَهمتْهُ بعض المذاهب والجماعات ، ولم أتوقع أنني سأقف يوما مناصراً لمقولة ماركس :(الدين أفيون الشعوب )..حين أحمل (الدين) مقيّدا لا مطلقا ..
إن جوهرَ الإسلام كدين سماوي ، أُريد له أن يظهر على الدين كله ـ العدلُ ، وضمانُ كافة الحقوق الإنسانية ، وفق منظومة تعهّدت أن لا تفرق بين لون ولون ولا قومية أو مذهب ، من ذلك دعا ـ حرصا منه على ثبات قواعده ـ للنفور خفافا وثقالا لاسترداد هذه الحقوق حين تتعرض للاستلاب..
ثمة حملة مناهضة لهذه الحقيقة التي رسّخها الإسلام وبامتياز ، حملة أسَسَ لها الحكامُ المستبدون ، كي يتمترسوا بها عن المنتفضين ضدهم ، وفي ذلك طمأنة تامة على سلامة سلطتهم ، وحمايتها من أي خطر طارئ ، ولاشك أنّ من مقتضيات ثبوت الحملة وبسط نفوذها في عقول الرعية ـ هو الترويجَ لها عبر نصوص دينية ، تأخذ على عاتقها التحذير من المساس أو الاقتراب ، ولو بالإشارة ـ من نبذ الحاكم لممارساته التسلطية ، ولو مارس ذلك علناً جهاراً ، باعتبار ذلك مخالفة سافرة للمعتقد ، وأن الصبرَ عليه  كيفما كان ، أساسٌ من أسس الدين ، وامتثالٌ  للطاعة المفروضة من قِبل السماء ، ((.. أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم ..)) ..
ربما لا تجد هذه الفكرة أحيانا ، قبولا عند العامة ، إن جاءت على لسان الحكّام وحدهم ،غير مشفوعة بما هو عقدي ، ما دعا الحكام إلى تجنيد مناصرة (العلماء الوعاظ ) لهم ، من الذين يدورون في فلكهم ، ويلتمسون عطاياهم ، لتجد الفكرةُ قبولا تحت غطاء شرعي ، يصعب الخروج عليه ، ومفادها أن الحاكم ، أو وليّ الأمر، مهما استبد ، فليس لأحد معارضته ، بأي شكل من أشكال المعارضة ، ما لم يبلغ حدّ الكفر ، فما كان من بطش وتجاوز على الممتلكات العامة والخاصة ، ومصادرة الحريات ، فهو مباح له ، وأنّ السكوت عليه ،
فرض لامناص منه ، اتقاء الفتنة ، وشق عصا الجماعة ، اللتان توجبان غضب الله ..
ومن أجل أن يطول عمر استبداد الحكام ، ليرتعوا هم ووعّاظهم في مرتع واحد ، دون أن يعكّر صفو بذخهم ،  وترفهم ، ورغد عيشهم ، معكِّرٌ، وبمرأى ومسمع من الذين يعيشون تحت خط الفقر.. ومن أجل أن يُكتب لكل هذا ، عمر مديد ، يتوارثه الأبناء ، وأبناء الأبناء حتى قيام الساعة.. يتوجّب اختلاق الأحاديث ، ونسبتها إلى النبي الأكرم ص، ثم تدوينها في المصادر التي يعتمدونها كمراجع ، دون أن يُجرى عليها أي مراجعة ، أو تغيير، لتُطلق إطلاق المسلّمات ، كي تتأكّد حقيقة سريان التخدير في جسد الأمة ، وليأخذ هذا الأفيون أثره البالغ .. ولا أظن أن ثمة أفيون أخطر منه ، وهو يجرد الإسلام من جوهره ، وفي ذلك مطابقة تامة لشطر من مقولة ماركس : (الدين أفيون الشعوب) ، إن أريد بـ (الدين) مقيدا ، كـ (دين) المهووسين بالتشدد المقيت ، من القاعدة وأتباعهم ، في أمة جلّها يعتقد هذا المعتقد ، ويذهب هذا المذهب .
[email protected]