23 ديسمبر، 2024 6:59 م

أفول العراقية!!

أفول العراقية!!

قبيل انتخابات  مجالس المحافظات، افاد التقرير السياسي الاسبوعي  الذي يصدر عن رئاسة المجلس  الاسلامي  الاعلى ويوزع على  كوادره القيادية ، بان القيادات  التقليدية في  القائمة العراقية  اخذة في الافول أمثال “طارق الهاشمي – حارث الضاري – الشيخ السعدي”، ويدلل على هذا المشهد   بالقول ” لم يعد هناك من يستمع إليهم داخل هذا المكون السني أو في هذه التظاهرات”، واضاف التقرير الذي حمل الرقم 319  والصادر في الثالث من مارس الجاري ، ان  بروز شخصيات جديدة بالواجهة السياسية وبقوة أمثال “النجيفي، العيساوي، العلواني” وهذا يعني غياب التأثير التقليدي لزعماء العشائر والشخصيات والبيوتات المرموقة سابقاً، مذكرا بان منصة الخطابة لساحات التظاهر أصبح يتقاسمها الجيل الجديد من المتشددين من أتباع الحزب الإسلامي، أما مقدمة المتظاهرين والذين يرددون شعارات معادية للعراق الجديد هم من بقايا القاعدة والبعثيين الصداميين المتضررين من النظام الجديد حيث اتسمت شعاراتهم بسمة الطائفية والتحريض ضد مكون معين لإذكاء الفتنة بين “الشيعة والسنة”،حسب  نص التقرير .
وربما  لا اتفق  كليا  مع  رأي  كاتب هذا التقرير ، لان  السمات البارزة في  الحراك الشعبي  للتظاهرات الحالية  لا ينطلق  الا من فرضيات عشائرية  ما زالت هذه السائدة في  المجتمع الاقرب للبدواة الصحراوية  ، ان صح التعبير، في  مناطق الرمادي وصلاح الدين، وبيجي  ن واغلب  مناطق الموصل التي تتمتع بميزة فريدة  بالترابط الوثيق  ما بين أواصر التقاليد القبلية الصحراوية  وبين التقاليد المجتمعية  للمدنية ، حتى يمكن لاي مراقب توصيف  هذه السلوكيات بكونها اقرب للريف في المدينة واقرب  للمدينة في الريف  المحيط بها ، ناهيك عن أخلاقيات الصحراء في  مفاهيم البداوة  المتعارف عليها  .
  ويرتبط  هذا السلوك الاجتماعي  كليا برجل الدين ، في  ثنائية  واضحة المعالم  تربط  ما بين الطاعة الدينية لرجل  الدين ويتمثل ذلك في  الحضور المتعاظم لصلاة الجمعة، وبين  الطاعة لقيادة العشيرة ثم القبيلة  دنيويا  ن حتى ان هذه المناطق عرفت على مر العصور الاسلامية  وصولا الى  العصر الحديث ، بكونها  عصية على طاعة الغير ، لينة في طاعة اولي الامر من الولاة من دون التدخل في الشؤون القبلية ، وقراءة  في كتاب “اربعة قرون من تاريخ العراق”  لمؤلفة البريطاني ” ستيفن همسلي لونغريك” وترجمه جعفر الخياط ، تؤكد ان مفهوم  الطاعة القبلية هي الاكثر عمقا في  المناطق المتاخمة للصحراء العراقية  منها لتلك  التي  تحتضن السهل الرسوبي  ما بين نهري  دجلة  والفرات  .
كل ذلك يؤكد  خطأ فرضية غياب  القيادات التقليدية  عن القائمة العراقية أولا ، وأيضا  خطأ  فرضية أن زعامة الدكتور أياد علاوي لم تعد تعيش وهجها الجماهيري بالرغم من ليبراليته، فهو يعد من مكون آخر وهو يعيش صراعاً خفياً مع الدكتور صالح المطلك من جهة ومع محور”النجيفي – العيساوي” من جهة أخرى.
ومشكلة هذه التحليلات انها تحاكي مفهوم المكونات الطائفية والقومية ، بوصف العراق يتكون من طوائف ونحل وملل، فيما القانون الدستوري لاي دولة  حديثة  يتجاوز هذه المكونات ويقفز الى تعريف الشعب بوصفه المكون الرئيسي  للدولة  في  تعريف  واسع النطاق تتفق عليه الأدبيات العالمية مثل دائرة المعارف البريطانية  والقاموس السياسي الأميركي  وحتى  تعريف المجمع العلمي الفرنسي ، بان الدولة هي  شعب يعيش على رقعة من الارض  متعرف بها وبحدودها  من الدول  الأخرى، لكن  اتفاق  التحالف الكردي مع  الأحزاب الشيعية  على  فرضية تقسيم الشعب العراقي الى  مكونات من اجل الحفاظ  على حقوق سلبت  في  العهود  الحكومية  ما بعد تأسيس العراق الحديث بعد الحرب العالمية الأولى ، يجعل  فرضية الحل  معكوسة ، لان أي  حديث عن تنوع عرقي او طائفي  واحد لتكوين مفردة  الشعب ، تعني  عدم وجود شيء اسمه العراق ،  واعادة رسم خارطة الجغرافية البشرية عبر الأقاليم ، لا يمكن تبريرها بمثل هذه التحليلات عن  ظهور  موجة عالية من التطرف  لدى المكون السني  وإمكانية عودة بقايا البعث الصدامي لقيادة التظاهرات، لان الجميع على دراية واضحة بان هذه الأمور تقرأ من زاوية  الأجندات الحزبية  فقط وليس من زاوية القول المأثور للإمام السيستاني  ” لا تقولوا  أخواننا السنة بل  أنفسنا  “