الناس أنواع ولا تحصر في نماذج إلا كمثل وليس الحصر، فهنالك من لا يكترث لأمر ويحاول أن يتمتع بحياته لا يهمه أحد ولا مصيبة احد ولا بلوى في امته، حاجات تسد وغرائز تشبع ومشكلته مهما كانت بسيطة هي اكبر من مصيبة أهالي مفقودين في حرب أو سونامي، وناس تعيش في الماضي ولا تغادره في فكرها وعمليا تعيش خارج الواقع، وناس تفكر بالمستقبل ولا تعيش فيه إن أتى لأنها تكون مشغولة بالتفكير بالمستقبل الذي لم يأت، وناس تعيش الحالين، فكرها في الماضي ومثالية سلوك أهله الملائكية المنقولة وسلوكها في الواقع بأسوأ أخلاقياته وتبرر هذه بتلك.
وهنالك أناس خارج هذه الصناديق التي تتصور أن الناس إما تشبهها أو تضع الناس في أحدها لتخفيف عبئ التفكير في الحكم على الآخرين، هذه الثلة التي خارج الصندوق تفكر خارجه وتحاول إنقاذ مجتمعها بطريقة أو أخرى، بيد أنها تتعرض إلى الاضطهاد كأي مخالف بينما هي ليست مخالفة وإنما مختلفة رغم تنوع هذه الناس وتعدد توجهاتها ولا يجمعها جامع إلا نظريا أنها تفكر في غيرها وتعيش على معنى الحياة في أنها عطاء والعطاء هذا منه من يكون في سبيل الله أو في سبيل قيمة يعتقدون بها أو إله يعبدونه.
فكرة الصندوق وتأثيرها على الإصلاح
على هذا فان الشعوب عموما لا تؤيدك لتفكير أنت تراه أو لمصلحة لك، وإنما تريدك أن تكون أنت كما تريد هذه الشعوب، لكن المشكلة قائمة أيضا فهي ستسأل وفق أي صندوق من صناديقها!، فليس بالضرورة أن تتفق هذه الصناديق إلا في تسفيه للآخر الغير معرّف لها ولكن ندرما تتفق على أي منها لإدارة أو وزارة أو فكرة، ومن يعمل في الإصلاح عليه أن يتحلى بالصبر فالمتصدي للعمل العام مجروح الذمة والمصداقية لا تعطى له بالمطلق، وهذا هو باب خطأ يمر به كثرة من المتصديين عندما يفكر بسيناريو كامل أو مشروع يريد أن يطبقه دون عرضه على الناس والإلحاح لإفهامهم إياه، لان الناس عادة تأخذ موقف الناقد وتتحفز للرد السلبي على أية مبادرة مجهولة وخارج تفكير الصندوق أو من صندوق آخر أو الجماهير نفسها تفترض انه من صندوق قد تكون معادية له وهو الأغلب.
التفاؤل المسبق غير مطلوب كما التشاؤم المسبق
لا ينبغي أن يذهب الساسة أو الدعاة والمصلحين إلى التفاؤل بان الشعب هو كما يتكلم فهذا مظهرا خادعا في بيئة تنمية التخلف، فالكلام ليس بالضرورة يعبر عن توجه، والسلوك اللحظي لا يدل على منهج، والمديح لا يعني ولاء لك فهو إما مجاملة أو بحثا عن طريق لقضاء مصالح كمنصب أو مادة أو شيء ما.
الصناديق قاتلة للأمل الحقيقي
رغبة الناس في تصنيف أي جديد ووضعه في صندوق معروف تضيع فرص على أي أمة تعيش في انحدار حضاري وتخلف مدني كأمتنا بل هي بيئة لمنظومة تنمية التخلف، وقد تسفهه غالبا وتقاوم أي تقدم له، وهي تقتل الأمل في نهضتها التي تسمع منها أنها تتحسر عليها وترغب فيها، لكن التشوهات الفكرية والسلوكية ونهضة الأنانية تجعل غطاءً سميكاً من المشاعر السلبية تجاه أي طاقة واعدة، وهذا ليس بدعا فلطالما واجه مثله الأنبياء والمصلحون، فنرى المجتمع وما يسوده من منظومات طاردة للطاقات أو معادية لها فإما تعطلها أو تؤذيها أو تجعلها تهرب إلى منظومة أخرى عندما تحس بالغربة وتفقد القدرة على المطاولة والصبر على المعاناة، وغالبا ما تدفن هذه الطاقات.
التفكير خارج الصناديق المتخلفة التي تهيمن عليها الأنانية وضعف التفكير والغرور بالفراغ غير الواضح عند غالبية هذه الناس فهي تتصور أنها قد اخترقت جدار الحكمة وأنها مؤهلة للتقييم وليس لنمو المعرفة بالمزيد أو السماع للنصيحة
ما هو المطلوب:
من الأمور الضرورية أن تنشأ منظومة نهضة ذات تفكير استراتيجي وتخطيط استراتيجي يستند إلى هوية فاعلة وتصحيح أفكار الناس تدريجيا، ولا يأمل المصلح أن يحقق نتائج ما هدم في قرون طويلة وتعتبره الناس في جانب من التقديس عندما تظن أن ما تعتقد هو مقدسا سواء كان بسند ديني أو فكرة علمانية أو حتى ما يطرحه من اتخذوا الإلحاد دين، وكل هؤلاء بعصبية وثيوقراطية مقدسة حتما.
من الضروري أن يفكر في الأمة ما يصل إلى نسبة من الناس حتى لو 2% بفهم حقيقي لهوية الأمة ويتولى بعضهم تجمعا يستخدم المتاح من وسائل الإعلام لخطاب الناس وتفكيرهم وليس عواطفهم وغرائزهم عندها ستفتح الطريق إلى النهضة بلا صناديق حيث يشارك الجميع بمتعدد أفكارهم في نهضة الأمة.