في بحار تئن فيها الرياح … ضاع فيها المجداف والملاح ، بيت من قصيدة جورج جرداق التي غنتها السيدة ام كلثوم عام 1968 ، ولا أرى اكثر اختصارا ودقة منها لتوصيف المشهد العراقي المحيط بالزيارة اليوم ألا اختصار السيد فايق الشيخ علي يوم طلب منه مقدم البرنامج ان يختصر المشهد السياسي العراقي بدقيقة واحدة فأجاب (( صخام ولطام))
من هو الملاح؟؟ أين المجداف ؟؟ لقد ارست كونداليزا رايس (الفوضى الخلاقة) وهي لم تكن خلاقة حقيقة فطورناها الى (الخراب والضياع غير الخلاق) حقيقة وليس كلاما ككلام (كوندي) اسم الدلع الذي كان ينعتها به سياسيو العراق بأنواعهم (ابو عمامة ، وابو جراوية، وابو رباط ) ايام الغالي بريمر ، يوم كان من يقاتل الاحتلال ارهابيا بحسابات من يرفضه اليوم .
الفكرة الاولى والبديهية التي قلتها مرارا هو ان قاعدتي الاسد وحرير باقيتين ضمن الخطة الاستراتيجية الامريكية للانتشار العالمي وهذه الخطة ( شرق اوسطيا) تنطلق من معطيات سياسة الاحتواء المزدوج للعراق وأيران منذ عقود وبعدها الاحتواء التمايزي الذي يركز على العراق اكثر من ايران ، وأن حصل غير المتوقع فلن يحصل الا بجدول زمني وتحت شروط غياب الخطر الايراني المهدد للمصالح الامريكية في الخليج والمنطقة … خصوصا وأن قاعدة حميميم تتوسع على المتوسط مما يقود الادارة الامريكية للتفكير بالتمسك بهاتين القاعدتين
هذا الانسحاب ان حصل ولو جزئيا او بجدول زمني فأن فوائده تكمن في غياب حجة السلاح المنفلت ،والممانعة وتقليص النفوذ الايراني والذي تضاءلت حظوظه الشعبية بعد انتفاضة تشرين التاريخية ، وبالتالي سيكون العراق دولة مستقرة يمكن فيها الحديث عن الاصلاح والسيادة ومحاربة الفساد ..بعد تقلص عدد صناع القرار (الامناء العامون مدى الحياة للكتل والاحزاب وزعماء الفصائل المسلحة)
وهذا الانسحاب سيكون ضمن جدول زمني مناسب لأمريكا حيث ان اعلان الجدول فقط يمكن ان يحقق ما جاء في اعلاه واتوقع ان يستغرق الامر سنتين الى اربع سنوات وهو الوقت المناسب لوقوف العراق على قدميه باستخدام (العكازة) على الأقل ، وأن اشتغال الشركات الامريكية ومعها (بلاك ووتر) واستثماراتها في المجالات التي اعلن عنها ، ستحسن الاقتصاد نسبيا مما يحقق استقرارا نسبيا يمكن امريكا من الخروج وهي مطمئنة على قدرة العلاقات الاقتصادية وغيرها على الحلول محل القواعد العسكرية في تحقيق الاهداف كما تمكنت العقوبات الاقتصادية من الحلول بدل العسكر في صراعها مع ايران
خصوصا وأن امكانية واشنطن على التأثير العسكري في المكان والزمان المطلوبين هائلة من خلال الصواريخ عابرة القارات والفرق المجوقلة سريعة الانتشار والقدرات الاخرى مما يقلل من اهمية التموضع في المكان
اخيرا نضيف الى ان الكاظمي بدأت شعبيته تتزايد ليس لأنه مثالي بل لأنه على الأقل افضل من اسلافه جميعا ولا يعترف بذلك الا العارفين بحجم التحديات والمطبات المعيقة لحركته ، وهذا الانسحاب سيعزز من شعبيته وقدرته على اتخاذ القرارات بصدد السيادة اولا وبصدد التعامل مع امريكا لتنفيذ ما سيتم الاتفاق عليه من مشاريع .