قرر أبو نجم الذهاب إلى مقهى أبو علي للترفيه عن نفسه, والالتقاء بالأصدقاء, لكن الأهم عنده كان لاحتواء مقهى أبو علي على مكيف حديث, يجعل الجو باردا, فلما لا يهرب من جحيم تموز إلى جنة أبو علي.
كان النقاش صاخبا, وكان الأستاذ عبد الأمير يطلق ألاف اللعنات والشتائم بحق الساسة وبأسلوب مضحك.
وبعد السلام والتحية, حاول أبو نجم أن يفهم مغزى الصخب, ومن هو الذي قذفوه بأنواع عجيبة من الشتائم, فتسائل باستفزاز:-
من هذا الذي تشتمون؟ ولماذا كل هذا الحقد؟
فبان الغضب على وجه أبو زهير ( وهو موظف مسن في وزارة التربية) حيث لم يعجبه تعقيب أبو نجم, فقال:
– أنهم الساسة الحاكمون, فهل تجد لهم عذرا مع إهدارهم للوقت والمال, وهل تجدهم يستحقون التبجيل والتصفيق, بدل قصيدة الشتائم التي ألقاها أستاذ عبد الأمير, أتريد تحديد نعم قصدنا الحاكم, صاحب القرار اليوم.
– أنا لست منحاز لسيادة الرئيس, لكنه حاول وهذه قدراته, فالعيب في الذين جلبوه للمنصب وليس هو, هم يعلمون من هو, وما هي قدراته, اعتقد أن الكل شركاء في الخطيئة.
– أذن تصيغ له العذر, أتذكر وعوده لنا عند استلامه للحكم, ولم يتحقق شيء, أفلا تعتبر عدم الوفاء بالوعد منقصة؟!
– البرنامج الحكومي لم يتحقق منه شيء, كما فعل السابقون يغرون الجماهير ببرامج تدغدغ أحلامهم, وبعد الانتخابات ينفض العرس, وينفرد العريس بالعروس, وعلى الحضور أن يرجعوا منتظرين عرس جديد.
– أسألك أبو نجم لو كنت أنت رئيس الوزراء ألان فماذا تفعل؟ كيف ستعالج المشاكل؟
– أول الأمر أجهز فريق من المحاسبين والقانونيين والخبراء, ممن أثق بصدقهم ونزاهتهم وكفاءتهم, واحدد المشاكل, وأضع أولا مشكلة السكن, واحدد طريق حل المشكلة, فأضع آلية معينة لتوسيع بغداد ,عبر توزيع الأرضي للموظفين والعسكريين, مع فتح الطريق للقروض الميسرة, مع الشروع بالاتفاق مع شركات رصينة لبناء مجمعات سكنية, واهتم بالبناء العمودي, واحدد سقف زمني مثلا سنة, وأتابع أسبوعيا أين وصلت بوادر الحل, وما يعترضها من مشاكل.
– رائع, تعجبني أفكارك أبو نجم.
– ليس هذا فقط, بل أطبق فكرة المرحوم عبد الكريم قاسم, حيث اشرع في حفر قنوات جديدة, مثل قناة الجيش, باستخدام آليات الوزارات, كي لا نهدر الأموال, ونوزع الأراضي على الضفتين, وهكذا تظهر للوجود إحياء جديدة, ويتوفر عمل يخفض نسبة البطالة, ويتحقق بعض الرضا من قبل الناس, فنكون بخطوة واحدة حققنا أهداف عديدة متداخلة.
– الله عليك, كم أنت كبير يا أبو نجم.
– وعلى مدار أربع سنوات مع المتابعة الدقيقة مع فريقي, نكون قد انهينا أزمة اسمها مشكلة السكن.
كان كل الأصدقاء مؤيدين لكلامي, مع اختناقهم بالحسرة وآهاتها, لان الإرادة لتفعيل أفكاري تحتاج لموافقة الكتل السياسية الصماء, التي فقدت الإحساس بالفقير ومشاكل الوطن.
فقط بقي أبو مشتاق ( اسكافي الحي) والمعروف بعشقه لكرة القدم, صامتا يحاول إن يقول شيئا لكن يبدو عليه التردد, فشجعه أبو زهير على النطق بما في جوفه, فقال:
– أحلفك بالله يا أبو نجم إن تضع خطة كي يصعد منتخبنا لكاس العالم, أنها المشكلة الأكبر التي تشغلني منذ عام 1986.فضج المقهى بالضحك, وفجأة انقطعت الكهرباء, ليعود سيل اللعنات بحق الساسة من جديد.