إن التنافس اما أن يكون شريفا وبريئا وجيدا، ببساطة: كما يحصل بين بعض الطلاب؛ حينما يتنافسون على المرتبة الأولى والثانية فهذا شيء جيد، او في الغالب يكون متصلا بانحطاط المدنية، ومتصلا بانحطاط الأخلاق؛ لأن التنافس في الغالب يتم بطرق غير مشروعة، كما نعرف مثلا في سياسات الطرد من الأسواق؛ عندما يأتي تاجر كبير فيخفض الأسعار إلى درجة أنه يخسر، لكي يطرد المنافسين من السوق وينفرد في السوق بعد ذلك؛ ليرفع الأسعار كما يشاء أو يهيمن بوساطة النفوذ والسلاح والإعلام.
بكل تأكيد التنافس في العملية السياسية في العراق من نوع آخر، لأن السياسة في الأساس هي لا تقوم على النقاء في ظل الأنظمة الرأسمالية، وليست هناك سياسة ليست فيها مناورة، دائما السياسة هنا فيها ظاهر وباطن وهذا له أسبابه طبعا، وليست هناك سياسة رأسمالية خالية من التلاعب السلطوي على حساب الإنسان، فالتنافس يصل أحيانا الى كشف الفضائح، يعني ترتيب تهم مؤمرات وملفات فساد والتهم والمقالب والأفخاخ، فالتنافس السياسي هنا يغلب عليه دائما السوء، بتبريرات شر لابد منه؛ لأن بعض أحزاب السلطة تكيفت بهذا الوضع، وتفاعل الشارع معها بشكل ظاهر، هذا من جهة؛ ومن جهة اخرى: إذا منعنا التنافس في المجال السلطة فهذا يعني أننا سنصير إلى استبداد سلطوي بين أحزاب السلطة، وفي حال الاستبداد تكون النتائج والعواقب اخطر من نتائج التنافس السياسي.
والاخطر للإنسان في العراق وهو الأهم اصطفاف الكتل السياسية خلف المسميات الطائفية والقومية، لتحقيق أهدافها الربحية لا غير وهذا يجعل من العملية السياسية تراوح مكانها، لكن أرباح بعضها مستمرة، وإعادة الامور لنفس وضعها دون تغيير يذكر، وبالتالي يقتصر التغيير على بعض الوجوه، فيما يبقى الاطار العام ذاته والعودة لتقاسم السلطة على اسس طائفية وقومية، لان بعض الكتل “السياسية” تنصاع للتبعية الخارجية لما تطلبه بعض الدول، وربما بشكل علني او سري، وهذا أصل تأسيس السلطة في العراق (٢٠٠٣)؛ نتيجة لتفضيل مصلحة الخارج على الداخل، في حين تلك الدول تبحث عن مصالحها على حساب الإنسان، بمساعدة وجود الضعف في تطبيق القانون او سريانه على بعض دون البعض الاخر وترك تعديلاته، وهذا تغييب لمبدأ العدالة ناهيك عن انعدام المساواة، فلو طبق القانون على الجميع بنفس المستوى ومحاسبة “الفاسد” (الذي اصبح الجميع ينادي بمحاسبته) من الاعلى الى الادنى لكان الوضع افضل بكثير.
ثمة حاجة مرتهنة إلى النخب الثقافية الحقيقية في تحمل المسؤولية الكبيرة، تجاه جعل المجتمع يسير في تيارات ثقافية وفكرية سياسية راشدة، تقوم على المنطق العقلي المقبول، كما ذكر المؤرخ الكبير “ارنولد توينبي” في كتابه المختصر في دراسة التاريخ حين أشار فيه: يبدأ انهيار الحضارة حين تعجز النخب. اي حين تفقد النخب إمكانية جذب الجماهير، حينئذ يصبح الناس تائهين لا يعرفون ماذا يصنعون، وعندما يسود التنازع لا يعتبر سببا وانما نتيجة.
يكمن الخلل الاهم هو مداهنة ما يسمى “المثقفين” للسلطة أياً كانت، إضافة الى الضعف في الوعي الشعبي والتنظيمي؛ فبالرغم من تعدد الدورات الانتخابية ومرور “المواطن” وخوضه لتلك التجارب، إلا ان الوعي الانتخابي بشكل عام لا يزال دون مستوى الطموح، وربما هناك تعمد من السلطة وروافدها في التشويش وخلط الاوراق واللجوء للأساليب الملتوية لجذب “الناخبين” في عدة متاهات.
وعليه؛ يبقى الحل اولاً واخيراً بيد الجماهير، فهم صناع زمام المبادرة وخلق أجواء التغيير.