23 ديسمبر، 2024 5:01 ص

أفق الكتابة بين إغفاءة النصوص و فضاءات غياب الموهبة

أفق الكتابة بين إغفاءة النصوص و فضاءات غياب الموهبة

قراءة في مجموعة ( إغفاءة النتروجين ) لسلام حربة
إن الامتدادات الترصيعية و التحفيزية في دليل فضاءات قصص مجموعة ( إغفاءة النتروجين ) لسلام حربه أخذت تشكل في ذاتها ثمة مزحة تشكيلية ذات مزوقات زخرفية ملطخة بأشباه القرائن الدلالية المسيسة في متون حكايات غريبة الأطوار و المضامين . إذ أنها تبدو من جهة ما موحية بالأشياء و أفكارها و حالاتها بموجب كاميرا مغلوطة البوصلة و الرؤية و العلامة . وصولا الى أنها تشكل في ذاتها الانشائية ثمة منازع محاكاتية لأجواء ( الفنتازيا / الحلم / الحكاية الشعبية ) و بعيدا عن أي تأويل شخصي مني أقول أنها نصوص تفاعلية الملفوظي في سياق إجرائية أستدراج طرفي سلطة تداعي الفضاءات الملتبسة بالدليل المسيس شكلا و موضوعا و أفقا . و تعميقا لهذا النزوع الممعن في أفق الأيقاعات المبعثرة في نصوص مجموعة القاص واجهتنا ثمة مكونات غرائبية أخذت تتم لنفسها بموجب علامات سياقية تعرضية مع مواقع ملمح تلك المتواليات الملتبسة في مخطط أحداث النصوص و حواراتها و شخوصها و مواقفها و دلالاتها اللامعبرة .ففي قصة ( بيضة الديك ) نعاين ثمة حكاية تحايث أجواء نصوص الخرافة و حكايات ( جدتي؟)

بيد أنها لا تشكل في مضمونها الفني و التقاني و الموضوعي أية قيمة دلالية محتملة في النص : ( في الحي الذي نسكنه و الذي يدعى بحي الأساتذة .. التسمية جاءت من أهمية الشخوص التي تعيش فيه حصل أمر لم يكن في الحسبان فقد أستيقظنا صباحا و النعاس لم يتبخر بعد من عيوننا على مشادة و لغط كبيرين في سطحي الدارين و الواقعين في الطرف الشمالي من حينا و العائدين الى الأستاذ جواد الأكاديمي المختص بأمور التربية و التعليم و الأستاذ سعيد و الذي لم يفصح عن شهادته يوما ما و لكن المقربين منه يجهرون بأستاذيته و تتكسر نظراتهم هلعا لتنغرز أرضا حين يمر بالقرب منهم . ) لا شك أن القارىء لمستهل هذه القصة سوف يفترض لنفسه دلاليا بان لهذه الموضوعة ثمة صلة بأجواء التشاكل العلمي و التربوي و التحضر الأخلاقي الرفيع في مجتمع عوالم الأساتذة ، بل أنها لا تنهض أي محفوفات القصة إلا بذكر كلمة وصفة ( الدكتور / الأستاذ ) غير أنها و مع مرور زمن هذه المقدمة السياقية نكتشف بأن هناك تغييب حقيقي لدليل مؤشرات الموضوعة و الفكرة المركزية اللادلالية في عتبات النص . أن قصة ( بيضة الديك ) يرافقها ثمة ترتيب تنازلي يوحي بتساقط الحالات عن بعضها البعض ، أي بمعنى أدق ، أن حكاية النص و مقولاته جاءتنا مفصولة تماما عن بعض أحداث متن النص و دلالاته المنكفئة في فضاءات توظيفها المحكي المخالف . فأنا في الواقع لا أقدر حجم تلك العلاقة الدلالية و الايقونية بين

( حي الأساتذة ) و بين مجموعة تلك الألقاب و ما ظهر منها من نخبة الأساتذة و العباقرة من خرافات مفارقة تخص أحجية بيضة الديك فضلا عن تواجد تلك الأمثولية فوق جدران السطوح كهيئة رجل يجلس بوقار ؟ فلنتأمل إذن بعض ما جاء في الفقرات التالية من أحجية بيضة الديك :

( كانت عفونة الكلام النتن المعتق تصفع وجوهنا قبل أن تبللها نسائم الصباح الندية فقد أعتدنا النوم على السطوح في الصيف و هذه عادة أكتسبناها منذ زمن بعيد فبطون البيوت تنتفخ بالحر اللاهب و يقرب ولادة الجحيم .. تسسلل أهل الحي الى سطحي البيتين لنجد العائلتين مشتبكتين بقذائف من سباب و شظايا تطعن الوجوه بالغضب الأحمر و الزبد يتطاير من الأفواه .. الأبصار مصوبة على الحائط المتآكل الفاصل بين البيتين و الذي تستقر عليه ما تشبه البيضة . كبيرة لم أر مثلها من قبل مخروطية الشكل كهيئة رجل جالس بحشمة و وقار ينظر الى اللاأين .. يزيدها سطوعا خيوط شمس مبكرة لاهية .. طويت خطاي المسرعة سطح بيت جواد فهو الأقرب الى نفسي من جاري سعيد نلوك لغة تطرزها حروف كلام واحد و نتقاسم العمر سوية أفراحا قليلة و مآسي فائضة .. الطرفان تعلو نبرتا صوتيهما بأستمرار ما داما ناظرين الى هذه الشبيهة بالبيضة ) بعد أن رأينا كيف تتحول مستويات السرد الى علاقة تتبادل من خلالها الأستدعاءات الحياتية ما بين شخصية السارد و بين شخصية جواد و الخصم الآخر سعيد و القابلة لأن تكون موضوعا

لحكاية و حبكة تلك المشاجرة و الصراع من أجل غنيمة الحصول على تلك البيضة الخرافية ، وصولا الى مراحل استعصاء غرائبية بين الأطراف المتنازعة ، مما جعل الأمر أشبه ما يكون باللجوء الى قوى القبائل و العشائر سعيا منهم للحصول على تلك البيضة : ( قال شيخ عشيرة سعيد بصوت مرتجف .. لن تغمض لنا عين إلا و البيضة بين ايدينا .. هذه البيضة كالقلب لعشيرتنا .. أجابه شيخ عشيرة جواد قبل أن يلتقط أنفاسه الأخيرة ـــ لن تفارق البنادق أيادينا من ألآن و صاعدا إلا بعد أن نحصل على البيضة .. لن يبقى حي الأساتذة حيا إذا ما أخذت البيضة من حائطنا ) و من خلال هذا المستوى من المحكي الذي هبط له سلام حربه في صناعة موضوعته القصصية التالفة ، أجدني أقول مستغربا مع نفسي : ما علاقة حي الأساتذة هذه الطبقة المثقفة من المجتمع بهكذا أنحدارية موضوعاتية في صناعة الفكرة القصصية ؟ وما علاقة هذا بذاك ؟ أنها حتما قصة تعود لزمن حكايات جدتي و المصباح السحري ؟ بل أنها أيضا لا تصلح حتى بالقول عنها جزافا بأنها حكاية متخيلة تخص فئة شعبية أمية سحيقة ؟ أنها قصة نستطيع القول عنها على أنها مجموعة كلمات و زوائد و حشو و تخريف حيث لا تنتمي لأي قيمة وظيفية في منظومة السرد القصصي في أي مكان و محيط في فن القصة الفصيرة ؟ فأنا شخصيا لا أعي ما يرمي إليه سلام حربه من وراء هكذا أنشائية مدرسية باذخة بروح المجانية و اللهو و الفراغ التنصيصي ؟ على أية حال لنتابع ما جاء في نهاية القصة من مواقف و علاقات و

بالملاحظة المتحققة من الموجود في مضمون المعنى القصصي : ( أمتدت الأيادي بخفة الى البنادق المتكئة على الحيطان و الى الأسلحة المخبوءة في السراويل الفضفاضة و تطايرت من العيون رسائل غامضة قفزت الى وسط الصالة و أنا أحاول و أنا أرطب أفواه البنادق العطشى برشفة كلام بارد .. ــ أخوان هذه البيضة كبيرة وهي ملك الحي كله وقادرة على أطعام جميع الأفواه .. ما رأيكما أن تتقاسماها ؟ سرت في الفريقين همهمات مكتومة و انطبع الرضا في العيون بريقا صافيا و ارتخت لسحر الكلام الملامح النافرة قبل أن تجهر الأفواه بالتأييد .. بادر شيخ عشيرة جواد بالقول ــــ موافقون بشرط أن تطهى البيضة في مقلاتنا .. عقب شيخ عشيرة سعيد بتحد واضح .. ــ حسنا و لكن مقلاتكم ستوضع على نارنا ..) هكذا بدت الأشياء فوق سطوح بيضة ( سلام حربه ) و دون أن توفر للقارىء أدنى معنى دلالي عابر ، بل أنها لا تعد بحد ذاتها مشروع تركيزي ما في مادة الأنشاء الخواطري المكتوبة حروفه فوق جدران الزوايا التالفة في مسكونية الإحياء العتيقة . أما الحال في قصة ( ثياب الأفعى) و قصة ( جمعية خيرية أيضا ) و قصة (رسوب جماعي ) و قصة ( ساعات و عقارب ) و قصص أخرى في المجموعة فأنها بدورها أيضا لا تنهض و منذ وهلة قراءتها الأولى بتحديد مشروعية رصانة البناء القصصي لا من بعيد ولا من قريب . بل أنها محض خطاطات تقترب من عوالم الفكاهة و التشويش و التحشيش و التفكك الدلالي و الاعتباري . بأستثناء ما جاء في دلالات قصة ( إغفاءة النتروجين ) فهذه

القصة تبدو علامة واعية في حركية علاقاتها العضوية و الامتدادية و التحفيزية نحو هيكلية المبنى الدلالي و البنائي في النص .

( تعليق القراءة )

إن قراءتنا لمجموعة قصص ( إغفاءة النتروجين ) للأسف الشديد لم نخرج منها بأي شيء إيجابي يذكر سوى ملاحقة الثغرات و العيوب الواضحة في عوالم تنصيصات سلام حربه الكتابية في مجال الفن القصصي ، و ذلك لأن معطيات نصوص المجموعة قد جاءتنا ضمن ملامح و تصنيفات و توالدية عقيمة الى حد لا يوصف .. في الواقع أن ما جاءت به نصوص سلام حربه لا أتصور من جهتي الشخصية بأنها تسعى نحو معنى ما رصين في حقل إجرائية مشروع الدلالة في النص القصصي . فقط أشك بأن كتابها كان يسعى من خلال تقديمها وطبعها الى أدراج شخصه و أسمه في مجال ليس له فيه من دليل ما أو موهبة ما أو ذائقة ما أو رؤية ما . حصرا أجدني أقول هنالك أقصوصة في مجموعة القاص وهي ( إغفاءة النتروجين ) فهذه الحكاية رحلة فنتازية ذكية وحاذقة تنزع بأدواتها نحو الفضاء الغيابي المؤدلج بالحضور المبطن بين واقع الأنتماء الحسي الى المدينة و الأشياء وصولا الى مرحلة الشرود الذهني و المادي و العضوي من

جراء وحشية تلك اللحظات الشعورية التي واجهتها الشخصية في النص فلا يمكن لنا أن نرى لها من بديلا سوى الهروب الهستيري نحو أحواض التفاعل مع النتروجين الغيابي في إغفاءة وحدة الشرود الأبدية من واقع وصور الفضاء القاهري الذي قد حدث في المدينة بعد غيابه الفنتازي و الكيميائي الطويل عنها . أن القاص حربه في قصته

(إغفاءة النتروجين ) تحديدا دون قصص المجموعة الأخرى ، يشكل عبر هذا النص علامة تفوق واضحة وهو يرسم شفرات حكايته السحرية عبر وظيفة الانقياد اللاشعوري و الانتقائي لمكونات الصراع الانساني في وحشية الكون و الأشياء و الأختيار نفسه ، فالحقيقة الخارجية و الداخلية في هذا النص ، ليست كيانا انحرافيا بمجرى السلوك الانساني السليم ، بل العكس تماما ، هو واقع تحديثي محكوم بالسببية و منطق العلاقات القائمة في الصوت و الهوية و الصورة القابلة لحيثيات الانطباعية الايحائية الانسانية المتجددة و التي يمكنها من استشراف الواقع النصي في شكل مفتوح على حيز دلالات التمرد و الانطلاق الحلمي في زمن فقدان المشهد الحقيقي لواقع الانسان المتفرد .